في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن أمور وصفها بأنها “تطهير عرقي”، من بين أهوال الحرب الوحشية التي انفجرت في المرتفعات الشمالية لإثيوبيا. والتي تضمنت جرائم مثل الاغتصاب، والقتل خارج نطاق القضاء، والمجاعة المتسبب بها الإنسان، والحرمان من المساعدات والخدمات الطبية، وعمليات الطرد.

وعلى مدار عامين، لم تفعل القوى الدولية شيئًا يذكر لوقف العنف، أو منع تفكك ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حقق الاتحاد الإفريقي انفراجه غير متوقعة. حيث سهل اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيجراي.

عضو ميليشيا في كاساجيتا/ إثيوبيا- فبراير/ شباط 2022

في تحليله المنشور في دورية فورين أفيرز حول طريق السلام الإثيوبي، يشير جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي الخاص السابق للقرن الإفريقي، إلى أن “الصفقة -والخطة اللاحقة لتنفيذها- بعيدة كل البعد عن الكمال. وتترك العديد من الأسئلة الشائكة المتعلقة بالسلام دون حل”.

وأضاف: الأكثر إثارة للقلق، أنهم -جميعًا- يتجاهلون أكبر مفسد محتمل، إريتريا. التي كانت تقاتل إلى جانب الحكومة الإثيوبية في تيجراي، وهي ليست طرفًا في الاتفاقية، ولم تذكر بالاسم في النص. على الرغم من أن أسمرة كانت متحالفة مع أديس أبابا طوال الصراع، إلا أنها تنظر إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي باعتبارها تهديدًا وجوديًا. وقد لا تكون راضية عن اتفاق سلام يترك المنظمة سليمة، وقادتها على قيد الحياة.

اقرأ أيضا: وسط أزمة سد إثيوبيا.. قفزة في تجارة مصر مع دول حوض النيل

ومع ذلك، يؤكد فيلتمان أن هناك أشياء يمكن لشركاء إثيوبيا الدوليين القيام بها لدعم اتفاق السلام ومنحها أفضل فرصة للنجاح.

يقول: يمكنهم السعي لخلق أكبر قدر ممكن من الزخم للاتفاق، والعمل معًا لتقديم دعم موحد لتنفيذه، واستخدام نفوذهم المحدود لثني إريتريا وغيرها من المفسدين المحتملين عن إطالة أمد الصراع. لكن سيتعين على الحكومة الإثيوبية أن تكسب دعم شركائها الدوليين من خلال تنفيذ الاتفاق بحسن نية.

معاناة التيجراي

تسببت الحرب في تيجراي في معاناة لا يمكن تصورها. جميع الأطراف متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، ويتحمل أهالي تيجراي العبء الأكبر من العنف.

طوال فترة الصراع، استخدمت الحكومة الإثيوبية، والإدارات الإقليمية في مناطق عفار وأمهرة، مجموعة متنوعة من الوسائل لتقييد إيصال الغذاء والدواء والخدمات إلى تيجراي، مما وضع سكان المنطقة، البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، تحت حصار ينتهك قرار الأمم المتحدة. كما أشعلت الحكومة الإثيوبية الغضب الشعبي ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وغالبًا ما تستخدم لغة غير إنسانية بشكل صارخ حول جميع التيجراي.

ومع انقطاع خدمات الإنترنت والطاقة داخل تيجراي، كان قادة الإقليم أقل قدرة على تشكيل الروايات الشعبية للحرب.

ويرى فيلتمان أن الأخطر بالنسبة للأمن الداخلي لإثيوبيا “هو أن تركيز الحكومة المهيمن على الحرب في الشمال تسبب في إهمال التوترات والعنف المتصاعد في أماكن أخرى من البلاد، وهو مزيج غير مستقر من حوالي 90 مجموعة عرقية”.

يقول: مع تباطؤ النمو الاقتصادي المثير للإعجاب في إثيوبيا قبل الحرب تحت وطأة الحرب واضطرابات الجائحة، بدأت النزاعات المستمرة منذ فترة طويلة في مناطق بني شنقول-جوموز وجامبيلا وأوروميا في الغليان.

وفي يونيو/ حزيران، قُتل المئات من المدنيين الأمهرة الذين يعيشون في أوروميا في هجوم ألقى كل من المسؤولين الإثيوبيين ومقاتلي الأورومو باللوم على الآخر.

على الرغم من التصريحات القوية من بعض الدول في بداية الحرب، كان الرد الدولي باهتًا بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. حيث علّق المانحون الغربيون بعض المساعدات الاقتصادية والتنموية لإثيوبيا في ربيع وصيف 2021. وفي يونيو/ حزيران من ذلك العام، دعت مجموعة السبع إلى تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب والحفاظ على وحدة الدولة الإثيوبية.

ولكن، والكلام للمبعوث الأمريكي الخاص السابق، حتى قبل أن يبدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في السيطرة على أجندات القادة في أمريكا الشمالية وأوروبا، كان التركيز الدولي على إثيوبيا غير كافٍ -وغير منسق بشكل كافٍ- لتغيير المسار الأساسي للصراع.

وقف الوحشية

تشاور جيران وشركاء إثيوبيا بشكل متكرر مع بعضهم البعض، واتفقوا على حتمية الاستقرار الإثيوبي. لكنهم اختلفوا حول أفضل السبل للمساعدة. حيث تأمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب المساعدة الإنسانية الطارئة، أن تؤدي الإجراءات العقابية -مثل التهديد بفرض عقوبات ووقف مساعدات التنمية- إلى وقف الأعمال الوحشية ونقل الأطراف من ساحة المعركة إلى طاولة المفاوضات.

لكن، يشير فليتمان إلى أن الصين وتركيا والإمارات ضاعفت من دعمها لرئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، وقدمت لحكومته الدعم العسكري، بما في ذلك الطائرات بدون طيار المتطورة.

يقول: باستثناء إريتريا، المتورطة بشدة في الحرب، كانت الدول الإفريقية -في الغالب- تراقب وتقلق. نجح الأعضاء الأفارقة الثلاثة المتناوبون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -ظاهريًا بناء على طلب إثيوبيا- إلى حد كبير في إبقاء الحرب في تيجراي خارج مناقشات المجلس، على الرغم من التهديد الذي تشكله على السلم والأمن الدوليين.

كما ظل الاتحاد الإفريقي نفسه -ومقره في أديس أبابا- صامتًا في الغالب، على الأرجح، لتجنب إزعاج مضيفه. وبدخول محادثات السلام في بريتوريا بجنوب إفريقيا، كانت الحكومة الإثيوبية في وضع عسكري أقوى بكثير من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.

يضيف: ليس من المستغرب أن الاتفاق الذي توصل إليه الجانبان هناك في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني -الذي يميل لصالح أديس أبابا- ينص على استعادة السلطة الفيدرالية الإثيوبية في تيجراي، وحل الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. يشتمل الاتفاق على عيوب، بما في ذلك جدول زمني مبدئي مفرط الطموح لنزع سلاح الجبهة الشعبية، وعدم كفاية عمليات الرصد والإبلاغ، وعدم الوضوح بشأن المساءلة. والأكثر خطورة، الصمت بشأن إريتريا، باستثناء حظر غامض على “التواطؤ مع أي قوة خارجية معادية لأي طرف “.

وأكد: بغض النظر عن هذه العيوب، فإن الإثيوبيين يستحقون الثناء لموافقتهم على إنهاء إراقة الدماء.

يشتمل الاتفاق على عيوب بما في ذلك جدول زمني مبدئي مفرط الطموح لنزع سلاح الجبهة الشعبية وعدم كفاية عمليات الرصد والإبلاغ

اقرأ أيضا: الجيش النيجيري يدير برنامجًا للإجهاض القسري

تحييد إريتريا

نظرًا لتأثيرها المحدود على الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، فإن الدول والمؤسسات التي تشعر بالقلق إزاء احتمال إفساد إريتريا لعملية السلام في تيجراي قد تفكر في نهج يركز على إثيوبيا.

يقول المبعوث الأمريكي السابق: يمكنهم مساعدة كل من الحكومة الإثيوبية والتيجراي على بناء أكبر قدر ممكن من الزخم في أسرع وقت ممكن من أجل عملية بريتوريا التي يقودها الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك من خلال التسليم السريع للمساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية.

وأضاف: يجب أن يرى أفورقي أن المجتمع الدولي -المنقسم للغاية في رد فعله على الحرب- متحد وراء قرار الإثيوبيين بتهيئة الظروف لوقف دائم للأعمال العدائية. إن التضامن الدولي -بين الفصائل المتحاربة في إثيوبيا، والدول الإفريقية والخليجية، والدول الغربية، والأطراف المعنية الأخرى- قد يثنيه عن مواصلة التدخل في إثيوبيا.

وأشار إلى أن إحدى طرق تعزيز الوحدة داخل القرن الإفريقي تتمثل في تقوية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية المعروفة اختصارا بإيجاد (IGAD). وهي تجمع إقليمي لدول شرق إفريقيا، طالما تجاهلته إريتريا أو سعت إلى تقويضه.

لكن، على الرغم من محدودية سلطات IGAD، فإن جعلها أكثر قدرة واستجابة لاحتياجات وتطلعات المواطنين في القرن الإفريقي “سيكون بمثابة توبيخ لقمع أفورقي الداخلي وخطوة نحو تعاون إقليمي أعمق”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حل الخلافات بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل، من شأنه أن يمنح أفورقي عددًا أقل من الانقسامات الإقليمية لاستغلالها. وفق فيلتمان.

كذلك، يلفت إلى أنه من المحتمل أن يتلقى تسريح ونزع سلاح جبهة تحرير تيجراي تدقيقًا واسعًا ودعمًا من الإثيوبيين خارج المقاطعة. لكن العملية الأقل شعبية لإعادة دمج المقاتلين السابقين سيتم إهمالها، مما يزعج التيجراي. لذلك، سوف تحتاج أديس أبابا إلى مقاومة استخدام اتفاقية بريتوريا كذريعة لفرض احتلال عسكري معاد و “سلام المنتصر”.

وأوضح: في نهاية المطاف، سيتعين على العملية السياسية أيضًا أن تعالج قضية الأراضي المتفجرة والصفرية التي يطالب بها كل من الأمهرة والتيجراي. سيكون انسحاب أمهرة والمقاتلين الإريتريين وعودة التيجراي المطرودين محفوفًا بالمخاطر السياسية.

توازن القوى

وفقًا للمشاركين في محادثات نيروبي للسلام، ترك مفاوضو الحكومة الإثيوبية وجبهة التيجراي، الذين يعملون الآن على شروط مرجعية لفريق مراقبة وقف إطلاق النار والتحقق منه، الباب مفتوحًا أمام الأمم المتحدة.

يقول المبعوث الأمريكي السابق: إذا كان هذا صحيحًا، فإن هذا القبول مشجع وغير معهود، في بلد يفتخر بإبقاء الأجانب بشكل عام، والأمم المتحدة بشكل خاص، على بُعد.

وأوضح أن فريق المراقبة والتحقق سيتكون من عشرة أعضاء فقط، وفقًا لبنود اتفاقية بريتوريا. مما يعني أنه لن يكون قادرًا على تغطية أرضية كافية لمنح الثقة الكاملة في امتثال الطرف الآخر “لكن الخبرة من الأمم المتحدة وغيرها، يمكن أن تساعد في جعل الفريق آلية لبناء الثقة ذات مصداقية قدر الإمكان”.

لكنه أشار إلى التزام كل من اتفاقية بريتوريا وإعلان نيروبي الصمت بشأن دور الشركاء الخارجيين، على الرغم من أن الحكومة الإثيوبية تتوقع استئنافًا سريعًا للمساعدة الإنمائية من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وكذلك تمويل إعادة الإعمار.

يقول: مع تكثيف المساعدات الإنسانية للإثيوبيين المتضررين من الحرب والجفاف التاريخي، سيتعين على المانحين الموازنة بين الحاجة إلى دعم تنفيذ اتفاق السلام، والحاجة إلى ربط بعض التمويل بالتقدم في القضايا الصعبة مثل المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. يجب أن يكون الاستئناف الكامل للمساعدات المالية والإنمائية مرهونًا بالوضع في إثيوبيا ككل، وليس فقط في تيجراي أو على العلاقات بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي.

وأكد: مع استمرار تنفيذ اتفاقيات بريتوريا ونيروبي، يجب على شركاء إثيوبيا تشجيع الحكومة الفيدرالية على تطوير عملية وطنية ذات مصداقية وشاملة لحل التوترات المتصاعدة في أماكن أخرى من البلاد، بما في ذلك أوروميا.

أما الأسئلة السياسية الأساسية، مثل كيفية قياس توازن القوى بين السلطات الفيدرالية والإقليمية -أحد مسببات الحرب في تيجراي- فتحتاج إلى معالجة سلمية وشاملة من قبل جميع الإثيوبيين.