“محلات الفول والطعمية اللي كانت ملاذ الفقرا بقت ضدهم.. حبة الطعمية الكبيرة اللي كانت بنصف جنيه من شهرين بقت بـ2 جنيه وحجمها صغر.. أقل كمية فول أو طعمية ممكن الواحد يشتريها بقت 5 جنيهات.. ده غير الفينو بقى الأربعة بـ5 جنيه.. والجبنة الشعبي الكيلو بقى بـ65 جنيه، والبيضة بـ3 جنيهات.. يعني عشان أدي ولادي الاتنين في الابتدائي، وجبة واحدة في المدرسة، هتكلف 20 جنيها للاثنين يوميا يعني 600 جنيه في الشهر”.

“محمود علي” الموظف في القطاع الخاص، يشكو كغيره من المصريين من أسعار الغذاء التي وصلت لمستويات غير مسبوقة.. يقول “علي” إنه حتى بعد شراء هياكل وأرجل الدجاج مضطرا، أصبح غير قادر على تحمل الأسعار الجديدة المبالغ فيها: “اضطريت اشتري هياكل الدجاج وأرجلها وحجزها من البائع هاتفيا تحاشيا للإحراج.. ورغم أنها مكونات يفترض رخص سعرها لكنها ارتفعت أيضًا بسبب زيادة الإقبال عليها، ليتراوح كيلو الهياكل حسب المنطقة من 20 إلى 22 جنيها وأرجل الدجاج قفزت أيضا إلى 10 جنيهات في غالبية المناطقـ ويتوقع زيادة أسعارها بعد جدل فوائدها الطبية أخيرا”.

قصة “علي” تتكرر يوميا في محلات الأكلات الشعبية، إذ يجادل الباعة يوميا الزبائن حول أقل سعر يمكنهم الشراء به، والذي أصبح 5 جنيهات لكل صنف من الفول والفلافل، وما بين 5 و8 جنيهات للسندوتش الواحد، والحجة المستمرة من قبل البائعين هي “الدولار”.

تتكرر عبارات ثابتة على لسان الزبائن يوميا، حول كيفية مواجهة الارتفاع المستمر في أسعار جميع مستلزمات الحياة الأساسية وعلى رأسها الغذاء، والصراع غير المتكافئ بين الرواتب، ومستويات ارتفاع الأسعار التي قد تزيد في اليوم الواحد أكثر من مرة.

اقرأ أيضا.. البنك الدولي: خفض الجنيه لم يفد الصادرات.. والتضخم ليس المشكلة الوحيدة

استهدفت الأزمة الدولارية في رحلتها محطة طعام الفقراء بعنف، فغالبيته العظمى مستوردة من الخارج، فمصر تتربع على عرش الدول الأكثر استيرادا للقمح بنحو 10 ملايين طن، يضاف إليها ما يقرب من 800 ألف طن فول، بجانب 87% من الزيوت سواء للقلي أو المضافة إلى الطعام مباشرة.

ارتفع سعر طن الدقيق الفاخر بنحو 9 آلاف جنيه خلال ديسمبر الجاري ليصل إلى 25 ألف جنيه، بينما شهد طن الدقيق العادي 4 زيادات متتالية بإجمالي 3500 جنيه خلال الفترة ذاتها ليصل إلى 17 ألفًا و500 جنيه، بحسب شعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية.

قفزات تطحن محدودي الدخل

يواجه المواطن المصري مستويات غير مسبوقة من التضخم
يواجه المواطن المصري مستويات غير مسبوقة من التضخم

سجلت أسعار الزيوت هي الأخرى قفزات متلاحقة حتى وصلت إلى 60 ألف جنيه، ومعها طن السكر الذي سجل 15 ألف جنيه، وطن الفول رفيع الحبة 20 ألف جنيه على أرضه، بينما يصل في التجزئة بين 24 جنيها و26 جنيها، والفول المدشوش بين 23 و25 جنيهًا والعدس تجاوز 50 جنيهًا للكيلو بما يعادل 50 ألف جنيه للطن، وكلها أغذية الفقراء.

تحتاج أسرة مكونة من أربعة أفراد فقط من أجل تناول وجبة فول وطعمية صباحًا بمعدل كيس فول صغير (أقل كمية يمكن شراؤها بـ5 جنيهات) و8 وحدات فلافل صغيرة بـ 8 جنيهات، و8 أرغفة خبز صغيرة الحجم بـ 8 جنيهات أيضًا، ليصبح الإفطار اليومي يقارب الـ 30 جنيهًا تعادل 900 جنيه شهريًا.

في وجبة الغذاء، حال شراء الأسرة المكونة من أربعة أفراد دجاجة “2 كيلو” فلن تقل التكلفة عن 95 جنيهًا، وربع كيلو من الأرز بسعر 4.5 جنيه ( متوسط السعر بين (16 و18 جنيها)، وخضروات للطهي بمتوسط 15 جنيها)، تصبح التكلفة في أقل صورها 115 جنيهًا ومع افتراض أن الأسرة المذكورة تتناول الدجاج مرتين أسبوعيا فقط، ستحتاج إلى 880 جنيهاً وحال تناولها مرة واحدة ستحتاج 440 جنيها شهرياً.

وإذا فكرت الأسرة في وجبة رخيصة مكونة من الأرز والبطاطس والسلطة فقط وهي أبسط ما يمكن تناوله، فستتكلف نحو 30 جنيهًا دون احتساب زيت القلي على اعتبار أن الاسرة ستحصل عليه من البطاقة التموينية، أما إذا فكرت في تناول الكشري من أي محل فلن تقل العلبة الواحدة عن 15 جنيها بما يعادل 60 جنيها للأفراد الأربعة.

أصفار كثيرة

التضخم يصل إلى ذروته خاصة في أسعار الغذاء
التضخم يصل إلى ذروته خاصة في أسعار الغذاء

أصبحت وجبة مكونة من الجبن والبيض للعشاء مكلفة أيضًا للفقراء بأقل كمية يمكن شرائها من الجبن الأبيض بـ 10 جنيهات وأربعة بيضات بـ12 جنيها والخبز بـ 8 جنيهات تصبح التكلفة أيضًا 30 جنيهًا بما يعادل 900 جنيه شهريا وحال إضافة ثمن كيلو من الجبن الرومي على سبيل الترفيه بـ17 جنيها أو استبداله باللانشون تقفز التكلفة إلى 1500 جنيه شهريًا.

وحال استهلاك الأسرة عبوة واحدة من زيت العباد أو الذرة زنة لتر وزجاجتين للقلي بجانب زيت التموين تحتاج الأسرة المذكورة إلى 150 جنيهًا زيوت في المتوسط، بجانب 4 لترات حليب (لتر أسبوعيا) بـ 80 جنيهًا، وكيلو واحد من الدقيق أو مصنعاته بمتوسط 16 جنيهًا تصبح التكلفة الإجمالية 320 جنيهًا تقريبًا، بجانب فاكهة وخضروات طازجة وتوابل لن تقل عن 400 جنيه على أقل تقدير.

بتلك الحسبة البسيطة سالفة الذكر، تحتاج أقل أسرة مكونة من أربعة أشخاص لما يتراوح بين 3250 و4250 جنيهًا من أجل العيش على حد الكفاف ، أما حال عاشت على الفول والطعمية والخبز فقط الثلاث وجبات فإنها تحتاج إلى 2700 جنيه شهريًا.

تلك التكاليف هي الطعام الأساسي فقط دون تناول أي لحوم حمراء أو أسماك وحال استخدامها سترتفع التكلفة، كما لا تتضمن تكاليف الإيجار المنزلي (إن وجد) والمدارس والملابس والانتقالات والمواصلات وفواتير الكهرباء والغاز والمنظفات من صابون وغيرها، وعلى اعتبار أن أفرادها لن يمرضون ولن يحتاجوا لزيارة طبيب أو شراء أدوية طوال الشهر

التضخم يصل لأرجل الدجاج

بالعودة إلى محمود علي، أكد أن راتبه لا يجعله قادرا على سد الفارق الذي يتسع كل يوم في الأسعار، خاصة أسعار الغذاء، ويقول إنه بعد نشر المعهد القومي للتغذية فوائد أرجل الدجاج يتوقع زيادة أسعارها في المحلات: “بعد ما كانت بتترمي، هيبقى ليها سعر، ويغلى كل يوم”.

أسعار الدجاج في مصر تشهد ارتفاعات قياسية بسبب سعر الدولار أمام الجنيه في السوق السوداء الذي يعتمد عليه المستوردون في إدخال بضائعهم أو في إعادة تقدير سعر المخزون لديهم. فسعر طن الذرة المستوردة الأرجنتينية قفز بنحو 700 جنيه خلال الأيام القليلة الماضية ليصل إلى مستوى 14500 جنيه للطن الواحد.

مطالبات بإعادة النظر في خط الفقر القومي خاصة بعد التراجع المستمر في سعر صرف الجنيه أمام الدولار
مطالبات بإعادة النظر في خط الفقر القومي خاصة بعد التراجع المستمر في سعر صرف الجنيه أمام الدولار

“أحمد عتريس” عامل نظافة بمصر القديمة يقول إن راتبه لا يتجاوز 750 جنيها بينما يعول أسرة مكونة من 5 أفراد (ثلاثة أبناء وزوجته) يقول إنه يعيش  على مساعدات “أهل الخير” في المنطقة التي يعمل فيها: “حتى العمل في الفاعل -تكسير الحوائط- الذي كان مصدر دخل إضافي ليا قل كثيرا بسبب إحجام أصحاب العقارات على التجديد أو تغيير شكل وحداتهم بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء”.

يتجمع “عتريس” وزملاؤه عمال النظافة يوميًا بجوار نفق الملك الصالح، في انتظار مرور بعض السيارات الملاكي القادمة من منطقة المنيل القريبة لتوزع عليهم وجبات غذائية.. بعضهم يأخذ أكثر من وجبة ويحتفظ بها من أجل العودة لأسرته، مثل “عتريس” الذي يقول إنه يتحصل على ثلاث وجبات يعود بها لعائلته في عزبة خير الله بحي مصر القديمة: “ربنا بيرزق”.

خط الفقر القومي.. هل يحتاج لتغيير؟

التقديرات المحلية لمعدلات الفقر التي يسجلها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وفقًا لخط الفقر القومي في بحث الدخل والإنفاق 2017 –2018 عند مستوى 8827 جنيهًا للفرد في السنة، وهو ما يعادل حوالي 735.5 جنيهًا شهريًا، وبناء عليه قدر نسبة الفقر في مصر إلى 32.5%. ووفقًا لهذا فالجهاز يعتبر أن “الفقراء” هم السكان الذين يقل استهلاكهم الكلي عن تكلفة خط الفقر القومي.

ويعتمد الجهاز مؤشرًا آخر للفقر، وهو الفقر المدقع. وبحسب بيانات الجهاز فإن قيمة خط الفقر المدقع للفرد تبلغ 5890 جنيهًا في السنة، أي 490.8 جنيهًا في الشهر، وتظهر البيانات أن 6.2% من السكان في مصر يعانون من الفقر المدقع لكن في ظل مستويات الأسعار القياسية حاليًا فقد يكون أعداد المنضمين الجديد إلى تلك الخطوط بعشرات الآلاف.