أعلنت الحكومة نقل مقراتها “المتمركزة بالقاهرة” إلى العاصمة الإدارية الجديدة على ثلاث مراحل اعتبارًا من يناير المقبل، وفق خطة تغيير استراتيجية الخدمات الحكومية من “الملفات الورقية” إلى التعامل الإليكتروني، وعلى فترة تدريجية تستغرق 6 أشهر، حتى الثلاثين من يونيو المقبل.
اقرأ أيضا.. قراءة في “رد الحكومة بشأن أداء الاقتصاد”.. دقة مفتقدة وتغافل عن التضخم
عمرو طلعت وزير الاتصالات والتكنولوجيا، أشار إلى أنه تم الانتهاء فعليًّا من أرشفة الأوراق الحكومية لنحو 150 مليون ورقة، ويتم حاليًّا العمل على الملفات الجارية للانتهاء منها، مشيرا إلى أنه يجري التدريب على العمل الإلكتروني للعاملين في الوزارات والهيئات المختلفة ليكون الاعتماد على الأساليب التكنولوجية هو الأسلوب الاعتيادي
وتقع العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 50 كيلومتر من قلب القاهرة، ونحو 25 كيلو متر من منطقة التجمع الخامس، وتبلغ مساحتها الإجمالية 714 كيلو متر مربع.
خطة نقل موظفي الوزارات، والهيئات التابعة لها، إلى العاصمة الجديدة أحاطتها مخاوف “وسائل الانتقال”، والسكن، نظير بعد المسافة على سكان أطراف القاهرة والجيزة.
الحكومة أخذت ضمن استراتيجيتها توفير وسائل مواصلات متطورة لنقل الموظفين، والمواطنين من بينها “المونوريل”، والذي يمتد بطول 54 كم (ويربط العاصمة الإدارية الجديدة بمحطة مترو عدلي منصور، ومدينة العاشر من رمضان)، بجانب القطار الكهربائي، إضافة إلى توفير “أتوبيسات مكيفة”، ومزودة بخدمة “واي فاي” لنقل الموظفين من القاهرة للعاصمة الجديدة.
التأهيل أولا
وعلى رأس أولويات المرحلة الأولى من نقل الوزارات الحكومية، وهيئاتها إلى العاصمة الجديدة، والتي تشمل نقل 32 ألف موظف حسب وزير الاتصالات، جاء تأهيل نحو 50 ألف موظف (يقول الجهاز المركزي للمحاسبات إن عدد من تم تدريبهم وصل إلى نحو 70 ألف) عبر دورات تدريبية أشرف عليها متخصصون من الجهاز المركزي للتنظيم، والإدارة، وخبراء أجانب معنيون بهذا الشأن، للوقوف على نقاط القوة، والضعف، قبيل إجراءات النقل، وتماشيًا مع خطة إلكترونية مكتملة.
الحي الحكومي هو الأبرز على الإطلاق بين كافة أحياء ومناطق المدينة، إذ يقع على مساحة 150 فدانًا تقريبًا، ويحتوي على 10 مجمعات وزارية تخدم 34 وزارة مختلفة، بالإضافة إلى مبنى مستقل لرئاسة مجلس الوزراء، ومبنيين أخريين لمجلسي النواب والشيوخ. وتجاور تلك المباني مجموعة من المنشآت التي ستستخدم كمقار للبنوك الوطنية، وعلى رأسها البنك المركزي المصري.
وحسبما أفاد وزير الاتصالات فإن مراجعة ستجرى لعمل كل وزارة على حدة، مع مراجعة هيكلها، وهيئاتها، والمصالح التابعة لها من خلال خبراء جهاز التنظيم، والإدارة، بجانب خبرات أجنبية، وستعرض ثلاثة هياكل تنظيمية من أجل الوصول إلى أفضل هيكل تنظيمي.
مقتضيات الانتقال
بحسب الجهاز المركزي للتنظيم والإدراة، فإن أول المنتقلين إلى العاصمة الجديدة، الإدارات المختصة بالاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والشؤون المالية، والإدارية، والهندسية، لتسلم المقار الحكومية، يعقبهم الفئة الأولى من المنتقلين وهم “مكاتب الوزراء، والمكاتب الفنية، وأخيرًا الموظفين ممن انطبقت عليهم شروط الانتقال”.
وقالت ميرفت الكسان -عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب-: إن أولوية الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة ستكون لفئة الموظفين المدربين جيدًا على منظومة التحول الرقمي، وفق خطة التدريب الجارية خلال الفترة الماضية، لتنفيذ استراتيجية تسهيل خدمات المواطنين.
وأضافت الكسان، أن الحكومة استثنت الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور بشكل مباشر من المرحلة الأولى من عملية الانتقال للعاصمة الجديدة.
توفير الوقت
وحسب “ح.ص” موظف بإحدى قطاعات وزارة المالية، فإن فترة التدريب الشاقة التي قضاها منذ الإعلان عن خطة نقل “الوزارات، والهيئات التابعة لها” إلى العاصمة الجديدة قبل 3 سنوات، ضاعفت من خبراته، لافتًا إلى أن التدريب انصب على تطوير قدرات العمل بشكل منظم، وفق منظومة التحول الرقمي.
ولفت إلى أن المزايا التي أعلنتها الحكومة للموظفين المزمع انتقالهم للعمل بالعاصمة الجديدة، أثرت إيجابًا على تقبل التدريب، والإعداد الجيد لـ “اللحاق” بركب العمل بالحي الحكومي الجديد.
واعتبر الدكتور سيف الدين فرج أستاذ التخطيط العمراني أن الرقمنة والخدمات الإليكترونية التي من المنتظر تطبيقها داخل الوزارات بالعاصمة الجديدة، ستخفف من حدة البيروقراطية “الورقية”، وستوفر للمواطن وقتًا طويلًا، بإمكانه أن يستغله في أشياء أخرى.
بدلات وسكن
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت الحكومة عن صرف البدلات الخاصة بالموظفين المقرر انتقالهم إلى العاصمة الجديدة، والمقدرة بنحو “ألفي جنيه”، للموظف الذي سيستخدم سيارة خاصة، أو مواصلات عامة، كما أعطت حرية الاختيار لمن يرغب في تغيير محل سكنه، والإقامة بالقرب من العاصمة الإدارية في الحصول على شقة مدعومة بمدينة بدر تصل إلى 118 مترًا، بمقدم 25% من قيمتها، وتقسيط الباقي على 7 سنوات تسدد من قيمة “بدل السكن”.
ومع هذه المزايا المادية التي أعلنتها الحكومة للمنتقلين إلى العاصمة الجديدة، لا تزال “فاطمة.ع” موظفة بإحدى الهيئات التابعة لوزارة العدل، تخشى من المدة التي ستقطعها من محل سكنها بـ”المريوطية” إلى مقر عملها الجديد بالعاصمة.
ورغم توفر ميزة السكن بمدينة بدر، أو العاصمة ذاتها، إلا أنها تفضل الإقامة في مسكنها الحالي بسبب دراسة أبنائها بجامعتي “القاهرة”، ومصر “بمدينة أكتوبر”، لكنها على صعيد آخر، ترى أن البدل المقرر سيصب في صالح الموظفين، رغم بعد المسافة.
لكن “ح.ص” الموظف بإحدى هيئات وزارة المالية، اختلف مع طرح صعوبة المواصلات في أعقاب بدء العمل الحكومي بالعاصمة الجديدة، لافتًا إلى أن قطار “مونوريل” سيربط إقليم القاهرة الكبرى بالعاصمة الجديدة، ويمتد في أولى مراحله من محطة “ستاد القاهرة”-مدينة نصر، حتى محطة ميدان العدالة بالعاصمة الإدارية، بطول 56.5 كيلومتر، ويضم نحو 22 محطة.
ويتكون كل قطار مونوريل من 4 عربات، ومن المخطط زيادتها إلى ثمانية مع ارتفاع الكثافة السكانية بالمناطق العمرانية الجديدة، وتبلغ طاقته الاستيعابية 600 ألف راكب يوميًا، وسرعته 90 كم/ساعة.
العمل عن بُعد
تدرس الحكومة في إطار استراتيجية “التحول الرقمي”، ونقل مقرات الحكومة إلى العاصمة الجديدة آلية “العمل عن بعد”، وهي تجربة طبقت إبان فترة “فيروس كورونا” المستجد قبل عامين.
وحسب خبراء فإن الحكومة لجأت إلى دراسة خيار “العمل عن بعد” لرفع الضغط عن المرافق في المؤسسات، والهيئات الحكومية، ومواكبة أنظمة التشغيل في مختلف المؤسسات العالمية، وشركات القطاع الخاص التي طبقت الآلية ذاتها خلال الأعوام الماضية.
ينصب اهتمام الدراسة على جدوى “العمل عن بعد” في ترشيد التكاليف، وتخفيف الضغط، مع تجهيز الإجراءات اللازمة حال التأكد من جدواه.
ويتسق الطرح الحكومي مع ما أعلنه مؤخرًا خالد عباس رئيس شركة العاصمة الإدارية بشأن “الرقمنة الكاملة” للحكومة لدى انتقالها للعاصمة، لافتًا إلى إطلاق تطبيق إلكتروني خاص بتسديد الفواتير، والخدمات عبر الإنترنت.
بمحاذاة “الرقمنة” قال “عباس” إن الملفات الورقية ستختفي، وستبدأ مراحل تجريبية إبان فترة عمل الوزارات الأولى داخل العاصمة، وبعدها ستصبح المعاملات “أون لاين”، دون طوابير للخدمات شأن ما كان يحدث في مجمع التحرير، والمصالح الحكومية.
واستطرد قائلًا: “العاصمة الجديدة ستصبح من أكبر المدن الذكية في العالم”.
تمنيات المواطنين
يقول “محمود. ض” صاحب مصنع طوب، ويعمل بمجال المقاولات: “مجال عملي متشعب الأوراق، بما يعني إمكانية الانتقال من وزارة الكهرباء إلى وزارة الاستثمار، وغيرها، لإنجاز بعض الأوراق” يضيف: “أتمنى انتهاء التكدس الورقي والروتين من المصالح الحكومية، لا يهمني بعد المسافة من القاهرة، بقدر ما أرغب كمواطن في إنجاز عملي خلال وقت قصير”.
وأضاف لـ”مصر360″ أن الحكومة إذا طبقت التعامل الرقمي، وسهلت الأمر عبر تطبيقات إلكترونية، فإن التجربة يمكن أن تنجح.
وحسب خطة النقل فإن وزارات “الإسكان، النقل، الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، التخطيط، الشباب والرياضة، التضامن الاجتماعي، الطيران المدني، والكهرباء” ستكون ضمن المرحلة الأولى.
يأتي ذلك بجانب نقل الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، الجهاز المركزي للتنظيم، والإدارة، الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، الهيئة المصرية للشراء الموحد، الهيئة العامة للاعتماد، والرقابة الصحية، ومركز معلومات، ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.
وسبق أن وصف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي انتقال الحكومة إلى العاصمة الجديدة بأنه كتابة فصل جديد في تاريخ الجهاز الإداري للدولة.
من ناحيته قال خبير التنمية العمرانية اللواء محمد مختار قنديل إن منظومة التكنولوجيا الحديثة المزمع تطبيقها بالعاصمة الجديدة، و”رقمنة” المنظومة الحكومية، ستوفر الوقت والجهد.
رأي مختلف
اختلفت أستاذة التخطيط العمراني المتفرغة بجامعات فرنسا الدكتورة جليلة القاضي، مع نقل مقر الحكومة، والوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وقالت: “عندما عملت مع كلية التخطيط العمراني في مشروع خاص بنقل الوزارات عام 2004 طرحت تحقيق اللامركزية، وذلك بإتاحة الخدمات التي تقدمها هذه الوزارات للمواطنين في محافظاتهم، مما يحد من ترددهم على القاهرة”.
واقترحت “القاضي” عمل وحدة لا مركزية في العاصمة الإدارية، والتواصل معها من وسط المدينة مثلما يحدث في شركات المحمول العالمية، لافتة إلى أن “وسط البلد” منطقة تاريخية، وتراثية تجذرت فيها من أيام الخديوي إسماعيل مبانٍ مهمة منها مجلسي “النواب والشورى”، وتحولت المنطقة إلى مكان للوزارات، والإدارات العليا.
تقول: “لا يجب أن نجتثها من جذورها”. وأردفت: “في غضون سنين قليلة ستلتحم العاصمة الإدارية بالقاهرة، وستزيد من مشكلات إدارة تجمع بشري بهذه الضخامة”.
لكن خبير التنمية العمرانية –اللواء محمد مختار قنديل- نفى ذلك بقوله: إن التجربة فيما بعد انتقال الوزارات للعمل بالعاصمة الجديدة، ستتيح للمسؤولين متابعة الأعمال إلكترونيًا بصورة أكبر، إضافة إلى تجنب بيروقراطية المكاتبات الورقية، وتحديث تنمية مستدامة صديقة للبيئة، وتحول القاهرة إلى عاصمة تراثية، وتاريخية”.
واستطرد قائلًا: “سرعة إنجاز الأعمال، والتيسير على المواطنين بآلية التحول الرقمي، سيضاعف الرضا العام عن الأداء الحكومي، وسيعيد الثقة”.