تبدو أزمة مصر متشابكة بين السياسي والاقتصادي، تلك الأزمة التي تتعمق رغم ما يطرأ عليها من تغييرات متتالية، وبين الاقتصاد والسياسة يعاني المجتمع المصري آثار الأزمتين. “مصر 360” فتح بابا للحوار والنقاش مع عدد من الكتاب والمفكرين، تناول تفاصيل الأزمة ومناقشة جوانبها. في هذه الورقة نستعرض مجموعة من المقالات والكتابات التي ناقشت الأوضاع السياسية والاقتصادية، ويحلل الملف الأزمة بعمق ويعيد قراءتها ليقدم أبوابا للخروج من الأزمة.
الأزمة السياسية
في ملف السياسة يرسم الباحث هشام جعفر مظاهر حصار المجال العام وتقليص قاعدة المشاركة والتمثيل الاجتماعي والسياسي، ويدعو بجانب كتاب آخرين، إلى ضرورة إنهاء الإقصاء وعودة المشاركة السياسية التي جرى نزعها من المشهد العام بعد عام 2014.
ويحلل “جعفر” مظاهر ذلك الإقصاء في ثلاث مقالات، يعيد من خلالها إعادة طرح سؤال التغيير مرة أخرى وتطلع الفئات الشابة والنساء نحو العيش الكريم وتحقيق قيم العدالة، وهي الأسئلة والقضايا التي طرحتها ثورة يناير، وما زالت مستمرة. ولم يتم التعامل مع أبعادها الهيكلية.
التحرر من السلطوية
يشتبك الكاتب عبد العظيم حماد مع الأزمة السياسية، في مقاله تطبيع الحياة السياسية والتحرر من السلطوية، ويتناول الكاتب أزمة التهميش والبحث عن الحلول وتنفيذها، والتوقف عن تقييد حرية المبادرة الفردية والجماعية، وكيف يجد المصريون أبواب الخروج من الأزمة المستمرة لأكثر من ستين عاما التي يجب أن تنفتح على تطبيع الحياة السياسية، لكسر القفص الحديدي حول المجتمع.
وقدم “حماد” وصفة مباشرة تتمثل في إطلاق الحريات السياسية في إطار الدستور والقانون، وهو ما يراه يتطلب مرحلة انتقالية طويلة لبناء الثقة بين السلطوية والمجتمع.
إعادة الاعتبار للسياسة
الكاتب محمد حماد جادل بشأن جذور الأزمة، في مقاله إعادة الاعتبار للسياسة، إذ يقول إنه ليس من الإنصاف أن نتهم السلطة الحالية بأنها المسئولة عن موت السياسة في مصر، وليس من المقبول أن نعفيها من مسئوليتها عن استمرار الحالة وتفاقمها يومًا بعد يوم.
كما يرى حماد الدعوة إلى الحوار (بعد 9 سنوات) اعترافا مسبقا بأن هناك ضرورة لمعالجة الانسداد السياسي الحاصل في المجتمع منذ إسقاط تحالف 30 يونيو 2013، كما يرى أنها اعتراف مُشهر بأننا بتنا في حاجة ماسة وملحة لوضع خارطة طريق جديدة إلى المستقبل.
لا يختلف حسام مؤنس عما سبق من ضرورة عودة الحريات كباب لإعادة الفعالية للحياة الحزبية، ويرى أن نقطة البدء هي الإصلاح السياسي بمفهومه الأشمل والأوسع، الذي ينطلق من إيمان حقيقي بمجال عام مفتوح وإطلاق الحريات العامة والحق في التعبير عن الرأي واحترام الاختلافات مهما بلغت حدتها، وسيادة القانون لكن قبلها عدالته وموضوعيته.
جوانب أزمة السياسة.. العقد الجيلية
الدكتور عمرو الشوبكي طرح جوانب أخرى لأزمة السياسة في مصر ومنها تجاوز العُقد الجيلية التي شهدها المجتمع، بداية من استبعاد الشباب في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، كما طرح أسباب ذلك الاستبعاد ثقافيا واجتماعيا، ثم انتقل إلى ظاهرة استبعاد جيل لجيل آخر بعد ثورة يناير 2011.
كما دعا الشوبكي إلى تجاوز “العُقد الجيلية والأحكام والاتهامات المختلفة بين الأجيال لصالح بناء شراكة جيلية تضم الكفاءات القادرة على العطاء بصرف النظر عن سنها. ودون الحاجة إلى شعارات كبيرة عن الشباب لها صدى إعلامي أكثر منه في الواقع. فالمطلوب تكريس قيمة الكفاءة والمهنية والتجديد.
أزمة الحريات والإعلام
ويناقش محمد سعد عبد الحفيظ، أزمة الصحافة المصرية.. والقيود المفروضة عليها، في إطار منظومة الحريات، ويشير إلى مواضع الخلل وشروخ ملف حرية الرأي والتعبير واستقلال الصحافة التي لم يشرع أحد في جبرها أو ترميمها.
كما أشار إلى حرية الصحافة واستقلال وسائل الإعلام بوصفها ضرورة حتى يعلم المسئول أنه يمارس واجبه، تحت رقابة الشعب، حتى يطمئن المواطن أن هناك عينا تكشف له الحقائق وتلاحق الفساد والمقصرين.
تعديل تشريعي
من ناحية أخرى يطرح محمد صلاح قضية سجناء الرأي، مشيرا إلى ضرورة تعديل قوانين الإرهاب لتحقيق الانفتاح السياسي، وصون حقوق الإنسان، معتبرا أن القانون بات “ماكينة للحبس الاحتياطي” لا تتوقف.
التعليم طريق للتنمية
الإعلامي حسين عبد الغني تناول ضرورة إصلاح التعليم، ضمن عملية إصلاح اقتصادي واجتماعي شامل، وقال إنه لا يوجد أمام مصر بابا آخر للخروج من أزمتها الحادة الراهنة، إلا باب الاستثمار الكثيف في التعليم تقديما وتفضيلا على أي باب آخر.
إصلاح صحي شامل
وفي ملف الصحة يناقش الدكتور علاء غنام، خبير النظم الصحية، مشكلات القطاع، ويدعو إلى الإصلاح الصحي الشامل كمسار لتعافي المجتمع، ويشدد على إتاحة الخدمات الصحية جغرافيا وماليا، وجودتها وتوفرها ومقبوليتها.
باب الخروج من أزمة الاقتصاد: التشخيص والمكاشفة
وفي الأزمة الاقتصادية يتناول الكاتبان مدحت نافع ورائد سلامة جوانب الأزمة، وينطلق نافع من أن المكاشفة أولا هي تشخيص ضروري، خاصة أنه ليس ثمة وصفة سحرية للخروج من أزمات الاقتصاد، لكن التشخيص قبل الإسهام بأي اجتهاد للتغلب على المرض يجب أن يكون صحيحا ليأتي بعده تأتي الخطوات والقرارات المناسبة.
أولويات حل الأزمة القروض والتضخم
يستعير رائد سلامة توصيف جمال حمدان حول أن ظاهرة غلاء الأسعار لا تنفصل عن ظاهرة انخفاض الدخل، وهما لا ينفصلان بدورهما عن ظاهرة الزيادة السكانية، فإذا كان غلاء الأسعار هو تعبير عن الاختلال بين العرض والطلب، فإنه تعبير بصورة أخرى عن الاختلال بين حجم الإنتاج وحجم السكان.
التفاوض مع الدائنين
ويطرح فكرة التفاوض مع الدائنين الخارجيين لإسقاط الديون الأجنبية. ويقترح أن تتبنى مصر آلية إدارة مبادرة للاتحاد الإفريقي بإنشاء “نادي القاهرة لتسوية الديون الخارجية للقارة الإفريقية” على غرار نادي لندن ونادي باريس.
باب الخروج: نموذج اقتصادي يعتمد على الإنتاج
وفي نهاية الملف يتحدث الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية، عن جوانب أزمة مصر سياسيا واقتصاديا، ويطرح رؤيته لأبواب الخروج من الأزمة.
إذ يقول: “الخروج من أي أزمة يقتضي توصيفا صحيحا والاعتراف بالأخطاء”، وفى السياق وردا على اتهام ثورة يناير بتأزيم مصر، يضيف: “اتهام ثورة يناير بأنها السبب في الأزمة الاقتصادية الحالية مغالطة. إذ لم تكن يناير هي السبب فيما يحدث الآن. صحيح أن خسائر وقعت، وأهدافا لم تتحقق، وهذا منطقي؛ لأنه لا يمكن حدوث نمو اقتصادي بعد أي ثورة. بل إن العكس يحدث، ويتراجع النمو الاقتصادي. لكنها ليست السبب فيما وصلنا إليه”.
يضع أستاذ العلوم السياسية النقاط على الحروف بمصارحة شديدة: “من يقول إن هناك مخرجًا سريعًا للأزمة الحالية فهو يخدع المواطنين. لا بد من شد الأحزمة وترشيد الإنفاق في المشروعات التي لا تدر عوائد. خاصة أن المواطنين يعيشون في حالة اقتصادية صعبة نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار مختلف السلع”.
وفيما يخص الديون، يقول: “ليس أمامنا حل سوى السعي لإعادة جدولتها. ثم إعادة النظر في المشروعات القائمة وكيفية التصرف في مسألة الإنفاق عليها، والاهتمام بالصناعات، ودفع ودعم الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة”.
يقول السيد: “قامت ثورة يناير بسبب اعتماد “تساقط الثمار” كفلسفة اقتصادية. وهو ما يعني ترك الاقتصاد ينمو إلى أن يحدث اكتفاء، فتتساقط ثماره على باقي المجتمع. وهذه النظرية وفلسفتها هي التي سقطت وليست الثمار”.