لماذا تأثرت مصر بشدة بالأزمة الروسية الأوكرانية؟.. ولماذا لم تتحسن الصادرات غير النفطية رغم انخفاض الجنيه؟ وهل يضمن تحرير سعر الصرف عدم تكرار الأزمة الدولاية؟.. تتردد تلك الأسئلة على لسان المعنيين بالشأن الاقتصادي مع أزمة العملة الصعبة التي تواجه مصر حاليًا، والتي كانت أحد أسباب انخفاض معروض السلع في السوق المحلية وارتفاع أسعارها.
تقرير مرصد الاقتصاد المصري الذي تصدره إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة البنك الدولي، تناول بعض الإجابات عن تلك المشكلة، مشخصًا في الوقت ذاته أسباب الأزمة الحالية، وملامحها وتوقعاتها المستقبلية على مستويات النمو والتضخم وسعر الصرف في تقرير صدر حديثا.
اقرأ أيضا.. الدولار والفائدة والديون بعد قرض الصندوق.. 3 أشهر صعبة تنتظر الاقتصاد
بحسب التقرير، فإن أحد مشكلات الاقتصاد المصري اتجاهه على مدار العقدين الماضيين نحو قطاعات غير تجارية ذات إنتاجية أقل، مثل قطاعات: النقل، والبناء، وتجارة الجملة والتجزئة مع محدودية قدرة الصادرات على النفاذ إلى الأسواق، وعدم تطورها على النحو المطلوب، ما جعل البلاد عرضة للصدمات الخارجية المتداخلة التي تزيد من تقويض مصادر الدخل الأجنبي.
قطاعات أقل إنتاجية (البناء والنقل)
رغم تحقيق مصر معدلات نمو مطردة بلغت في المتوسط 5٪ في السنوات الثلاث التي سبقت جائحة كورونا، فقد ظل نشاط القطاع الخاص غير البترولي بطيئًا، كما هو متوقع أشار التقرير لتأثر النشاط الاقتصادي بمصر على المدى القريب بسبب تداعيات الصراع الروسي ــ الأوكراني، والاضطرابات المستمرة المرتبطة بجائحة كورونا.
تشير توقعات البنك إلى تباطؤ النمو إلى 5.4 ٪ في السنة المالية 2022 /2023 مقابل 6.6٪ في السنة 2021/2022، وهو رقم قريب من التعديل الذي أجرته وزارة التخطيط عل توقعاتها للنمو للعام المقبل، لتستهدف 5% بدلاً من 5.5% في العام المذكور.
وارتفع معدل نمو الاقتصاد المصري من 3.3% في العام المالي 2020/2021 -خلال جائحة كورونا- إلى 6.6% خلال العام المالي الماضي 2021/2022، قبل أن يتراجع خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2022/2023 إلى 4.4% بفعل أزمة الحرب الروسية التي رفعت تكلفة الواردات وقلصت إيرادات السياحة.
التضخم سيتجاوز الرقم الواحد
من المتوقع أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي 7٪ (±2) وأن يظل ثنائي الرقم (من 10 إلى 20%) خلال العام المالي 2022/2023 بسبب تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم المستورد، واختناقات سلاسل الإمداد، بالإضافة إلى استمرار التعديلات في أسعار الوقود، بحسب تقرير البنك الدولي.
وعدَّل البنك المركزي المصري، في بيان لجنة السياسة النقدية، توقعاته للتضخم عند مستوى 7٪ (±2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5٪ (±2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وسجلت أسعار المستهلكين “التضخم العام في المدن المصرية 18.7% في نوفمبر، مقابل 16.2% في أكتوبر، بحسب بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أعلى مستوى للتضخم في مصر منذ ديسمبر 2017 عندما سجل 21.9%.
العجز والدين 42% من الناتج المحلي
ليس التضخم المشكلة الوحيدة التي تواجه الاقتصاد المحلي حاليًا، إذ يقدر تقرير البنك الدولي عجز الموازنة والديون المستحقة معًا بنحو 42% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2020/2021 في وقت تشهد فيه الأوضاع المالية العالمية تشديدًا (رفع الفائدة) بوتيرة كبيرة في ضوء التحديات العالمية والمحلية الملحة.
وتوقع التقرير أن تحد التعديلات والمرونة في سعر الصرف والتشديد النقدي (رفع الفائدة) والمالي من الاختلالات الخارجية الآخذة في الاتساع، بجانب تحسين حسابات المعاملات الخارجية تدريجيا على المدى المتوسط، مدعومًا بتعزيز مكاسب القدرة التنافسية والتمويل الدولي المحتمل.
لكن تعزيز مصادر مستقرة مُدرة للدخل الأجنبي مثل الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر يتطلب الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تعزيز السياسة التجارية وتيسير التجارة وكذلك إصلاحات بيئة الأعمال بشكل عام، بحسب التقرير.
الصادرات والعملة
كان من المتوقع أن ينعكس الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية بشكل إيجابي على أداء الصادرات وتنشيط القطاع الخاص الموجه للتصدير ومع ذلك ظلت الزيادة في الصادرات غير النفطية متواضعة.
يشير ذلك إلى أن مصر لم تتمكن من الاستفادة بالكامل من الانخفاض الكبير في العملة، بسبب تركيز الصادرات في المجالات التقليدية ذات الميزة النسبية مقارنة بالسلع التي تخضع لارتفاع الطلب العالمي والحواجز التجارية الكبيرة خاصة غير الجمركية وتحديات الربط والبنية التحتية، بحسب التقرير.
انعكس الاعتماد على الصادرات النفطية في المقام الأول في تدهور في ميزان المدفوعات في السنة المالية 2021/2022 بسبب تدهور العجز التجاري في السلع غير البترولية، بالإضافة إلى تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى الخارج خلال مارس 2022 (هروب الأموال الساخنة).
ويمثل ميزان المدفوعات الفرق بين مجمل موارد النقد الأجنبي من كافة المصادر من صادرات سلعية وخدمية ومن تحويلات للعمالة ومعونات وقروض واستثمار أجنبي بنوعيه، وبين كافة المدفوعات إلى العالم الخارجى كالواردات السلعية والخدمية ومدفوعات فوائد الاستثمارات الأجنبية وسداد فوائد وأقساط الدين الخارجي.
وخفف جزئيا من أثر ارتفاع تكاليف الواردات على الميزان التجاري في السنة 2021/2022 كل من الزيادة الكبيرة في صادرات الغاز والتدفقات المالية الكبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، وإصدار سندات الساموراي بالسوق اليابانية، بالإضافة إلى تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، التي ساعدت إلى جانب الإجراءات الإدارية الجديدة المتعلقة بالاستيراد، على احتواء نمو الواردات.
توقعات بتحسن القطاع الخارجي
يمكن أن تشهد السنة المالية 2022 /2023 تحسنا محتملا في أداء القطاع الخارجي المصرى بفضل الدفعة التي يمكن أن يوفرها ارتفاع الأسعار العالمية لتحويلات المصريين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى صناعات استخراج البترول والغاز، بالإضافة إلى التمويل المحتمل من دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن المتوقع أن يستمر الاعتماد على الإصدارات السيادية، بما فيها السندات والصكوك الخضراء المبتكرة، بحسب تقرير البنك الدولي الذي أشار أيضًا إلى وجود مورد دولارى آخر يتمثل في قرض صندوق النقد الدولي.
التزامات الدين الكبيرة
لاتزال نسبة الدين الحكومي مرتفعة تعادل 87.9٪من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية 2020/2021، رغم التدابير الواسعة التي اتخذتها الحكومة لضبط أوضاع المالية العامة منذ العام المالي 2015 /2016.
يشير البنك الدولي في الوقت ذاته لالتزامات خدمة الدين الخارجي التي وصفها بأنها “كبيرة إلى حد ما”، إذ ارتفع الدين الخارجي المستحق على مصر إلى 155.7 مليار دولار في نهاية يونيو 2022 تعادل 37.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2021 /2022 مقابل 137.9 مليار دولار في يونيو 2021.
معظم الديون الخارجية لمصر مستحقة لمؤسسات متعددة الأطراف وآجال استحقاقها متوسطة إلى طويلة الأجل. ومع ذلك، ارتفعت نسبة الدين الخارجي قصير الأجل إلى 17.1٪ من إجمالي الدين الخارجي بنهاية يونيو 2022 من 9.9٪ في نهاية يونيو 2021، بحسب التقرير.
وحدثت الزيادة في الدين الخارجي قصير الأجل بصفة أساسية بسبب الودائع قصيرة الأجل التي تلقتها مصر من بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبلغت 13 مليار دولار في نهاية مارس 2022 (5 مليارات من السعودية، ومثلها من الإمارات و3 مليارات من قطر).
تشمل الودائع طويلة الأجل لدى البنك المركزي من السعودية والكويت والإمارات وبلغت 15 مليار دولار في نهاية يونيو 2022 ـ وبالتالي، زادت مدفوعات خدمة الدين أصل الدين والفائدة خلال السنة المالية 2021 /2022 لتصل إلى 26.3 مليار دولار ارتفاعًا من 15.9 مليارات دولار خلال السنة المالية 2020 /2021، بينما تبلغ لالتزامات التي تأكد سدادها في السنة المالية 2022/2023 نحو 42.2 مليار دولار.