“اشترى مواطن مصري زجاجة زيت في صباح أحد الأيام بـ43 جنيهًا.. بعد ساعات أخبر البائع نفس الزبون أن ثمن الزجاجة أصبح 53 جنيهًا”.. هذه ليست قصة خيالية، بل أنها حقيقة تحدث فقط سوق الزيوت المصرية. تلك السوق التي تسيطر عليها مجموعة من الشركات لا تعرف طريقا للمنافسة.
يُعد سوق الزيوت مثالاً حيًا على نتاج ترك السوق في يد عدد محدود من المنتجين. إذ تسيطر 5 شركات على إنتاج زيت الصويا، وشركتان عربيتان تسيطران على قرابة 90% من سوق زيت الذرة ودوار الشمس. بجانب 100% من المسلى النباتي ذو الجودة المتوسطة والعالية (توجد العديد من الشركات لكنها تعمل في الدرجات الأقل جودة).
اقرأ أيضا.. كم تحتاج أسرة مصرية صغيرة للعيش على حد الكفاف؟
بحسب هشام الدجوي، رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، يباع سعر طن الزيت في مصر بأعلى من قيمته عالميا بنحو 35 ألف جنيه (مع حساب الدولار بسعر الصرف الرسمي)، وهذا أمر غير منطقي، بحسب تعبيره.
يصل سعر طن زيت الصويا المكرر في السوق حاليًا “جملة” إلى نحو 49.5 ألف جنيه، وزيت عباد الشمس نحو 43 ألف جنيه، والذلة بنحو 51 ألف جنيه، وترتفع إلى أسعار أعلى في التجزئة.
5 شركات مسيطرة
تسيطر 5 شركات على 80% من واردات بذرة الصويا من أصل 18 شركة، ومن بين الشركات الخمسة استحوذت ثلاثة على 53٪ من إجمالي الواردات، وواحدة منها استحوذت على 13%.
المثير للريبة، أن شركتين بين الخمسة اتفقتا معا على إنشاء مصنع للعصر لتبقى السوق تحت السيطرة بدءًا من الاستيراد حتى إنتاج الزيت، ما يعطي نفوذًا أكبر في مجال التسعير والتحكم في السوق، ما قد يمثل إضرارًا بحقوق المنافسة.
في سوق زيوت الذرة والعباد والمسلى، تحكم مجموعة أرما للصناعات الغذائية قبضتها على نحو 65% من الحصة السوقية لزيت الذرة، وهي شركة تأسست عام 1992 بين مستثمرين يمنيين وماليزيين، وتتضمن منتجات تلك الشركة: “كريستال، هلا، الأصيل، أولين، والهانم، حياتي، المائدة، قوت القلوب، الأصيل”.
من جهة أخرى، تهيمن مجموعة صافولا السعودية على 40% من سوق زيوت الطعام بمصر بوجه عام من خلال مبيعات زيت “عافية، والعربي، وزيت النخيل”، بجانب 52% من سوق السمن النباتي.
وداعا للأجل
فرضت الشركات، حاليًا، إملاءاتها على التجار فأقرت التعامل بنظام الدفع الفوري “خد وهات”، بعد طريقة الأجل المعمول بها منذ عقود، عبر سداد جزء من البضاعة، والباقي بعد بيع البضاعة، لتوفير سيولة للتجار.
في نوفمبر الماضي، قررت شركتا صافولا مصر للصناعات الغذائية، وأرما للصناعات الغذائية، وقف توريد منتجات المسلى للتجار، وأثار التجار أزمة دفعت جهات تنفيذية بالدولة للتدخل، واتفقت مع الشركتين على التوريد لكن الباعة لا يزالون يشتكون أن المعروض لا يزال أقل من المعتاد.
تقُدر الفجوة في سوق الزيوت بمصر بحوالي 554.3 ألف طن في المتوسط للفترة 2008/2012، والإنتاج المحلي حينها كان لا يزيد على 7.31% من زيت دوار الشمس ومن زيت فول الصويا 60.20% خلال الفترة نفسها. بينما لم تنتج أي كمية من زيت الذرة، ويؤدي استيرادها لتحمل الدولة عبء تـدبير النقـد الأجنبي لاستيراد الكميات اللازمة.
تستورد مصر كمية من الزيوت المستوردة تعادل %90 من احتياجاتها، بحجم 1.9 مليون طن سنويًا في مقابل تصدير نحو 200 ألف طن، ومقدمة أبرز الزيوت المستهلكة محليًا زيت فول الصويا بنسبة 48%، وزيت النخيل (للأغراض الصناعية للمنتجات الغذائية) بنسبة 33%، وزيت دوار الشمس بنسبة 19%.
ويبلغ حجم الاستهلاك المصري من زيت الطعام 2.4 مليون طن سنويًا، وتسعى الحكومة للشراكة مع القطاع الخاص بمجال صناعة الزيوت لمضاعفة كمية إنتاج الزيت، وتلبية الاحتياج المحلي.
مصدر بوزارة التموين يقول إن الوزارة تسعى لإعادة ضبط سوق الزيوت عبر إنشاء 3 مجمعات صناعية كبرى لصناعة الزيوت في برج العرب ومدينة السادات وسوهاج والتي ستكون تجمعات لاستخلاص وعصر الزيوت وتعبئتها، لكنه رفض التعليق على وجود ممارسات احتكارية من بعض الشركات الكبرى
يعمل في إنتاج زيوت الطعام بمصر 4 شركات تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة للحكومة، وهي: الإسكندرية للزيوت والصابون، وطنطا للزيوت والصابون والمياه الطبيعية، وأبو الهول للزيوت والمنظفات (الملح والصودا سابقاً)، والنيل للزيوت والمنظفات، وتنتج تلك الشركات زيت الطعام، بما يشمل عمليات التكرير بشكل أساسي، بالإضافة إلى بعض عمليات عصر البذور الزيتية، لكن عملها موجه بشكل كامل للزيت التمويني.
ممارسات احتكارية
الحديث عن وجود ممارسات غير منضبطة بسوق الزيوت يمتد لقرابة العقدين، إذ شكل مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار لجنة لبحث السوق في 2010، بناء على طلب المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة حينها لدراسة سوق زيوت الطعام النباتية كأحد قطاعات السلع الغذائية الحيوية التي تهم جموع المستهلكين والكشف عن أية اتفاقات أو ممارسات ضارة بالمنافسة مع ارتفاع الأسعار حينها بمستويات ضخمة.
قرار رشيد جاء حينها بسبب ارتفاع سعر زجاجة الزيت للمستهلك إلي نحو 6.5 جنيه، وقدم المصنعين المبرر ذاتها “الأسعار العالمية السبب”، رغم أن الأسعار كانت مستقرة على مستوى الدول المصدرة لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
لا تزيد المساحات المزروعة بفول الصويا وعباد الشمس 3.7 و3.1% من إجمالي مساحة المحاصيل الزيتية مقابل 12.3% للفول السوداني و6.6% للسمسم. وشهدت مساحات محصولي عباد الشمس وفول الصويا تناقصا مستمرًا على مدار أعوام بسبب توجه المزارعين الى زراعة المحاصيل المنافسة في الدورة الصيفية بسبب انخفاض صـافى العائـد مـنها، بالإضافة الى المشاكل التسويقية الخاصة بها وعـدم وجـود جهـة متخصصة مسئولة عن استلام المحصول من المزارعين، علاوة على انخفاض نسبة الايراد الى التكاليف مما يشير الى ارتفاع التكـاليف الكلية لهذه المحاصيل، وخصوصًا بعد الغاء الدعم لها بعد إتباع سياسة الاصلاح الاقتصادي.
لكن مصدر بوزارة التموين يؤكد أن الوزارة تعمل على حل تلك المشكلة عبر الزراعات التعاقدية ووضع خطة لزيادة الإنتاج المحلى منها بنسبة تتراوح بين 15% – 20%، علاوة على زراعة محصول الكانولا وهو محصول زيتي شديد التحمل يمكن زراعته في جميع الأراضي ما عدا الرملية.
الكانولا كان يزرع في مصر حتى عهد الدكتور يوسف والى وزير الزراعة الأسبق الذي وقف زراعته بزعم احتوائه على مواد ضارة والادعاء بأن مثل بذور اللفت التي تحتاج معالجات لاحتوائها على مواد ضارة.
يؤدى تناقص الكميات المعروضة من الزيوت النباتية فجوة وهيمنة للمستوردين إذ يتم الاعتماد عليهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة من استهلاك الزيوت، ولذلك فالحل لمواجهة الاحتكار وارتفاع الأسعار ل يتم إلا بالزراعة المحلية لتوفير المادة الخام للزيوت وتشجيع المزيد من المستثمرين على التوسع بالسوق والمنافسة.
الدكتور فنجري صديق، رئيس قسم بحوث المحاصيل الزيتية بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، يؤكد أن الفجوة الزيتية حدثت بمصر بسبب تراجع مساحات زراعة القطن لكن الأمر سيتغير مع تطبيق الزراعة التعاقدية على الزيوت وتوفير سعر ضمان لفول الصويا وعباد الشمس، وتوزيع التقاوى من وزارة الزراعة على المزارعين بالأجل لترتفع مساحة محصول عباد الشمس لنحو 10 آلاف فدان، وتم استلام المحصول من المُزارعين بسعر 8500 جنيه للطن.
لكن صديق يطالب بزراعة نصف مليون فدان بالمحاصيل الزيتية مثل زهرة عباد الشمس الذي ينتج الفدان الواحد منه 450 كيلو زيت ما يزيد من الانتاج المحلى من الزيوت النباتية، بجانب التوسع في الكانولا الذي سينتج عنه ترجمة إيجابية في توفير زيوت نباتية صحية وآمنة.