ذكر تقرير إخباري أمريكي أن مصر عطلت في الأسابيع الأخيرة تنفيذ الاتفاق بشأن جزيرتي “تيران وصنافير” الاستراتيجيتين في البحر الأحمر. وذلك لأسباب ذات طبيعة فنية. إلا أن التقرير عاد وأشار لأسباب أخرى وفق مصادره.

الاتفاقية وقعت بين مصر والسعودية خلال زيارة ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في 8 إبريل/ نيسان 2016 وقضت بترسيم الحدود البحرية بين البلدين. فيما تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وهما جزيرتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة، وميناءي العقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل.

وتقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتداد “مضيق تيران”، وهو طريق إسرائيل الوحيد لدخول البحر الأحمر. بينما جزيرة تيران أقرب الجزيرتين إلى الساحل المصري. إذ تقع على بُعد 6 كيلومترات من منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر.

جدل تيران وصنافير

تمركزت القوات المصرية في الجزيرتين منذ عام 1950. وكانتا من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية المهمة لمصر في فترة “العدوان الثلاثي” عام 1956. واستولت إسرائيل عليهما في ذلك الوقت، وفي حرب العام 1967، إلى أن استعادتهما مصر بعد حرب أكتوبر من العام 1973.

تقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتداد "مضيق تيران"، وهو طريق إسرائيل الوحيد لدخول البحر الأحمر.
تقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتداد “مضيق تيران”، وهو طريق إسرائيل الوحيد لدخول البحر الأحمر.

لذا، كان لإعلان نقل تبعيتهما للسعودية أثر كبير على الرأي العام في مصر، انفجر على إثره الوضع بالمظاهرات الرافضة. فيما اعتبرت أحزاب وحركات مصرية ونشطاء الجزيرتين “بقعة مُحتلة في صفقة مخزية، لم ولن يوافق عليها الشعب”. ووقّع 15 حزبًا وحركة سياسية معارضة ومئات المصريين، بينهم سياسيون وإعلاميون، بيانًا لإعلان رفض مناقشة الاتفاقية في مجلس النواب.

وفي يناير/ كانون الثاني 2017، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكمًا نهائيًا باتًا واجب النفاذ ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر السعودية. وأشارت المحكمة إلى أن الجزيرتين هما ضمن الإقليم المصري، وخاضعتان للسيادة المصرية الكاملة. وفي فبراير/شباط الماضي، قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية.

ولجأت الحكومة إلى المحكمة الدستورية العليا لتحديد أي من المحكمتين لها الولاية القضائية للفصل في هذا الخلاف. وأقر البرلمان المصري الاتفاقية في الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2017.

ما الذي عطلها؟

احتاجت هذه الصفقة لإتمامها موافقة من إسرائيل، بسبب معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979، والتي فرضت على الجزيرتين أن تكونا منطقة منزوعة السلاح ولديها قوة متعددة الجنسيات من المراقبين بقيادة الولايات المتحدة.

وأعطت إسرائيل موافقتها المبدئية على إعادة الجزيرتين إلى السعودية، بانتظار اتفاق بين القاهرة والرياض بشأن عمل القوات المتعددة الجنسيات وحرية الملاحة في المضيق.

لكن الصفقة لم يتم الانتهاء منها، بسبب رغبة السعودية في مغادرة المراقبين الدوليين للجزر. ما خلق الحاجة إلى ترتيب جديد يشمل إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر.

وفي سبتمبر 2021، بدأت إدارة بايدن التوسط بهدوء بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومصر بشأن هذه القضية. قبل يوم واحد من وصول بايدن إلى المملكة العربية السعودية في يوليو/ تموز الماضي، حيث تم الانتهاء من الصفقة.

وبحسب التفاهم، كان من المفترض أن تغادر قوات حفظ السلام التابعة للقوة متعددة الجنسيات، بما في ذلك الجنود الأمريكيون، تيران والانتقال إلى مواقع جديدة في شبه جزيرة سيناء ومراقبة الوضع في الجزر عن بعد باستخدام الكاميرات.

صورة لأحد عناصر القوات متعددة الجنسيات خلال مراقبة الملاحة بمضيق تيران نشرت في الصفحة الرسمية للقوات الأميركية المشاركة بالقوات المتعددة بسيناء
صورة لأحد عناصر القوات متعددة الجنسيات خلال مراقبة الملاحة بمضيق تيران نشرت في الصفحة الرسمية للقوات الأمريكية المشاركة بالقوات المتعددة بسيناء

واشنطن تريدها

إلا أن هذا التفاهم يواجه الآن تعطيلًا وضغطًا من الجانب المصري على الإدارة الأمريكية، التي تريد لهذه الصفقة أن تتم، لما ستوفره من خطوات نحو تسريع تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ذلك حسب ما ذكره موقع “أكسيوس” -نقلًا عن 4 مسئولين إسرائيليين ومصدر أمريكي.

وقد أبدت مصر تحفظًا بشأن تركيب كاميرات في الجزيرتين، من المفترض أن تراقب النشاط في تيران وصنافير، وكذلك في مضيق تيران. بينما نقل الموقع الأمريكي عن المسئولين الإسرائيليين اعتقادًا بأن مصر تعطل الصفقة بسبب قضايا ثنائية مع الولايات المتحدة. وخاصة فيما يتعلق بالمساعدة العسكرية الأمريكية.

والتقى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، الأسبوع الماضي، الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان في واشنطن لحضور القمة الأمريكية الإفريقية. وبحسب ما يذكره الموقع الأمريكي عن مصادر أمريكية وإسرائيلية، فقد أثار سوليفان قضية صفقة تيران وصنافير. وأكد أن إدارة بايدن تريد تنفيذها.

المعونة والضغط

وحسب “أكسيوس“، قال المسئولون الإسرائيليون إن الاتفاق، بما في ذلك انسحاب القوة متعددة الجنسيات من الجزر الذي أوجبته بنود الاتفاقية، لن يتم تنفيذه بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول بسبب التحفظات المصرية.

وبدعوى المخاوف حول ملف حقوق الإنسان في مصر، جمدت إدارة بايدن مرتين 10% من حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي تخصصها لمصر سنويًا.

اقرأ أيضًا: صندوق قناة السويس الاستثماري| توقيت يثير التساؤلات والفزع على أهم الأصول المصرية

وعندما زارت باربرا ليف، كبيرة دبلوماسية الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أخبرها المسئولون المصريون أنهم يتوقعون من الإدارة تحويل المبلغ الكامل للمساعدة العسكرية، إذا كانت تعتبر العلاقات استراتيجية بالفعل، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على القضية نقل عنها الموقع الأمريكي.

ووفقًا للمصادر، حثت ليف نظرائها المصريين على العمل بشكل أكثر منهجية في الضغط على الكونجرس بشأن المساعدات العسكرية. لكن المسؤولين المصريين أوضحوا أنهم لا يعتزمون بدء جهود ضغط كل عام. وشددوا على أنه عندما تكون هناك قضية مهمة للإدارة، فإنها تعرف كيفية إنجازها في الكونجرس.

يقول الموقع الأمريكي أنه كجزء من اتفاق “تيران وصنافير”، وافقت المملكة العربية السعودية على السماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي للرحلات المتجهة شرقًا إلى الهند والصين. وقالت إنها ستبحث الرحلات الجوية المباشرة من إسرائيل إلى جدة لشركات الطيران المعتمدة للحجاج المسلمين في إسرائيل الراغبين في المشاركة في الحج السنوي.

لكن إدارة بايدن تكافح لإقناع عمان بالسماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي. وبدون هذا الإذن من عمان، ستظل طرق الطيران لشركات الطيران الإسرائيلية مغلقة، وستصبح الخطوة السعودية بلا معنى إلى حد كبير.