تعد الرقابة على المال العام والمساءلة عن كيفية إنفاقه أهم الأسس التي يقوم عليها أي نظام سياسي ديمقراطي، فالمساءلة وإطلاع الرأي العام على كيفية وطرق استعمال الدولة أو الجماعات المحلية للمال العام، أصبح حقا من حقوق الإنسان والمجتمع، فالرقابة هي الوظيفة التي تسعى بها الأجهزة المختصة للتأكد من سلامة تنفيذ توجيهات الحفاظ على الأموال العمومية وحسن إدارتها، ونجاح الرقابة البرلمانية رهين بتوفر الإطار القانوني والإمكانات المادية والبشرية التي توضع رهن تصرف النواب للحصول على المعلومات، وتختلف طرق ومستويات تدخل البرلمان في ممارسة الرقابة على الأموال العمومية حسب التنظيم الدستوري في كل بلد، وتقوم الوظيفة الرقابية للبرلمان إلى جانب وظيفته التشريعية، إذ يتمكن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة.

اقرأ أيضا.. الأنشطة التجارية والرقابة الأمنية

ومما لا شك فيه أن جدية وقيمة الرقابة البرلمانية تتوقف بشكل أساسي على أعضاء البرلمان أنفسهم، وعلاقاتهم بالسلطة التنفيذية، ومدى استقلالهم، وقدراتهم الشخصية، كما تستهدف الرقابة البرلمانية التحقق من مدى مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية، وعدم الانحراف عن استهداف الصالح العام، وتمثل الرقابة جانبا ذات أهمية كبيرة من أنشطة البرلمان في الدول الحديثة، لا تقل بحال من الأحوال عن مهمة التشريع ضمانا لالتزام السلطة التنفيذية بمبدأ المشروعية.

وإذا كان من الملفت للنظر خلال العشر سنوات الأخيرة توجه الحكومة المصرية للاستدانة بشكل كبير، وخصوصاً من قبل صندوق النقد الدولي، وقد أشارت العديد من المواقع المتخصصة في المال إلى أن بيانات البنك المركزي أظهرت زيادة في قيمة الدين الخارجي لمصر بنحو 12.3 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بما كان عليه في نهاية ديسمبر 2021 بنسبة زيادة قدرها 8.5%، وارتفع الدين الخارجي لمصر إلى نحو 155.7 مليار دولار في نهاية مارس الماضي مقابل نحو 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2021 (أكتوبر إلى ديسمبر)، بحسب بيانات حديثة نشرها البنك المركزي على موقعه الإلكتروني.

ولا خلاف في مدى تأثير ضخامة القروض التي تستدينها السلطة التنفيذية الحاكمة على مال الدولة العام وثرواتها ومستقبل الأجيال المقبلة المالي وحقهم الدستوري في تلك الثروات، وذلك لأن تلك القروض يمتد وقت سدادها بفوائدها لسنوات عديدة بما يؤثر بطريقة مباشرة على التنمية الاقتصادية التي ينشدها المواطنون، ويأملون في التمتع بمستوى معيشي أكثر رفاهية، أو على أقل تقدير يكفيهم عن الاحتياج والعوز، وتكون حقوقهم في مستوى معيشي محترم، تتوافر فيه حقوقهم في التعليم والصحة والسكن الملائم، وغيرها من الحقوق ذات الصلة والارتباط بحقهم في الحياة.

وإذ إنه وبحسب الأصل العام تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح في مجالها ونطاقها من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها في صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذي تقوم به في مواجهة السلطة التنفيذية، تبعا لمدى التطور الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.

ورغم ما جاء بنص المادتين 124 و125 من الدستور من مراقبة البرلمان للموازنة العامة والحساب الختامي للدولة، وعرض تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، فإنها مجرد نصوص دستورية لا قيمة لها بشكل كبير وخصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك السيطرة الحكومية الحاصلة فعلا على أغلبية البرلمان، وهو الأمر الذي يجعل جميع الأمور بيد السلطة التنفيذية حتى في مسائل الاقتراض الوارد النص عليها في المادة 127 من الدستور، من نصها على عدم جواز اقتراض السلطة التنفيذية أو حصولها على تمويلات، إلا بعد موافقة مجلس النواب.

وهذا النص هو ما يمثل الأصل العام، ولكن لابد من الإشارة إلى المادة 151 من الدستور، والتي منحت رئيس الجمهورية صلاحية إبرام المعاهدات، بحسبه ممثلا للدولة في علاقاتها الخارجية، ولكنه لا يصدق عليها إلا بعد موافقة مجلس النواب، كما أن العمل الأساسي لمجلس النواب المصري كما جاء النص عليه في المادة 101 من الدستور، هو التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية.

فهل قام مجلس النواب المصري بنسختيه الحالية والسابقة بدوره النيابي الحقيقي بإعمال رقابته على ما تبرمه السلطة التنفيذية من اتفاقيات بقروض أثقلت كاهل الشعب المصرين وستبقى قيد في رقبته ورقبة الأجيال المقبلة لسنوات طويلة؟ وهو الأمر الذي يعوق أي مسيرة للتنمية الاقتصادية، وبما يؤثر بشكل مباشر، أظن أننا جميعاً نشعر بمرارته وقسوته على كافة مستويات الحياة الاجتماعية المصرية بشكل عام، أم أن مجلس النواب في نسختيه لم يُفعل رقابته بشكل جادي وساير السلطة التنفيذية دون أدنى مواربة لما تجريه من اتفاقيات بالقروض.

وبمراجعة ما تسنى لنا من مضابط مجلس النواب في دورتيه لم أجد اعترضاً على أية اتفاقية بقروض، أو ما يمثل إعمالاً لتلك الرقابة الدستورية الممنوحة لوكلاء الشعب وممثليه النيابيين، وكأن هذه القروض لا تمس بحال الناخبين ولا تؤثر على حياتهم، وهو الأمر الذي لا يثير عندي أي تعجب أو دهشة، وذلك بحسب كون غالبية مجلس النواب يتبعون حزبياً حزباً حليفاً للسلطة، أو ممثلاً لها، وكأنهم بعدم اعتراضهم أو تسجيلهم لموقف فقط يريدون ود الحكومة وليس ود الشعب الممثل لكتلة الناخبين، أو كأنهم وكلاء عن الحكومة في دسترة تلك القروض التي بات ينوء عن حملها الشعب، والذي بات من غير قوة اقتصادية تكفيه.

ومن نافلة القول أن نذكر بأنه لم تتجه دولة إلى الاستدانة خصوصاً من صندوق النقد الدولي، إلا وكانت عاقبة ذلك وخيمة، فهل ليس هناك بين أعضاء مجلس النواب من يدرك كم تلك التجارب الدولية في تعاملها مع صندوق النقد، أم أن الأمر فوق طاقتهم أو مقدراتهم على الرغم من كونه في صلب عملهم الدستوري.

إذن على السادة أعضاء مجلس النواب أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية بمشاركتهم في زيادة كم القروض بحسب كونهم هم وكلاء الشعب ونوابه، كما أن عليهم تحمل عدم تفعيل رقابتهم وحمايتهم للمال العام.