يتناول الإعلاميون تلك الأيام حبات الشجاعة، ويصرخون في الحكومة أن عليها أن تحل أزمة ارتفاع أسعار الغذاء، متناسيين أن نفس تلك البرامج، هي التي أيدت وساغت للمواطن كل هراء ممكن، وكل السياسات التي أدت إلى الأزمة.
عشرات البرامج والإعلاميين الذين نسوا دورهم الإعلامي، وتكلموا بسكريبتات كاملة تمليها جهات سيادية، نعرفها باسم جهاز السامسونج، وتتحرك تلك المرة أيضا من واقع سكريبتات الأجهزة نفسها، لامتصاص غضب حقيقي لدى الناس، فالأزمة تلك المرة تتجاوز القدرة على الصبر، لكن ليست انتقاداتهم تلك المرة أيضا سوى حيلة جديدة لإلقاء المزيد من قنابل الدخان وطريقة أخرى للكذب، لصرف النظر عن الأسباب الحقيقية للأزمة، ومن بينها سياسة الاقتراض المستمر من صندوق النقد الدولي، والصرف على مشاريع لا أستطيع التشكيك في جدواها، وإن كنت أشكك في استحقاقها للأولوية وكذلك تدخل الدولة في الاقتصاد بشكل لا يترك مجالا للقطاع الخاص للعمل في ظل تنافس عادل.
للأسف يروج إعلام السامسونج نفسه الآن أن الأوضاع ستتحسن بعد الحصول على الدفعة الأولى من قرض الصندوق، وهو ما قد يحدث فعلا على المدى القصير، لكن ستكرر الأزمة نفسها على المدى البعيد، دون وجود قطاع خاص قوي متحرر من تدخلات الجهات السيادية في قطاعات اقتصادية مهمة كقطاعات البنية التحتية والقطاعات الأخرى غير المهمة كالمكرونة والأرز والمياه وغيره. وهو ما يشترطه صندوق النقد الدولي نفسه.
وتلك المطالب لا تتعلق بإنقاذ رجال الأعمال، بل إنقاذنا نحن كمواطنين، ففي النهاية سيتمكن هؤلاء من إنقاذ أنفسهم، بنقل أموالهم إلى الخارج، لذا فإن خبر استحواذ شركة FYK Limited على 24.61% من أسهم شركة النساجون الشرقيون، ثم الإعلان أن الشركة المستحوذة مملوكة بنسبة 100% لكل من ياسمين وفريدة فريد خميس، ابنتي فريد خميس مؤسس شركة النساجون الشرقيون.
شركة FYK Limited، هي شركة أجنبية تابعة للملكة المتحدة، ما يعني تحويل أرباحها إلى الخارج بشكل قانوني، دون أن يخضعوا لقانون الضرائب المصري، بل اتفاقيات التجارة الدولية والتحكيم الدولي، وهو خبر مرعب لأنه إشارة من رأس المال، الجبان دائما، أنه يشعر بالذعر ويسعى للقفز من السفينة.
هي حيلة ليست قديمة، لكنها علامة سيئة تساهم في مضاعفة آلام الاقتصاد المصري، يلفت هشام قاسم الناشر الصحفي، أن تلك الممارسة أصبحت متكررة بعد مضايقات تعرض لها أصحاب الاستثمارات المصريين، من صفوان ثابت ونجله سيف ثابت الذي تعرض للسجن بعد أن رفض التنازل عن جزء من حصته في شركة جهينة، وكذلك سيد السويركي المحبوس دون تهمة محددة، وتدار شركاته بواسطة كيان غامض غير مفهوم، وغيرهم من رجال الأعمال.
تتيح تلك الحيلة للشركات اللجوء للتحكيم الدولي في حالة تعرضها لإجراءات تعسفية.
هل هناك إشارة أخطر من حالة التشجيع على منصات التواصل الاجتماعي لحيل الشركات للهروب بأموالهم، رغم ضررها المباشر على المواطنين، ورغم أن هؤلاء المستثمرين في زمن ما حققوا ثرواتهم عبر إعفاءات وتسهيلات غير مبررة.
تلك السياسات هي التي دافع عنها نفس الإعلاميين اللذين يصرخون الآن طلبا لمساءلة الحكومة، بل وإقالتها أيضا. شجاعة الجبناء تلك، لا معنى لها دون الإشارة إلى السبب الحقيقي للأزمة.