على البحر الأحمر في مدينة شرم الشيخ، انطلقت بداية الشهر الجاري، فعاليات البطولة العربية الإفريقية الـ25 للبرمجيات، بمشاركة 145 فريقا من طلاب الجامعات في 22 دولة، وهي البطولة التي بدأت أولى فعالياتها عام 1998 وأفرزت كوادر عربية وإفريقية مهمة في مجالات البرمجة يعملون حاليا في كبرى الشركات العالمية مثل “تويتر” و”فيسبوك” و”انستجرام” و”أمازون” إضافة لعملاق التكنولوجيا “جوجل”، حيث يعمل خالد عبد الناصر، مهندس البرمجيات المصري ضمن واحد من أكثر الفرق التي تعتمد عليها الشركة العالمية في تطوير منتجاتها.
اقرأ أيضا.. المستقبل للفضائيات الهجين
البطولة التي يُطلق عليها “معركة العقول” جاءت في نسخة عربية وإفريقية من المسابقة العلمية الدولية التي انطلقت منذ عام 1970. وهي البطولة التي شارك فيها سابقا وانطلق منها “مارك زوكربيرج” مؤسس موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
“مصر 360” التقى المبرمج العالمي خالد عبد الناصر، أثناء مشاركته في لجنة تحكيم المسابقة العربية والإفريقية، وتحدث عن تجربته في عالم البرمجة في عملاق التكنولوجيا (جوجل) وتصوره للنهوض بهذا القطاع في مصر والعالم العربي، وما يمكن أن تقدمه من حلول للمشكلات والأزمات المتراكمة.
ما طبيعة عملك في شركة جوجل؟
أعمل في المقر الرئيسي لجوجل العالمية، الفريق الذي أعمل معه ليس مختصا بالإنتاج وحسب، بل ينصب عمله على مساعدة المهندسين والمطورين في الشركة لابتكار برامج متطورة تساهم في عملية البحث والتعامل مع الخرائط، ولتقريب الفكرة، يعد هذا الفريق بمثابة الدعم الفني لباقي المهندسين. هذه سياسة جوجل. إيجاد فرق دعم من المبتكرين بشكل دائم.
ما المتوقع أن تقدمه جوجل مستقبلا؟
هناك أمور لا يمكنني الحديث عنها حفاظا على خصوصيات الشركة. جوجل في عملية بحث وعمل وتطوير مستمرة لتقديم منتجات جديدة، لا تطرحها إلى السوق محركات البحث حاليا، يتم تأجيلها للوقت المناسب الذي قد يصل إلى عشرين عاما، إما لأسباب تتصل بسياسة جوجل، وإما لعدم وجود الإمكانيات اللازمة في أجهزة الحاسوب أو قوة وسرعة الإنترنت المطلوبة للتعامل مع هذه المنتجات الجديدة.
على سبيل المثال، اخترعت جوجل لعبة متطورة لا تحتاج إلى جهاز “بلاي ستيشن” وتعرض مباشرة من محرك البحث وتعمل على “داتا سنتر” الخاص بجوجل، لكن بعد أن تم طرحها، لم تتجاوب مع سرعات الإنترنت البطيئة في كثير من دول العالم فتم إيقافها لحين وجود الوضع المناسب.
هناك تخوف من تطور للذكاء الاصطناعي.. هل يمكن أن يأتي اليوم الذي تتحكم فيه الآلات في البشر؟
أعتقد أن هذه أمور مبالغ فيها، في النهاية الذكاء الاصطناعي مرتبط بالمعلومات والإمكانيات التي يتم منحها للأجهزة، وهي تتصرف على أساس التغذية التقنية التي تحصل عليها، فمثلا في جوجل “جيميل” حاليا عندما تكتب رسالة تجد خاصية استكمال الجملة، ويتم ذلك بناء على المدخلات من المعلومات، وهي أمور محكومة، هناك قواعد للمدخلات فيما يخص الافتراضات والحلول الخلاقة للقضايا، والأمور غير الأخلاقية.
كيف كان مشوارك في هذا المجال؟
حصلت على الثانوية العامة بالكويت، والتحقت بالجامعة الألمانية بالقاهرة وشاركت في البطولة الدولية للبرمجيات ضمن فريق الجامعة في التصفيات العربية والإفريقية، ثم تخرجت في الجامعة عام 2017، وبسبب المشاركة في بطولة البرمجيات، وحصول فريقنا على مركز متقدم، تمكنت من الالتحاق والعمل بجوجل العالمية، وحاليا ضمن فريق من أهم المجموعات التي تهتم بها الشركة في تطوير عملها.
حدث ذلك رغم أن عمري لا يتجاوز 28 عاما، وهو تقريبا متوسط الأعمار في جوجل لأن الشركة تسعى لتوظيف حديثي التخرج حيث تصل نسبة تواجدهم حوالي 10% على الأقل من كوادرها، كما أن من سياستها أنها تمنح كل العاملين نسبا من الأرباح ليتحول الموظف فيها إلى شريك.
عن ماذا يبحث العرب في جوجل؟
البحث الخاص بجوجل، يعتمد بشكل عام على فكرة التوزيع الجغرافي، تحدد البرامج اهتمامات منطقة معينة أو دولة ما، ويتم آليا استنباط اهتمامات المتابعين من حيث عدد الباحثين عن قضية، وبناء عليه تظهر هذه القضايا في صدارة محركات البحث، فيتم تحديد تصورات عن المنطقة واهتماماتها لتغذيتها بكل ماهو جديد فيها.
أما بالنسبة لاهتمامات الجمهور العربي عموما، نجد أن السياسة وكرة القدم أكثر المواد التي تحظى بالمتابعة في المنطقة العربية.
كيف تتم فلترة المدخلات التي تحتوي على “تجاوزات”؟
جوجل في النهاية شركة عالمية، تحاول بقدر الإمكان ألا تتدخل في الأمور الخاصة بالمنع والحجب، لكن هناك أيضا مدونات سلوك فيما يخص العنف وأي ممارسات جنسية فيها تجاوزات خاصة تجاه الأطفال.
نعتمد في ذلك على الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بـ”فلترة” المحتوى على اليوتيوب، ومحركات البحث على جوجل نفسها، وتقوم برامج الذكاء بمنع هذه المواد أوتوماتيكا، ثم تخطر الشركة، لمراجعة ما حدث للتأكد من صحة الخطوات ومراجعتها.
وإذا كان هناك سوء تقدير من برامج الذكاء نقوم بإعادة النشر ورفع الحجب فورا.
وماذا عن الحجب “السياسي”.. نتحدث عن حجب مواقع إخبارية أو ما شابه؟
هذه ليست من اختصاص جوجل، وهي أمور تخص شركات الاتصالات والإنترنت، هي التي تقوم بعملية الحجب بناء على رغبة السلطات.
بالنسبة للمنطقة العربية.. ما أكثر المشكلات التي تقابلكم؟
أكثر الأمور التي نواجه فيها مشكلات في البرمجة في جوجل هي الخرائط، نواجه مشكلات في التعامل معها نتيجة التغيرات التي تحدث كثيرا، وأحيانا يعجز الذكاء الاصطناعي عن التعامل معها.
ما تقييمك لبيئة العمل في جوجل؟
بصراحة طريقة التعامل والجو العام يخلقان نوعا من الإبداع، هناك 180 ألف مهندس يعملون في فرق منقسمة كل منها في منطقة بعينها في تناغم لمصلحة العمل في النهاية.
ماذا عن المبرمجين المصريين هناك؟
هناك ترحيب كبير من الشركات العالمية بالمبرمجين المصريين، وبحسب معلومات فإن من بين كل اثنين من المبرمجين المصريين ممن تنطبق عليهم الشروط والقواعد، حين يتقدمان للعمل بإحدى الشركات العالمية للبرمجيات، يتم اختيار واحد منهم.
يرجع الأمر لقدرتهم على ابتكار حلول بقيمة ما يقدمه المبرمجون العالميون. كما أن المبرمج المصري الذي يلتحق بشركة برمجة يترقى سريعا ويتم تصعيده لمناطق قيادية، هناك مبرمجون مصريون لديهم درجة وظيفية متقدمة في شركات كبرى مثل أمازون وميكروسوفت وفيسبوك.
برأيك كيف يحدث هذا على الرغم من تراجع مستوى التعليم في مصر؟
يرجع الأمر إلى البرمجة نفسها، لا تحتاج لمستوى تعليم نمطي، بل هل في الأساس تعتمد على التعلم الشخصي، بمعنى أن كل الأمور الخاصة بالبرمجة متاحة عبر الإنترنت ويستطيع أي شخص لديه الطموح والرغبة أن يتعلم عبر برامج الإنترنت.
هناك سهولة في التعلم لأي شخص امتلك الأساسيات البسيطة، علم البرمجة متوافر. إذا سألت أي شخص من الذين حققوا نجاحات في هذا المجال: كيف تعلمت؟ يجيبك بأنه تعلم بنفسه.
كل ما عليك أن تفتح جهازك وتبدأ البحث والتعلم، وهو ما وفر فرصة للمصريين الذين يمكلون الرغبة والطموح والأدوات كذلك، فبرع عدد منهم في هذا المجال.
هل يفكر المبرمجون المصريون في العودة والاستثمار في مصر؟
بيئة العمل في مجال البرمجة في الشركات العالمية تغري المبرمجين في الاستمرار فيها، سواء على مستوى البيزنس أو “الكابتالزم”، لأن المبرمجين يحصلون على أسهم ورواتب مرتفعة.
الحصول على وظيفة في شركة كبرى أمر ليس سهلا، فشركة جوجل يتقدم للعمل فيها سنويا أكثر من مليوني مهندس لا تقبل منهم أكثر من ألفين فقط.
ولذلك يصبح الالتحاق بشركة عالمية حلم لأي مهندس إلكترونيات، ليس لمجرد الراتب الكبير فحسب، بل للخبرات المكتسبة، وحتى عندما نحصل على الخبرة الكافية ويكون لدينا طموح في أن نستقر ونؤسس شركة في مصر، نتراجع سريعا عن الفكرة لعدة عوامل أبرزها أن الشركة تحتاج مستثمر، التجهيزات والكوادر والتشغيل يحتاج إلى رأس مال كبير.. المستثمرون في مصر يركزون على سوق العقارات وليس البرمجيات.. وبصراحة، كثيرون ممن يفكرون في إنشاد شركة برمجة، يقومون بهذا في الخارج، لأنهم يعرفون أن البيئة الحالية طاردة للاستثمار، كثيرون نجحوا في ذلك بالخارج.
كيف نستفيد من توطين البرمجيات في مصر؟
البرمجة فكرتها بسيطة تحدد مشكلة ما وتسعى لوضع حلول لها، مثلا يمكن أن نبتكر طريقة ما للتعامل مع أزمة المواصلات العامة. في إنجلترا على سبيل المثال، ابتكروا برامج تتيح لأي شخص يحمل فيزا أو كارت بنكي من أي مكان في العالم أن يستخدمه في وسائل المواصلات العامة من المترو وغيرها. بمجرد أن يمرر الكارت الخاص به على جهاز التذاكر، يستطيع المرور دون أن يقف في طابور من أجل التذكرة، ويتم اقتطاع الثمن بسهولة بحساب المسافات التي قطعها. يفيد هذا الأمر في شبكات المواصلات المعقدة.
يمكن أن تستفيد مصر من هذه التجربة خاصة في ظل التوسع في شبكة المواصلات العامة.
ويمكن تطبيق الأمر في مجالات أخرى كثيرة في المعاملات الرسمية الحكومية مثل استخراج الأوراق الشخصية. الأمر لا يحتاج سوى ضغطة زر واحدة تنهي تعقيدات بيروقراطية، وتحل الكثير من مشكلات الفساد.
هل نحتاج إلى إمكانيات أم عقول لنتمكن من الاستثمار في هذا المجال؟
الأمر ليس مجرد إمكانيات وفقط، ولدينا العقول بالفعل. أعتقد أن التطوير مرتبط بالأساس باتخاذ القرار المناسب والسير في اتجاه تغيير الواقع والتحول الإلكتروني السريع. فيما يتعلق بالعقول فالأمر مرتبط بالبيئة المحيطة التي تسمح بحرية العمل والحركة.