على مفترق طرق، يقف اليمن الذي طالما اقترن بصفة السعيد، تائها ينتظر تحديد مصيره المعلق بفك شفرة الرسائل المتبادلة عبر الوساطة العراقية بين السعودية وإيران من جهة، وتلك المتبادلة عبر الوساطة العمانية بين جماعة أنصار الله الحوثي، ومعسكر الشرعية والتحالف العربي الداعم له من جهة أخرى.
اقرأ أيضا.. المبعوث الأمريكي لليمن لـ”مصر 360″: على جميع الأطراف اختيار السلام
السوداني يسعى لإنجاز خارجي
يسعى رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني الواقع بين ضغوط المرجعيات الشيعية في النجف العراقي، وقم في إيران، بخلاف ضغوط واشنطن، إلى تحقيق انجاز على المستوى الخارجي فشل فيه سلفه مصطفى الكاظمي على مدار خمسة محاولات سابقة.
وبحسب الأنباء الواردة من بغداد فإن السوداني كلف وزير خارجيته فؤاد حسين باستئناف جهود الوساطة العراقية بين طهران والرياض بغية ترتيب لقاء جديد بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، ولكن هذه المرة بمستوى تمثيل أعلى من ذي قبل، بعدما استضافت العراق منذ إبريل 2021، مباحثات مباشرة بين البلدين على مستوى منخفض التمثيل.
وكان من المقرر عقد جولة سادسة بين طهران والرياض نهاية يوليو الماضي، على مستوى وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبداللهيان وفقاً لما أعلن عنه حسين في 23 يوليو الماضي، إلا أن هذه الجولة تأجلت لأسباب متضاربة بحسب أوساط عراقية، من بينها أن التأجيل جاء بطلب إيراني للعراق، وأخرى تحدثت عن خلافات حيال الملفات التي ستُطرح في هذه الجولة، ومنها الملف اليمني.
تحسن العلاقات بين مصر وإيران
لم تتوقف محاولات محمد شياع السوداني عند السعي لإنجاز الواسطة بين إيران والسعودية فقط، بل تجاوزتها على أمل تحقيق إنجاز أكبر ، بالذهاب بعيدا، لتحريك واسطة بين مصر وإيران من جهة، والأردن وإيران من جهة أخرى.
وفي استمرار للرسائل الإيرانية التي لم تنقطع أبدى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ترحيبه بمقترح لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لبدء حوار مع مصر بواسطة عراقية لتحسين العلاقات معها.
وقال عبد اللهيان إنّ “السوداني اقترح خلال لقائي معه على هامش مؤتمر بغداد 2 في الأردن، بدء محادثات مع مصر لتعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة”،متابعا “سنواصل متابعة هذا الموضوع تماشياً مع دور العراق الإقليمي للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون”.
الرئيس التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، عزت سعد من جانبه يرى أن “العراق قد يلعب دوراً محورياً في فتح باب المشاورات بين مصر وإيران، خصوصاً أن القاهرة منفتحة دائماً على العلاقات بجميع الدول، ما دامت تلك العلاقات لا تتعارض مع ثوابتها وأمنها القومي، لذا فإن أي تحركات فعلية في هذا الملف تعد بداية لفتح الملفات من أجل التشاور، ويدعم هذا التوجه الخبرة التي اكتسبها العراق في مجال الوساطة بين السعودية وإيران وإن لم يصل الطرفان حتى الآن إلى توافقات نهائية، لكن البحث والتشاور لا يزالان جاريين”.
ولفت إلى أنّ “التجربة العراقية يمكن الاستفادة منها، وبغداد مؤهلة بحكم علاقاتها الخاصة بإيران بأن تقوم بدور الوساطة في تقريب وجهات النظر بين القاهرة وطهران، ميرا إلى “تطورات إيجابية كبيرة لا يمكن تجاهلها في العلاقات العراقية- المصرية”.
وفي هذا الإطار يرى غازي فيصل رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية أن الشياع يعول كثيرا على ملف الوساطات الإقليمية ، في ظل ما تواجهه حكومته من اتهامات بقربها ودعمها من إيران ، موضحا أنه لهذا السبب سيراقب المجتمع الدولي جميع تحركاتها خلال المرحلة المقبلة، لذا فإن السوداني يعمل بكل ما يستطيع لأن يثبت للمجتمع الدولي أنه مع الجميع وليس مع إيران أو أي محور إقليمي أو دولي، مؤكدا أن السوداني يسعى للانفتاح على الجميع والابتعاد عن سياسة المحاور.
بطبيعة الحال فإن أي تحسن في العلاقات المصرية الإيرانية ، سينعكس على الملف اليمني ، نظرا لما يمثله من أهمية خاصة لمصر ، لارتباطه بمصالح القاهرة المباشرة ، خاصة المتعلق منها بتأمين الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ، لما له من تأثير مباشر على قناة السويس ،خاصة بعد الدور الذي أوكل لمصر مؤخرا بقيادة قواتها البحرية لقوة المهام المشتركة (153) لمكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
عقدة المفاوضات وحلها
انعقاد الجولة الجديدة بين السعوديين والإيرانيين، متوقف على الإيرانيين بالدرجة الأولى هذه المرة، فوفقا لمسؤول عراقي بارز فإن “السعوديين أبدوا تجاوباً مع عودة الحوارات على مستوى منخفض، غير أن الإيرانيين يطالبون بجدول زمني وملفات محددة لبحثها، مع التأكيد على عدم رغبتهم بمناقشة ملفات بعينها “.
وقطعت السعودية علاقاتها بطهران في مطلع 2016، بعد تعرض قنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية لهجوم من إيرانيين كانوا يحتجون على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر المدان في قضايا إرهاب.
غير أن السفير الإيراني في لبنان مجتبي أماني ، قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ،في الثامن عشر من ديسمبر الجاري “إن المحادثات السابقة مع السعودية كانت تتوقف عند الخلاف على الأولويات”،متابعا أن ” السعودية تريد تدخلا إيرانيا في اليمن يحدّ من قوة حكومة الحوثيين في صنعاء”.
وفي المقابل، وفقا لأماني ،تصرّ طهران على أن الأساس هو تنظيم العلاقات بين السعودية وإيران من خلال إعادة فتح السفارتين في البلدين أولا، ومن ثم السعي للمساعدة في القضايا الإقليمية.
مؤشر إيجابي
وفيما بدا أن مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق، مع الحديث عن جولة سادسة للمفاوضات بين طهران والرياض، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن البلدين متفقان على مواصلة المحادثات بينهما ويمكنهما عقد جولة جديدة في بغداد، مضيفا خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي أن الحوار بين وزيري خارجية إيران والسعودية الأخير بالأردن كان “بنّاء ومعبرا عن استعدادهما لمواصلة الحوار”.
وتابع: “سياستنا واضحة بشأن الحوار مع السعودية، ولحسن الحظ فإن الرياض وطهران متفقتان على مواصلة الحوار، وفي ظل الأجواء الحالية يمكن عقد جولة جديدة في بغداد” ، معبرا عن أهمية الدور العراقي بقوله إن “الأصدقاء العراقيين بذلوا جهودا كبيرة وجيدة خلال الجولات السابقة ويواصلون جهودهم في هذا المجال، فالطرف العراقي محل ثقة للطرفين الإيراني والسعودي، ونرحب بجهوده لعقد جولة جديدة”، وفق قوله.
الوساطة العمانية
وبموازاة المحاولات العراقية، للوساطة بين السعودية وإيران، تبذل سلطنة عمان جهودا لتذليل الخلافات بين السلطة الشرعية في اليمن والتحالف العربي الداعم لها من جهة، وبين جماعة الحوثي الموالية لإيران من جهة أخرى، من أجل تمديد الهدنة التي انهارت في أكتوبر الماضي.
وكان وفد عماني وصل صنعاء الأسبوع الماضي لإجراء مباحثات حول تمديد الهدنة التي لفظت أنفاسها الأخيرة تحت وطأة تصعيد ميداني حوثي على عدة محاور قتالية في 2 أكتوبر الماضي.
ورغم المرونة التي يبديها معسكر الشرعية، إلا أن جماعة الحوثي لاتزال تتمسك بمجموعة من المطالب التي لا يمكن وصفها سوى بالتعجيزية.
وهي المطالب التي عبر عنها كبير مفاوضي الحوثي والناطق الرسمي باسم الجماعة محمد عبد السلام في تصريحات لقناة “المسيرة” في وقت سابق، قائلا إن “الوفد العماني التقى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ومسئولين آخرين”، مضيفا أنه “منذ انتهاء الهدنة أجرى الوفد الحوثي نقاشات مكثفة مع أطراف عدة، من بينها لقاءات مباشرة مع الطرف السعودي والأمم المتحدة في مسقط”.
وبشأن مطالب الجماعة، قال كبير مفاوضي الحوثي “إن الملف الإنساني، وفي مقدمته صرف الرواتب وفقا لميزانية النفط والغاز 2014، لا تزال أولويتنا في المفاوضات”، لافتا إلى أن “الحديث عن وقف إطلاق نار دائم يجب أن يقابل بفك حصار دائم- في أشارة إلى مطار عدن وميناء الحديدة- ، وصرف رواتب بشكل دائما ، مشددا على أن أن قواتهم في حل من أي التزام بشأن وقف إطلاق النار قائلا “قواتنا في الميدان فرضت قواعد اشتباك جديدة، وعلى الطرف الآخر (التحالف والحكومة) إدراك حقيقة أننا دخلنا مرحلة جديدة، وحاليا لسنا أمام أي التزام في ما يتعلق بوقف إطلاق النار”.
ختاما يمكن القول بأن مصير اليمنيين لا يزال رهن للتوافقات الإقليمية ، وبالتحديد بين الرياض التي ترعى الحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي ، وبين طهران التي تدعم جماعة أنصار الله الحوثي .