شارك وزير الخارجية سامح شكري، في احتفالية افتتاح ملء بحيرة سد “جوليوس نيريري” على نهر روفيجي في تنزانيا الخميس الماضي. وهو المشروع الذي ينفذه تحالف شركتي المقاولون العرب والسويدى إلكتريك المصريتين، ويمثل أحدث ملامح الاستراتيجية المصرية في التعاطي مع ملفات قارتها، خاصة فيما يتعلق بدول حوض النيل، التي توليها القاهرة أهمية كبرى خلال السنوات الأخيرة. الأمر الذي بدا واضحًا في كلمة الوزير شكري، التي أكد فيها على أن التعاون بين دول حوض النيل ممكن وفعال عندما تتوافر الإرادة السياسية.

تحاول مصر الانخراط مع الدول الإفريقية -ودول حوض النيل بشكل خاص- في مشروعات تعاون بمجالات متعددة، سعيًا لكسب الدعم الإفريقي وحشد قاعدة قوية في مواجهة انتهاكات إثيوبيا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، التي تشهد تعنتًا إثيوبيًا تجاه مصر والسودان، بإتمام المرحلة الثالثة من المشروع.

الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة
الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة

هذا التعاون يراه الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، هامًا وضروري وإن واجه عدة معوقات خارجية وداخلية قد تعرقل مساره، تتطلب جهدًا حكوميًا أكبر.

ويلفت إلى أن أبرز هذه المعوقات يبرز في تدخلات القوى العظمى وتنافسها المدعوم بالإمكانات الاقتصادية الهائلة والقدرات التكنولوجية داخل القارة الإفريقية.

ويضيف شراقي، في حديثه لـ”مصر 360″، أن جزءًا رئيسيًا في استراتيجية مواجهة مثل هذه التحديات يرتبط في الأساس بتقديم الدعم الحكومي اللازم للمستثمرين المصريين العاملين في دول حوض النيل. ما يستلزم ضرورة حمايتهم وتأمين مشروعاتهم، حتى يتمكنوا من توسيع أنشطة الاستثمار المصري في القارة.

يشير شراقي كذلك إلى معوقات داخلية في دول الحوض، منها ضعف البنية التحتية من طرق ووسائل نقل، ونقص في الطاقة، وعدم توفر الاستقرار، وتفشي الفساد، وضعف التشريعات التي تنظم التجارة والصناعة والضرائب هناك.

اقرأ أيضًا: مصر وأزمات “حوض النيل”.. أولويات وسيناريوهات المستقبل

نشاط مصر بحوض النيل

ضاعفت مصر جهودها خلال السنوات الأخيرة في منطقة حوض النيل، لاسيما في مجال مشروعات المياه والطاقة والزراعة. ذلك بإطلاق جملة من سدود تجميع مياه الأمطار ومحطات مياه الشرب الجوفية. إلى جانب دورها في تطهير المجاري المائية.

الكونغو

في 2012، وقعت مصر مع الكونغو بروتوكولًا للتعاون الفني في مجال الموارد المائية، يتم بموجبه تنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية. وكذلك تقديم خبرات فنية في مجال التنبؤ بالمناخ، وتوقعات بالفيضانات.

وبموجب هذا الاتفاق، تأسس مركز الإنذار المبكر بالطقس في كينشاسا، وافتتح رسميًا في يوليو/ تموز 2021 بعد أن أمدته مصر بالمعدات، والتدريبات الفنية. وقد جددت الدولتان بروتوكول التعاون الفني بينهما بشأن مصادر المياه لمدة 5 سنوات حتى عام 2027.

أوغندا

أقامت الهيئة العربية للتصنيع محطة للطاقة الشمسية في منطقة تورورو في أوغندا. وتم تبادل الخبرات وتدريب الفنيين في العام الماضي. حيث يتم إنتاج الألواح الشمسية المركبة من قبل الشركة العربية للطاقة المتجددة (أريكو).

كما نفذت مصر 7 سدود لتجميع مياه الأمطار. وتم تنفيذ 75 مشروعًا لحفر الآبار ومحطات لمعالجة المياه الجوفية بنهاية عام 2020. غير مساهمات في مشروع مكافحة الأعشاب المائية في منطقة البحيرات العظمى. وكذلك مشروع الوقاية من الفيضانات في بلدة كاسيسي.

جنوب السودان

أطلقت مصر مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية في جنوب السودان. وكذلك البرنامج التدريبي بعنوان “التنمية المستدامة: العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء” في مارس/ آذار 2022 في إطار جهود التعاون في مكافحة التغير المناخي.

أحد المشروعات التي تنفذها مصر في جنوب السودان (وكالات)
أحد المشروعات التي تنفذها مصر في جنوب السودان (وكالات)

هذا إلى جانب بناء سد واو متعدد الأغراض، والذي يهدف إلى توليد 10.40 ميجاوات من الكهرباء. وقد صممت وزارة الكهرباء والطاقة أعمال المحطة الكهربائية الملحقة بالسد، الذي يوفر مياه الشرب لنحو 500 ألف شخص، ومياه الري التكميلي لحوالي 30-40 ألف فدان.

وتتعاون مصر مع جنوب السودان في إنجاز مشروعات تنظيف حوضي نهر الغزال وبحر الجبل. وكذلك مشروعات حصاد المياه. كما شيدت مصر محطة معالجة المياه الجوفية في جبل الليمون بجنوب السودان، وعدد من مشروعات البنية التحتية في 7 ولايات بجنوب السودان في قطاعي الكهرباء والمياه.

السودان

في 2018، وقعت مصر والسودان اتفاقية لبدء مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، بقدرة 300 ميجاوات كخطوة أولى. ومؤخرًا، وقعت الشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة سيمنز للطاقة عقدًا لرفع قدرة واستقرار خط الربط الكهربائي الحالي بين مصر والسودان من 80 ميجاوات إلى 300 ميجاوات.

ويأتي التوقيع في إطار الاهتمام الذي يوليه قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة لمشروعات الربط الكهربائي بهدف دعم مصر كمركز إقليمي لتبادل الطاقة مع أوروبا والدول العربية والإفريقية. كما ساهمت مصر في إنشاء 10 مشروعات لحفر الآبار ومحطات معالجة المياه الجوفية في دارفور.

اقرأ أيضًا: كيف يمكن جذب الأطراف الدولية لموقف مصر من أزمة سد النهضة؟

رواندا

تهتم القاهرة بتوسيع نفوذها مع رواندا باعتبارها دولة رائدة في نطاق حوض النيل. حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في 26 مارس/ آذار نظيره الرواندي بول كاجامي. وهي الزيارة التي شكلت انطلاقة لإعادة تموضع مصر في منطقة حوض النيل. إذ جرى توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات التدريب الدبلوماسي والشباب والرياضة والمتاحف وتكنولوجيا المعلومات. كذلك التفاهم بشأن أهمية الدخول في حوار بناء وفعال لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين دول حوض النيل وتحقيق التنمية الشاملة لجميع شعوب المنطقة.

كينيا

تجمع الدولتان علاقات تاريخية، وخلال زيارة وزير الزراعة والري الكيني لمصر في أغسطس/ آب 2016، وقع الجانبان مذكرة تفاهم حول إدارة الموارد المائية في كينيا.

تضمنت الاتفاقية إنشاء 6 سدود لتجميع مياه الأمطار، وحفر 20 بئرًا للمياه الجوفية. ذلك بالإضافة إلى تدريب الفرق الفنية الكينية، بحيث بلغ إجمالي عدد المشروعات التي ساهمت فيها مصر في مجال حفر الآبار ومحطات معالجة المياه الجوفية في كينيا حتى عام 2020 نحو 180 مشروعًا.

دوافع التعاون

لعبت العديد من العوامل توجيه الجهود المصرية، لاسيما في الفترة الأخيرة، نحو المحيط الإفريقي.

تعزيز التعاون بين مصر ودول حوض النيل:

وتكثف مصر جهودها لاستعادة النفوذ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ضمن إعادة النظر في سياستها الخارجية. وتشكل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية مدخلًا دبلوماسيًا مستحدث لإحياء العلاقات بين مصر والدول الإفريقية.

ويعكس تصريح شكري خلال في احتفالية افتتاح ملء بحيرة سد “جوليوس نيريري”، أهمية التعاون الإقليمي وتوافر الإرادة السياسة الإفريقية في تحقيق تنمية الشعوب.

وفي حين تعاني الدول الإفريقية أزمات متعددة ترتبط بسوء استغلال الموارد ونقص الخبرات والقدرات الفنية، برزت أهمية الدور المصري في نقل الخبرات وبناء الشراكات في مجال البنية التحتية ومشروعات المياه والكهرباء والطاقة.

يعكس مشروع سد جوليوس نيريري كذلك قدرة قطاع المقاولات المصري على تنفيذ مشروعات ضخمة، نظرًا لأنه من أكبر السدود الكهرومائية في منطقة شرق إفريقيا. وهو بذلك يشكل سابقة عمل قوية في إفريقيا، ويساعد مصر على استعادة قوتها الناعمة في القارة.

تحاول مصر كسب مزيد من الدعم الإفريقي في مواجهة أزمة سد النهضة في إثيوبيا (وكالات)
تحاول مصر كسب مزيد من الدعم الإفريقي في مواجهة أزمة سد النهضة في إثيوبيا (وكالات)

الترويج لمصر كمركز إقليمي للطاقة:

تعاني الدول الإفريقية من نقص الكهرباء. وفي ظل قدرات مصر في هذا النطاق، تعتبر الكهرباء ورقة مثمرة لبيان الإمكانات المصرية. وفي الوقت ذاته مدخلًا لحل العديد من الأزمات لدى الدول الإفريقية.

أثناء افتتاح السد، أعلن وزير الخارجية سامح شكري أنه يمثل خطوة مفصلية نحو بدء توليد الطاقة المتوقع في عام 2024. كما أنه دليل عملي دال على تطور إمكانات وقدرات الشركات المصرية في مشروعات البناء والطاقة.

ويدفع الفائض المصري من الكهرباء مصر لإبراز إمكاناتها كمركز إقليمي للكهرباء، وتعطي مشروعات مصر في مجال الطاقة مع دول حوض النيل، الثقة فيها كمصدر مضمون للكهرباء.

أهمية الأمن المائي:

وتمثل قضية مياه النيل أحد الأبعاد الرئيسية للتقارب بين مصر ودول حوض النيل. حيث تعتمد مصر على نهر النيل في توفير 97% من احتياجاتها المائية. ومع بدء إثيوبيا في بناء سد النهضة، من المتوقع أن يصل العجز المائي في مصر إلى 16 مليار متر مكعب سنويًا. وبالتالي، ستفقد ما لا يقل عن مليوني فدان من الأراضي الزراعية، بينما سينخفض إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بنسبة 20-40%.

اقرأ أيضًا: وسط أزمة سد إثيوبيا.. قفزة في تجارة مصر مع دول حوض النيل

تأمين المنتجات الزراعية لمصر:

تمثل الزراعة والري 80% من استخدامات المياه في مصر. وفي ظل التحديات الراهنة فيما يتعلق بالأمن المائي، يخدم الاستثمار الزراعي في إفريقيا جهود مصر لتحقيق الأمن الغذائي.

وتشكل اتفاقيات الشراكة بين مصر ودول حوض النيل دعمًا للتبادل السلعي. وقد ساهم تنامي التعاون في مشروعات المياه والسدود وتصدير الطاقة إلى تلك الدول في حصول مصر على فرصة تأمين احتياجاتها الزراعية في دول الحوض التي تتمتع بمساحات زراعية كبيرة.

وسبق وصرح شريف الجبالي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية البرلمانية، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن السلطات الكونغولية خصصت 20 ألف هكتار (48 ألف فدان) من الأراضي الصالحة للزراعة لمصر في مدينة موسينجو لزراعة القمح والأرز، كما تمتلك مصر مزارع في توجو وإريتريا.

التحديات

وتواجه القاهرة العديد من التحديات في علاقتها بدول حوض النيل. وأبرزها دور الدول المنافسة على النفوذ التي أخذت تدريجيًا التغلغل داخل إفريقيا من خلال دبلوماسية المساعدات وتقديم القروض ونشر المؤسسات الخيرية، وكذلك ممارسة الوساطة في النزاعات الإفريقية، وتفعيل جهود الاتصال السياسي وسرعة التفاعل مع الأزمات التي تمر بها الدول الإفريقية. وهذا التنافس ربما يقلص من النفوذ المصري على الساحة الإفريقية لصالح إثيوبيا وتركيا وإسرائيل.

كما تشكل عوامل ضعف الحوكمة والمؤسسية في الحكومات الإفريقية، والتداعيات الاقتصادية تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي الإرهاب تحديات أخرى للتعاون.

ويؤكد شراقي أنه بالنسبة لمجال الطاقة ينقص مصر توطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة بها. ويضرب مثالًا على ذلك، بعدم تصنيع مستلزمات الطاقة كالخلايا الشمسية. وكذلك بالنسبة لطاقة الرياح أو الطاقة النووية. حيث يتم الاعتماد بنسبة كبيرة على الاستيراد من الصين أو الدول الأوروبية، مما يزيد من تكاليف الانتاج.

أما التحديات التي تعرقل إمكانية تنامي التعاون بين مصر ودول حوض النيل بالنسبة لمشروعات المياه، فيتحدث عنها شراقي. ويقول إن دول حوض النيل تستغل مواردها المائية بنسبة لا تزيد عن 10% فقط سواء في إنتاج الغذاء أو  الزراعة وإنتاج الكهرباء من الطاقة المائية.

وهنا يضاف إلى المعوقات السابقة للتعاون المصري مع دول حوض النيل في مجال المياه، عدم الاتفاق على إطار تعاون مشترك. إذ نشأت خلافات حول مبادرة حوض النيل في نهاية التسعينيات، وحاليًا على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل (عنتيبي).