في أكتوبر 2022، أعلنت المملكة العربية السعودية أن “أوبك +”، وهي مجموعة من الدول المصدرة للنفط تضم دول أوبك إضافة إلى روسيا، ستخفض أهداف إنتاج النفط بشكل كبير، يصل إلى مليوني برميل يوميًا. بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، أخذت السعودية دائمًا زمام المبادرة في جهود المجموعة لإدارة سوق النفط العالمية.
اقرأ أيضا.. أمريكا والسعودية و”أوبك +”.. انتكاسة في العلاقات أم بحث عن مقايضة جديدة؟
مجلة “فورين آفيرز” الأمريكية، وتحت عنوان: “المملكة والقوة.. كيف يمكن إنقاذ العلاقات الأمريكية السعودية” قالت إن هذه الخطوة كان لها تأثير فوري وإن كان متواضعًا نسبيًا على أسعار النفط، التي ارتفعت من مستوى منخفض للعام بحوالي 76 دولار للبرميل قبل الإعلان إلى نطاق يتراوح بين 82 دولار و91 دولار بحلول منتصف نوفمبر/تشرين ثاني. الصدمة التي شعر بها الأمريكيون كانت جيوسياسية أكثر منها اقتصادية، إذ طلبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من المملكة العربية السعودية تأجيل الخفض. لكن الرياض مضت في ذلك على أي حال، متجاهلة طلبات واشنطن.
اتهامات متبادلة
أثارت الاتهامات المتبادلة بين واشنطن والرياض تساؤلات حول مستقبل العلاقات الثنائية. ردًا على قرار (أوبك +)، أعلنت إدارة بايدن أنها ستعيد تقييم علاقتها مع المملكة العربية السعودية وقالت إن التخفيضات “ستزيد الإيرادات الروسية وتقلل من فعالية العقوبات” التي تم فرضها ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتعهد روبرت مينينديز، السناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، بمنع بيع الأسلحة للسعودية. كما قدم العديد من أعضاء الكونجرس مشروع قانون يفرض سحب القوات الأمريكية من المملكة. ورفضت الرياض التراجع، قائلة إن قرار (أوبك +) كان بالإجماع ومبنيًا على “أسباب اقتصادية بحتة”.
في الأشهر الفاصلة، تراجعت حدة التوتر لدى الجانبين، ويبدو أنه من غير المرجح أن تؤدي إعادة تقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية التي وعدت بها إدارة بايدن إلى تغيير كبير. فالعلاقات الأمريكية السعودية استطاعت النجاة من أزمات أسوأ.
في نوفمبر 2022، منحت إدارة بايدن حصانة سيادية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على أساس دوره كرئيس وزراء السعودية، في قضية مدنية أمريكية رفعتها عليه خطيبة جمال خاشقجي، الصحفي السعودي الذي قتل على يد عملاء سعوديين. الحصانة هي علامة واحدة، من بين العديد من المؤشرات الأخرى، على أن العلاقات الأمريكية السعودية ليست في طريقها إلى التمزق. لكن أزمة (أوبك +) وتداعياتها تشير إلى وصول تلك العلاقة إلى مرحلة جديدة. إذ أنه لأول مرة منذ منتصف القرن العشرين، تكون الرياض خارج استراتيجية واشنطن الكبرى.
النظام العالمي يتغير
يميل محللون ومراقبون للشؤون الأمريكية السعودية إلى التركيز على الأفراد وأجنداتهم. ولي العهد محمد بن سلمان يسعى إلى إعادة تشكيل اقتصاد المملكة ورفع دور بلاده كلاعب عالمي مستقل. وعلى النقيض من ذلك، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن لديه أسلوب أكثر حذرا، خاصة أنه يريد جعل الديمقراطية محور سياسته الخارجية، وحشد العالم ضد روسيا والصين.
هذه الفجوة بين شخصيات وأهداف الرجلين مهمة بلا شك في تشكيل العلاقات بين البلدين. كذلك يشير جدل (أوبك +) إلى ثلاثة تغييرات مهمة في العلاقة الثنائية تتجاوز الشخصيات وستكون لها عواقب أكثر ديمومة من أفعال وردود فعل أي من صناع القرار:
أولا: تغير ميزان القوى العالمي
يتضاءل النفوذ النسبي لواشنطن مع تحول النظام الدولي إلى متعدد الأقطاب، ما يجعل الدول ذات القوة المعتدلة مثل المملكة العربية السعودية أكثر عرضة للتحوط في رهاناتها وأقل احتمالية لإلقاء نصيبها بحجر قوة عظمى واحدة فقط.
ثانيًا: ضغوط على المملكة
بينما يدفع تغير المناخ العالم بعيدًا عن الوقود الأحفوري، تتعرض المملكة العربية السعودية لضغوط للاستفادة من احتياطياتها النفطية بينما لا تزال تستطيع ذلك، فهناك شعور بالإلحاح يطبع نهجها في الإنتاج والتسعير.
ثالثًا: استقطاب الحزبين
مثل كل قضية ذات أهمية تقريبًا في السياسة الأمريكية، أصبحت مسألة العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية مستقطبة بشكل مكثف على طول الخطوط الحزبية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن السعوديين أنفسهم أوضحوا تفضيلهم للجمهوريين.
لم يعد التداخل الاستراتيجي الكبير الذي حدد العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية على مدى عقود هو العامل المهيمن الوحيد. لكن هناك آفاق للتعاون في مجموعة ضيقة نسبيًا من القضايا الإقليمية والاقتصادية تظل لها حضورا جيدا، لكن بشرط أن يفهم الجانبان هذه التحولات حتى يتمكنا من الوصول إلى مجموعة أكثر واقعية من التوقعات المشتركة.
زوجان أيديولوجيان
أصبحت المملكة العربية السعودية مهمة للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في ظل الدور المركزي الذي سيلعبه النفط في الاستراتيجية العسكرية الحديثة والتنمية الاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين، شهد العالم ثلاث فترات في توزيع القوة العالمية. أولهم الحرب الباردة، إذ لم يكن أمام المملكة العربية السعودية خيار سوى دعم الأهداف الجيو سياسية للولايات المتحدة. بعد كل شيء، لم يكن بإمكانها الاعتماد على المساعدة الأمنية والاقتصادية من الاتحاد السوفيتي، الذي دعم العديد من خصوم الرياض الإقليميين واعتنق أيديولوجية شيوعية ثورية تتعارض مع الأساس الإسلامي المحافظ للحكم السعودي.
في ذلك الوقت، ظلت القرارات المتعلقة بإنتاج النفط السعودي في أيدي شركات النفط الأمريكية التي طورت صناعة النفط السعودية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. لم يكن لدى الرياض القوة للتعامل مع موسكو في مسائل النفط، حتى لو أرادت ذلك.
كانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضًا زوجين أيديولوجيين غريبين. الأعداء المشتركون والاحتياجات الاقتصادية التكميلية جعلتهم شركاء بشكل افتراضي. الاستثناء الوحيد لانحيازهم كان الصراع العربي الإسرائيلي.
أدى اختلافهما حول هذه القضية إلى أكبر أزمة في تاريخ العلاقات الثنائية: وهي الحظر النفطي في 1973-1974، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973، خفضت المملكة العربية السعودية وخمس دول عربية أخرى إنتاجها لفترة وجيزة. كما توقف شحن النفط إلى الولايات المتحدة. ما أدى لاضطراب كبير في عمليات الشراء بدافع الذعر، وتضاعفت أسعار النفط أربع مرات، ما أدى لتحول عميق في علاقات القوة داخل سوق النفط.
فترة أحادية القطبية
بعد مرحلة حرب أكتوبر أصبح الحفاظ على العلاقات الجيدة مع السعوديين هدفًا متزايد الأهمية من الحزبين الأمريكيين الديمقراطي والجمهوري. نما التعاون خلال الثمانينيات، حيث ساعد البلدان الأفغان والمقاتلين الأجانب بشكل مشترك في مقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان 1979، ووصل إلى ذروته خلال حرب الخليج 1990-1991، والتي تزامنت مع نهاية الحرب الباردة وأظهرت فائدة للعلاقات الثنائية بين الجانبين.
كانت الفترة الثانية هي فترة القطبية الأحادية للولايات المتحدة، التي امتدت من انهيار الاتحاد السوفيتي إلى وقت ما في عام 2010. في هذه الحقبة، كانت الولايات المتحدة هي الخيار الوحيد لدول مثل السعودية التي سعت إلى الشراكة مع قوة عظمى.
خلال هذه الفترة، حدثت أزمة كبيرة أخرى وهي هجمات 11 سبتمبر 2001، التي خطط لها أسامة بن لادن، سليل إحدى أغنى العائلات السعودية، ونفذها 15 سعوديًا (من إجمالي 19 مختطفًا). منذ أن استهدفت القاعدة الأسرة السعودية الحاكمة والولايات المتحدة، وجدت الدولتان مرة أخرى أن عدوًا مشتركًا يمكن أن يجمعهما معًا. خلال “الحرب على الإرهاب” اللاحقة، قام كل من الرئيسين الأمريكيين جورج دبليو بوش وباراك أوباما بتنمية علاقات استخباراتية وثيقة مع المملكة العربية السعودية. كانت واشنطن هي “اللعبة الوحيدة في المدينة”، ودعمت الرياض المبادرات الأمريكية حتى عندما شككت المملكة علنًا في حكمتها، وعلى الأخص أثناء غزو العراق عام 2003.
حدثت نهاية لحظة الأحادية القطب تدريجياً بحلول عام 2020، إذ تضافرت جهود تبديد الأصول الأمريكية ومصداقيتها في العراق وأفغانستان، ونمو الخلل الوظيفي والاستقطاب في السياسة الداخلية الأمريكية وصعود الصين، ومحاولة عودة روسيا كقوة عظمى لخلق توازن دولي جديد.
وعلى عكس الفترتين السابقتين، غاب عدو مشترك يدعم العلاقات الأمريكية السعودية في الفترة الثالثة. إذ سعت إدارة بايدن إلى حشد التحالفات الدولية ضد روسيا والصين، لكن المملكة العربية السعودية لا ترى أيًا من هاتين القوتين على أنهما أعداء. فالصين الآن أكبر عميل للملكة وأكبر شريك تجاري لها في مجال النفط. إذ زادت التجارة بين المملكة العربية السعودية والصين من أقل من 500 مليون دولار في عام 1990 إلى 87 مليار دولار في عام 2021. وفي نفس العام، كانت قيمة الصادرات السعودية إلى الصين، ومعظمها من النفط والمنتجات البترولية، أكبر بثلاث مرات من الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة. وما يقرب من ضعف تلك إلى الهند واليابان ثاني وثالث أكبر أهداف الصادرات السعودية. كما تعتبر روسيا الشريك الضروري للمملكة العربية السعودية، رغم صعوبة ذلك في بعض الأحيان، في إدارة سوق النفط العالمية. إذ تنتج دول (أوبك +) ما يقرب من 40 مليون برميل من النفط يوميًا؛ وتشكل السعودية وروسيا مجتمعتين أكثر من نصف هذا العدد.
العلاقة الاستراتيجية الحميمية لن تعود
لكل هذه الأسباب، عندما يستعرض القادة السعوديون المشهد الجيو سياسي، فإن الصورة التي يرونها تختلف بشكل ملحوظ عن الصورة التي يراها نظراؤهم الأمريكيون. بالنسبة لنخب واشنطن التي أصبحت معتادة على الدعم السعودي شبه المؤكد للولايات المتحدة، فإن هذا الواقع الجديد يمثل صدمة، ولهذا السبب كان رد فعل بعض السياسيين هستيريا على قرار (أوبك +).
ردود الفعل هذه لا تتعلق فقط بأسعار النفط في الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي التي جرت مؤخرا. إذ أن السعودية والولايات المتحدة اختلفتا كثيرًا في الماضي حول أسعار النفط. لكن الاختلاف هذه المرة هو في السياق الجيو سياسي، خاصة الحرب في أوكرانيا، التي حددتها إدارة بايدن كنقطة انعطاف تاريخية ستحدد مستقبل النظام العالمي. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الهند وإسرائيل، فإن حرب أوكرانيا مجرد حرب إقليمية.
من ناحية أخرى، شن الرؤساء الأمريكيون الثلاثة السابقون حملتهم على أساس أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قضاء وقت وجهد أقل في الشرق الأوسط. وهذا لا يبعث على الارتياح لنظام سعودي يرى إيران التي وسعت نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، تهديدًا إقليميًا خطيرًا. كان الهدف المعلن لتركيز الولايات المتحدة على منطقة الخليج العربي على مدار السبعين عامًا الماضية هو حماية التدفق الحر للنفط. لكن عندما شنت إيران هجومًا صاروخيًا وأرسلت طائرة بدون طيار على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، وهو أخطر هجوم على التدفق الحر للنفط، لم تفعل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شيئًا، رغم العلاقات الوثيقة التي عززتها مع الرياض.
لم تعد المملكة شريكًا تلقائيًا للولايات المتحدة. فالعلاقة الاستراتيجية الحميمية للعصور السابقة لن تعود. لكن التعاون المحسوب ممكن، حتى لو استمرت السياسات المحلية على كلا الجانبين في إفراز الصعوبات.
فرصة الرياض الأخيرة
رغم أن المملكة العربية السعودية تفضل دائمًا أسعار نفط أعلى مما يرغب به رؤساء الولايات المتحدة، فقد اعتادت المملكة في بعض الأحيان الاستجابة لطلبات واشنطن لزيادة المعروض والحصول على المزيد من النفط في السوق، عادةً في الفترة التي تسبق الانتخابات الأمريكية. لكن في أكتوبر 2022، ذهبت نداءات واشنطن أدراج الرياح.
من وجهة نظر الرياض، يجب أن تستغل المملكة فرصتها الأخيرة للاستفادة قبل انتهاء عصر النفط. هذا هو الافتراض وراء خطة إعادة الهيكلة الاقتصادية الطموحة لرؤية 2030 لولي العهد -لخلق اقتصاد سعودي أكثر تنوعًا قبل الانتقال إلى أنواع الوقود البديلة، والتغيرات التكنولوجية الأخرى. هذا لن يحدث لسنوات. لكن ولي العهد يحتاج إلى كل النفوذ الذي يمكنه الحصول عليه للاستثمار في القطاعات غير النفطية للاقتصاد السعودي ولحماية شعبه من العواقب المؤلمة للإصلاحات الضرورية، مثل خفض الدعم الكبير للمرافق العامة، بما في ذلك المياه والكهرباء، وإدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15% على مشتريات المستهلكين.
وهذا يفسر سبب استهداف سياسة النفط السعودية في الحفاظ على الأسعار عند مستوى يمكن أن يمول خطط محمد بن سلمان الطموحة ولا يزال يحافظ على مستوى ثابت من الطلب العالمي. لن تتوافق هذه الضرورات دائمًا مع التقويم الانتخابي للولايات المتحدة. خاصة مع وجود تداخل أقل بين استراتيجية واشنطن الكبرى ومخاوف السياسة الخارجية للرياض، فإن القيادة السعودية أقل احتمالية مما كانت عليه في الماضي لتقديم أي مزايا انتخابية لرؤساء الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالنفط.
في الماضي، لم تحظ العلاقات مع المملكة العربية السعودية بدعم كبير بين عامة الناس، لكن من كان في البيت الأبيض أراد أن تكون له علاقات جيدة مع أكبر مصدر للنفط في العالم. بدأ ذلك يتغير خلال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ترامب والسعودية
لم يُخفِ ترامب حبه للسعوديين، ومحمد بن سلمان على وجه الخصوص. في خطوة غير مسبوقة، جعل من الرياض أول عاصمة أجنبية يزورها. وتفاخر وبالغ في مبيعات الأسلحة التي تفاوض عليها مع المملكة. في خطوة محفوفة بالمخاطر، ألمح ترامب علنًا إلى دعمه لمحمد بن سلمان حيث تفوق الأمير على ابن عمه محمد بن نايف، المحاور الرئيسي للإدارات الأمريكية السابقة، وأطاح به من السلطة في عام 2017.
تاريخيًا، لم يشارك الرؤساء الأمريكيون أنفسهم علنًا، حتى بشكل غير مباشر في سياسة قصر عاهل السعودية. لكن ترامب راوغ بشأن تواطؤ محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي، حتى في مواجهة أدلة قوية على أن الجريمة نُفِّذت بتوجيه من ولي العهد. وطور جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، علاقة مباشرة خارج القنوات الدبلوماسية العادية مع ولي العهد. بعد ترك المنصب، تلقى كل من كوشنر وستيفن منوتشين، الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد ترامب، استثمارات كبيرة من صندوق الثروة السيادية السعودي لمشاريع الأسهم الخاصة. وفي نوفمبر الماضي، وافقت شركة ترامب على ترخيص اسم ترامب لمجمع سكني فاخر ومجمع جولف بمليارات الدولارات يتم تطويره في عُمان من قبل شركة عقارية سعودية كبرى.
عندما تولت إدارة بايدن السلطة، قامت بتطبيق الازدراء للسعودية الذي عبر عنه الرئيس خلال الحملة الانتخابية. رفض بايدن التحدث مع ولي العهد وأذن بنشر تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يحمله مسئولية وفاة خاشقجي. كما قلصت واشنطن دعمها للجهود الحربية السعودية في اليمن وسحبت صواريخ باتريوت المضادة للطائرات من المملكة، حتى في الوقت الذي واجهت فيه السعودية هجمات صاروخية من الحوثيين في اليمن.
تسببت الحرب في أوكرانيا والارتفاع اللاحق في أسعار النفط في إعادة النظر في الإدارة. كان عزل السعوديين ممكناً أثناء انخفاض الطلب العالمي على النفط أثناء جائحة COVID-19. لكن عندما حاولت الولايات المتحدة قطع صادرات النفط الروسية مع تعافي الاقتصاد العالمي والطلب على النفط. كانت الرياض واحدة من الجهات القليلة التي يمكنها ضخ المزيد من النفط على الفور. ومع ذلك، فإن رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية لم تحقق الكثير، بل ولدت المزيد من المشاعر السيئة.
الطريقة الخرقاء والأخطاء
تعامل بايدن مع العلاقة بطريقة خرقاء، لكن السعوديين ليسوا بلا أخطاء. كان مقتل خاشقجي بالطبع جريمة لا تغتفر. وكان السعوديون علنيين للغاية في احتضانهم لترامب، من ترحيبهم السخي في بداية رئاسته إلى مشاركتهم في مشاريعه التجارية وعائلته منذ هزيمته في عام 2020. في النهاية، لم يتحرك ترامب حتى للدفاع عن المملكة عندما هاجمت إيران منشآت النفط السعودية في عام 2019. ومع ذلك، يبدو أن القيادة السعودية قد خلصت إلى أنها لا تستطيع الحصول على آذان صاغية من الديمقراطيين ويمكنها فقط أن تأمل في عودة الجمهوريين إلى السلطة.
عندما رفض السعوديون طلب إدارة بايدن الديمقراطية بتأجيل خفض إنتاج (أوبك +) إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي، عزز ذلك الشعور بأن الرياض لا تريد أن تقدم للديمقراطيين أي مصلحة. لا يمكن أن تستمر علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأجنبية من قبل طرف واحد فقط. يشكل هذا الاستقطاب الحزبي أكبر تهديد للعلاقة الأمريكية السعودية.
بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تمنح امتيازًا لحقوق الإنسان وتجنب الوقود الأحفوري، فإن العلاقات الأمريكية السعودية المتوترة لا تشكل أي مشكلة. لكن حتى إدارة بايدن، التي دخلت إلى الحكم وهي سعيدة بالنأي بنفسها عن الرياض، سرعان ما أدركت الحاجة إلى علاقة عمل مع أكبر مصدر للنفط في العالم. بغض النظر عن مدى التزام الولايات المتحدة بتبني الطاقة النظيفة، ستكون هناك حاجة إلى النفط خلال الفترة الانتقالية. كذلك فإنه بغض النظر عن مدى رغبة الأمريكيين في الابتعاد عن الشرق الأوسط ، فإن لدى واشنطن التزامات جيو سياسية في المنطقة تجذب الولايات المتحدة مرة أخرى: منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، ومنع عودة الجهاديين، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي لتقليل ضغوط اللاجئين على اللاجئين، وإدامة العلاقة مع إسرائيل. إذا ظل النفط والشرق الأوسط مهمين لمصالح الولايات المتحدة ، فإن علاقة العمل مع المملكة العربية السعودية ضرورية.
الخطوة الأولى في الحفاظ على مثل هذه العلاقة هي إدراك كيف تغيرت. لقد ولت الأيام التي كانت فيها المملكة العربية السعودية تقف تلقائيًا إلى جانب الولايات المتحدة في القضايا الاستراتيجية الكبرى. بالنسبة للسعوديين، تلوح الصين وروسيا الآن في الأفق أكثر من أي وقت مضى. هذا لا يعني أن الرياض ستعمل ضد الولايات المتحدة على المستوى العالمي. هذا يعني فقط أن السعوديين سينظرون في القضايا كل على حدة.
سيتطلب ذلك من الولايات المتحدة اتباع نهج مفتوح واستشاري، والحفاظ على قنوات الاتصال لإقناع السعوديين بالمصالح المشتركة بشأن القضايا العالمية.
تراجع العائق التقليدي
فيما يتعلق بالقضايا الكبرى في الشرق الأوسط، فإن واشنطن والرياض ليستا بعيدتين عن بعضهما البعض. لم تعد العائق التقليدي، فالعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست عقبة الآن بفضل الدفء في العلاقات السعودية الإسرائيلية.
نقطة توتر أخرى مع الرياض تبدو فجأة أقل بروزًا هي جهود واشنطن لتقليص أنشطة إيران النووية من خلال الدبلوماسية، والتي كان السعوديون قلقين من أنها قد تنطوي على تنازلات لإيران من شأنها أن تعزز نفوذ طهران الإقليمي.
على الرغم من خلافاتهما حول أسعار النفط، لا تزال المصالح الاقتصادية للبلدين متداخلة بشكل مهم. إنهم يشتركون في مصلحة الحفاظ على هيمنة الدولار الأمريكي. وتسعّر الرياض نفطها بالدولار، وهو ما يدعم دور الدولار كعملة احتياطية للعالم لأن مستهلكي النفط يجب أن يكون لديهم دولارات في متناول اليد لتمويل احتياجاتهم من الطاقة.
أخيرًا، من مصلحة كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مواصلة التعاون في القضايا العسكرية والاستخباراتية. فبالنسبة للسعودية، لا الصين ولا روسيا تستطيعان توفير مستوى التعاون الأمني الذي تستطيع الولايات المتحدة القيام به. إذ يمكن لواشنطن وحدها إبراز قوة عسكرية كبيرة في منطقة الخليج العربي. والولايات المتحدة تستفيد من التعاون أيضًا. إذ تقلل مشتريات الأسلحة السعودية من تكاليف الوحدة لإنتاج الأسلحة الأمريكية وتربط جيشي الدولتين، ما يعزز شراكة طويلة الأمد.و مع الفشل المحتمل للمحادثات النووية مع طهران، تزداد فرصة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.