مع عودته إلى منصب رئيس الوزراء الذي استمر فيه اثني عشر عاما من قبل، يستعد بنيامين نتنياهو، لرئاسة الحكومة السادسة في تاريخه السياسي بالدولة العبرية، للمضي قدما في قضيتين استراتيجيتين بارزتين. إحداهما متعلقة بإيران، والأخرى تختص بالسعودية؛ إحداهما تجسد التهديد، والأخرى التشبث بالأمل.

بالفعل، أعلن نتنياهو عن نيته إعادة الملف الإيراني إلى رأس جدول أعماله، ومن المتوقع أن يكرس نفسه لإحباط طموحات طهران النووية. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يبذل كل ما في وسعه لإشراك المملكة العربية السعودية في اتفاقيات إبراهيم.

إيتامار بن جفير (يمين) يتحدث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يسار) في الكنيست في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني (وكالات)

في تحليله، يشير بن كاسبيت كاتب عمود “النبض الإسرائيلي” لـ المونيتور/ ِAl Monitor، والمحلل السياسي في الصحف الإسرائيلية. إلى أن نتنياهو ينظر إلى السعوديين على أنهم “حجر الزاوية في إرث السلام، وإضافة مهمة إلى اتفاقيات السلام التي دبرها مع البحرين والإمارات والمغرب والسودان”.

لكنه يشير إلى أنه في الوقت الحالي “يبدو أن كلتا المهمتين تفوقا نطاق وصوله”.

اقرأ أيضا: محلل إسرائيلي: صراع حكومة نتنياهو الجديدة مع أمريكا “يكاد يكون حتميا”

الأكثر تطرفا

يقول كاسبيت: لقد قام نتنياهو بتشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً وحماساً ويمينية في تاريخ إسرائيل. الأمر الذي سيؤدي -بلا شك- إلى عبء على مجموعة العلاقات الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، فإن نتنياهو يتمتع أيضًا بمهارات دبلوماسية مثبتة، وفهم جيوسياسي لما يحيط به.

أضاف: شرع رئيس الوزراء الجديد، بالفعل، في حملة لطيفة للضغط في مواجهة السعوديين، الأمر الذي سيتطلب مساهمة أمريكية.

أيضا، يتولى نتنياهو منصبه في الوقت الذي يضع فيه تقييم استخباراتي عسكري محدث إيران على عتبة القدرة النووية، من حيث اليورانيوم المخصب الموجود تحت تصرفها. ويرى كُتّاب التقييم أنه على إسرائيل أن تشجع اتفاقًا يحد من البرنامج النووي الإيراني، على أساس صيغة عقوبات اقتصادية مخففة، مقابل قيود على المشروع النووي.

ولفت المحلل الإسرائيلي إلى أنه قبل الإطاحة من منصبه في يونيو/ حزيران 2021، طالب نتنياهو الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى بتعديل اتفاق 2015 مع إيران لتمديد مدته وتحسين فعاليته.

لذلك، يرى أنه من المفترض أن رئيس الوزراء سيظل يقبل هذه الصيغة “الأطول والأقوى”، لكن من غير المرجح أن تستمر إيران في ذلك. هذا يترك لنتنياهو مسار عمل واحد فقط: ضربة عسكرية لتعطيل المشروع النووي الإيراني.

ويؤكد أنه “بافتراض أن مثل هذا الإجراء الصارم ممكن، يدرك نتنياهو أنه يجب أن يحصل على ضوء أخضر من واشنطن، بالإضافة إلى التعاون والمساعدة من الولايات المتحدة”. مشيرا إلى أنه بعد فترة وجيزة من توليه منصبه في عام 2009، استكشف نتنياهو مثل هذه الخيارات، لكنه تراجع في عام 2012 بعد أن أدرك أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لن تتماشى مع خطته.

وبعد مرور عشر سنوات، من غير المرجح أن يغير خليفة تلك الإدارة -الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن- رأيه في هذا الصدد.

التوافق مع واشنطن

يشير كاسبيت إلى أن احتمالات إقناع نتنياهو للأمريكيين بتزويد إسرائيل بغطاء، دبلوماسي واستراتيجي، لخطوة مثل القيام بعمل عسكري لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، ضئيلة. وكذلك فرص التعاون الأمريكي في جهود ما بعد ضربة مهمة كهذه ضد إيران، في شكل حصار بحري، وعقوبات اقتصادية أكثر صرامة، ومنع هجوم مضاد إيراني.

يقول: تشعر إدارة بايدن بقلق بالغ إزاء حكومة نتنياهو الناشئة، لكنها وعدت بمنحها فرصة، والحكم عليها من خلال أفعالها، بدلاً من الخطاب المتطرف لأعضائها.

ومع ذلك، تشير جميع الدلائل إلى التناقض الصارخ بين الأسس الأيديولوجية للحكومة، ومبادئ وسياسات البيت الأبيض في إدارة بايدن، من جميع النواحي تقريبًا.

يُذّكر الكاتب بما حدث خلال فترة ولاية أوباما الثانية، عندما رفض نتنياهو مطالبات الولايات المتحدة بتقديم تنازلات للفلسطينيين مقابل تعاون أمريكي أوثق بشأن إيران، وهي الصيغة التي أطلق عليها خصومها اسم “بوشار/ يتسهار”. أي المنشأة النووية الإيرانية، مقابل كبح نشاط مستوطنة يتسهار اليهودية في الضفة الغربية.

كان أحد المعارضين الرئيسيين لهذا الاقتراح عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، الذي -إلى جانب زميله المتطرف في الانتخابات إيتامار بن جفير- صار عضوا قياديا في حكومة نتنياهو القادمة، ومن غير المرجح أن يقبل تنازلات للفلسطينيين.

أيضا، الشيء نفسه ينطبق على القضية السعودية. حيث تنقسم التقييمات الإسرائيلية فيما يتعلق باحتمال إحراز تقدم مع الرياض، حول مسألة ما إذا كان مثل هذا المسار ممكنًا خلال حياة الملك سلمان.

يجادل بعض الخبراء -الأكثر تفاؤلاً- بأنه يمكن إقامة علاقات رسمية بين تل أبيب والرياض قريبًا إذا تم استيفاء شروط معينة. مثل استعداد الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاه السعودية، ومحادثات السلام الإسرائيلية مع الفلسطينيين، ونبذ دائم لخطط ضم الضفة الغربية وغيرها.

لكن، أيا من هذه الشروط غير محتمل حدوثه أو الموافقة عليه قريبا.

تنقسم التقييمات الإسرائيلية فيما يتعلق باحتمال إحراز تقدم مع الرياض حول مسألة ما إذا كان هذا المسار ممكنًا خلال حياة الملك سلمان

اقرأ أيضا: إسرائيل غير مرتاحة من صفقة تمنح الإمارات سيطرة على المعاشات

لعبة مزدوجة

يلفت المحلل الإسرائيلي إلى أن نتنياهو، كالعادة، يلعب لعبة مزدوجة. حيث يعد سموتريش بتعزيز ضم يهودا والسامرة “التسمية اليهودية للضفة الغربية المحتلة” وفرض القانون الإسرائيلي هناك. على أمل أن عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض ستسهل مثل هذه الخطوة. وفي الوقت نفسه، تعهد لجميع الوسطاء والمبعوثين الدوليين والعرب الذين تواصلوا معه في الأسابيع الأخيرة، بتجنب دفع إجراءات الضم.

يقول: يعرف نتنياهو جيدًا أن الضم، كما طالب به سموتريتش، والسماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي، كما طالب بن جفير، يخاطر بعملية السلام المثيرة للإعجاب التي تحققت مع الدول العربية في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فهو يسمح لشركائه في التحالف باللعب بالنار بجوار أحد أكبر براميل الديناميت في العالم.

ولفت إلى أن نتنياهو “سيحتاج إلى كل قدرات المناورة الأسطورية لديه، وجرعة كبيرة من الحظ للنجاة من هذه التعقيدات”.

وتابع: يبدو التطبيع مع الريبة السعودية في هذه المرحلة، على الأرجح، مثل التقارب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

بالحديث عن بوتين، أشار كاسبيت إلى أن الرجلين “بوتين ونتنياهو” تحدثا في وقت سابق من هذا الأسبوع. وتناولا، من بين أمور أخرى، مناقشة الوضع بالجولان وسماء سوريا، حيث نُسبت مئات الهجمات ضد أهداف إيرانية إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة.

ويؤكد أن نتنياهو “قلق للغاية بشأن المحور الإيراني- الروسي الذي تم الكشف عنه مؤخرًا، والذي يتضمن إمدادات الأسلحة، والتعاون الأمني مع موسكو. ويشعر بالقلق إزاء المحاولات الروسية للحد من نشاط إسرائيل المناهض لإيران، وكذلك من تعزيز مكانة إيران في الشرق الأوسط، من خلال تحالفها مع روسيا”.

ونقل عن مسئول أمني إسرائيلي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن “الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أن الروس يفكرون في بيع طائرات مقاتلة لإيران من طراز سوخوي المتطورة”.

ولأن إسرائيل تتمتع بتفوق جوي حاسم على إيران، وقواتها الجوية الصغيرة “التي عفا عليها الزمن”، حسب تعبير خبراء إسرائيليين. يخاطر تدفق الطائرات المقاتلة الروسية المتقدمة إلى إيران بتقويض هذه الميزة، التي سمحت لإسرائيل بحرية عمل شبه كاملة في سماء المنطقة.