قدمت الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان مؤخرًا، تقريرًا يستعرض التقدم المحرز في ملف حقوق الإنسان في مصر. ذلك في ضوء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقت في سبتمبر/ أيلول 2021، وتتابع تنفيذها اللجنة المكونة من 12 وزارة وجهة رسمية، برئاسة وزير الخارجية سامح شكري.
ونظرًا لأهمية وشمول محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وما يتضمنه من بنود تتعلق بخدمات التعليم والصحة ومظلة الحماية الاجتماعية، فإنه من المهم عرض هذا المحور ضمن قراءة، تسعى إلى تقييم الإجراءات التي اتخذتها الدولة في ضوء الاستحقاقات الدستورية واستراتيجية حقوق الإنسان، باعتبارها مقياس عمل وموجهًا للخطط الحكومية المتعلقة بالتنمية.
الحق في الصحة
يشير تقرير الأمانة الفنية إلى ارتفاع في مخصصات الصحة يصل إلى ما يزيد عن 310 مليارات جنيه في موازنة العام المالي (2022/ 2023). ذلك بما يتجاوز نسبة 3% من الناتج القومي الإجمالي. أي الوصول إلى الاستحقاق الدستوري في المادة 18 من الدستور، حسب ما يرد في التقرير. وبالتالي، تحقيق هدف الاستراتجية الوطنية في المحور الثاني، والمتعلق وبالارتقاء بالمنظومة الصحية وجودة الخدمات بزيادة الإنفاق.
شكلت المبادرات التي استهدفت دعم صحة المرأة والطفل واكتشاف الأمراض السارية وغير المتوطنة وقوائم الانتظار نقاطا إيجابية، وقد بدأت حملة فيرس سي، والتي حظيت بشهادات دولية لما حققته من نجاحات. كما حققت هيئة الدواء نجاحا في إنتاج وتوفير اللقاحات. وقد وصلت للمرتبة الأولى في الشرق الأوسط والتاسعة على مستوى العالم، حسب بيان لمنظمة الصحة العالمية. وهو ما سيتيح تصدير لقاحات كوفيد- 19 إلى بلدان أخرى، وهو ما يعد نقطة مهمة في ملف الصحة.
معوقات وتحديات
ومع ذلك، تواجه منظومة الصحة، معوقات عدة، وهي متصلة بالمحدادات الاجتماعية للصحة. كما أنها ترتبط بقضيتي الفقر والغذاء، يرصد “مصر 360” بعضها في الآتي:
أولًا: البنية التحتية وعجز الأطباء:
أزمة عجز الأطباء ونقص المستلزمات والأجهزة الطبية، والنقص في أُسرة الرعاية المركزة بالمستشفيات. وهي ترتبط في جانب منها بتدني المخصصات المالية في الموازنة العامة للدولة، والبالغة 3% من الناتج القومي. وهي نسبة ثابتة رغم زيادة عدد السكان سنويًا.
وقد سبق وقُدمت طلبات إحاطة رأت أن توجيهات الدولة والاهتمام الظاهر بملف الصحة، لم ينعكس في واقع ملموس على الأرض، يمثل نهوضا بالبنية التحتية وتطويرها.
ثانيًا: المحددات البيئية والاجتماعية للصحة:
يعيش قرابة نصف السكان في الريف المصري، حيث تتجلى مشكلات الخدمات الصحية أكثر من الحضر، من نقص في الإتاحة وفي أعداد الفرق الطبية، خاصة الأطباء وفرق التمريض عالية التأهيل. ذلك إلى جانب تردي المحددات البيئية والاجتماعية للصحة (الصرف الصحي ومياه الشرب والسكن الصحي).
ويعد ريف جنوب البلاد هو الأكثر فقرا وهشاشة في هذا المجال.
ثالثًا: ارتباط الصحة بملف الفقر والغذاء:
ترتبط المشاكل الصحية بالفقر وعدم الإنصاف، وتمثل المعوقات الأساسية أمام تحقيق الحد الأدنى من مستويات الرفاه.
هنا، يلفت تقرير الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان إلى جهود بذلت لتعزيز الحق في الغذاء في ظل تأثيرات الأزمات العالمية على سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت عالميا.
تقدم ملموس وحاجة لسد الفجوة:
ورغم أن مصر وفق المسوح الصحية الأخيرة (من 2014 إلى 2022) حققت تقدمًا ملموسًا في مؤشرات صحة الأم والطفل ومعدلات وفياتهم، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى وضع خطط مستمرة للحفاظ على هذا التطور الإيجابي. مع تدعيم إضافي لغلق فجوة اللامساواة بين الريف والحضر، والشمال والجنوب، والأغنياء والفقراء.
كما ينقصها التركيز على مواجهة أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم ومضاعفاتها ومواجهة التدخين وأمراضه وسوء التغذية والسمنة.
ومثل كثير من البلدان المتوسطة والفقيرة، ما زالت تُسجل فروق نوعية مهمة داخل الشرائح السكانية، فضلًا عن عدم مساواة اقتصادية واجتماعية. وهو ما ينعكس أكثر في المجموعات السكانية الأكثر فقرًا، والتي تُصبح مخرجاتها الصحية هي الأسوأ حسب ما تظهر المسوح المحلية أيضًا.
الحملات ليست بديلًا للإصلاح الشامل:
فيما يخص الحملات الرئاسية والمبادرات التي قد يطلقها النظام في أوقات معينة لمواجهة مشكلة صحية حادة، مثل حملة القضاء على فيروس سي، فإنها ليست جوهر السياسات الصحية للإصلاح. كما أنها أعطت صانع القرار شعورًا بالإنجاز والنجاح، بينما من المهم التركيز على الإصلاح الشامل للنظام الصحي، الذي يحتاج إلى كثير من الجهد والعمل الجاد والتخطيط الدقيق لصياغة النظام الصحي الجديد للتأمين الشامل، وهو الهدف الاستراتيجي النهائي للإصلاح.
الحق في التعليم
خصصت موازنة العام المالي (2022/2023) نحو 550 مليار جنيه للتعليم بمختلف مراحله وللبحث العلمي، بنسبة 7% من الناتج القومي، وفق ما أعلنته الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان. إلا أنه يجب أن تتصاعد هذه النسب تدريجيًا، حتى تتفق مع المعدلات العالمية. لأن النسب حاليًا غير كافية.
ويعد الحق في التعليم، في حد ذاته، حقًا مؤسسًا لبقية حقوق الإنسان. فهو وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان.
يجب كذلك أن تكون المؤسسات التعليميّة متاحة لجميع الفئات، وآمنة وقريبة من المجتمعات؛ لتسهيل عملية الوصول إليها بهدف أن يكون التعليم في متناول الجميع.
بينما فيما يتعلق بالتطوير التعليمي، يجب توفير إمكاناته ومستلزماته كاملة، من تجهيز المعلمين وتدريبهم، وتحسين دخولهم، إلى جانب تطوير البنية الأساسية للمدارس، بما يسمح ويضمن نجاح خطط التطوير.
توجيه الإنفاق:
يجب توجيه الإنفاق إلى قلب عناصر العملية التعليمية؛ المعلم، أولًا بسد النقص المخيف في عدد المعلمين. خاصة في التعليم العام، والذي يصل إلى 320 ألف معلم. وثانيًا برفع أجور المعلمين، بحيث توفر للمدرس حياة كريمة تغنيه عن تسول أو ابتزاز الدروس الخصوصية. وثالثًا برفع المستوى الثقافي والعلمي والتأهيلي للمعلم، عبر برامج وخطط مدروسة وموجودة تنتظر التطبيق.
وفيما يخص جعل التعليم سلعة تنافسية ما بين الجامعات الأهلية والخاصة، وكذلك الأمر ما بين المدارس، فإن ذلك لا يعود بنتائج صحية على حالة التعليم بشكل عام. بل ويهدم مبدأ تكافؤ الفرص، ولا يعول على كفاءة الطلاب، وإنما تكون الميزة الرئيسية لمن يملك ثمن التعليم.
الحق في السكن
تضمن التقرير عرضًا لمشروعات وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، الذي يتضمن إنشاء الوحدات السكنية “إسكانا اجتماعيا” لأصحاب الدخل المنخفض، ضمن المبادرة الرئاسية “سكن لكل المصريين”. بالإضافة إلى أعمال المرافق شاملة شبكات المياه والصرف والري والطرق والكهرباء بعدة مناطق أخرى، والبرنامج القومي للإسكان، بما يحتويه من إنشاء مدن الجيل الرابع.
سبق وناقش مصر 360 أزمة قطاع السكن في مصر، بما فيها ملف واشتراطات البناء وغياب الحوار المجتمعي في خطط التطوير.
إلا أن الأمر تطور خلال العامين الأخيرين بأزمة جديدة في قطاع البناء والتشييد. إذ أن هناك توقف شبه تام تشهده حركة البناء في المدن منذ أن صدرت اشتراطات البناء الجديدة عام 2021. ذلك في ظل سلبيات كبيرة خلفها. فضلًا عن تعديل بعض أحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 المنظور أمام البرلمان. وأيضًا قانون التصالح السابق رقم 17 لسنة 2019 والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2020.
كذلك، وضع قانون البناء عوائق أمام حركة الأفراد والشركات في القطاع. ما جعله خادمًا لتسويق مشاريع الكومباوند ولصالح الشقق في المدن الجديدة التي تباع بملايين الجنيهات. ولا قدرة لأغلب الشباب والمواطنين على شرائها. في حين يشكل تأخير إنجاز المصالحات على البناء، واستخراج الرخص رغم سداد الغرامات والمديونيات تفاقمًا للمعاناة. وتثير إجراءات استخراج تصاريح البناء “غصة في حلق” المواطن البسيط.
غياب الحوار المجتمعي
هناك غياب تام لحالة الحوار المجتمعي، كما فى أزمة جزيرة الوراق. وقد انتهت هذه الأزمة إلى مرحلة صعبة من رفض مشروع تطويرها، وحتى بدائله المقترحة. ذلك في وقت لم تعتمد الأجهزة التنفيذية لتجاوز الأزمة سوى سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، تحت غطاء المنفعة العامة.
ويبقى سيناريو أزمة الوراق مرشح للتكرار في 16 جزيرة أخرى، بموجب إعلان الحكومة استبعادها من القرار رقم 1969 لسنة 1998 للمحميات الطبيعية، وإعادة طرحها للاستثمار كإحدى المناطق المميزة التي يجب استغلالها اقتصاديا.
تفاوت في المؤشرات
إجمالًا، فإن مؤشرات التقرير حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشمل (235) تدبيرًا. وقد بلغ إجمالي عدد النتائج المستهدفة (67) نتيجة، منها (41) بدأ تنفيذها، و(26) نتيجة يجرى التحضير لتنفيذها.
ويظهر التقرير أن نسب التدابير الخاصة في العمل والضمان الاجتماعي والسكن أقل مقارنة بالصحة والتعليم. وحسب التقرير، هناك (24) تدبيرًا للحق في العمل، و(14) تدبيرًا للحق في الضمان الاجتماعي. ما يستدعى اهتمامًا بالحق في العمل والضمان الاجتماعي. خاصة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية.