اقترضت وزارة المالية في أول طروحات الأوراق المالية الحكومية في العام الجديد 2023، أمس الاثنين، نحو 56.5 مليار جنيه موزعة بين 35 مليار جنيه أذون وسندات خزانة محلية، و850 مليون دولار (21.5 مليار جنيه) في عطاء بالعملة الصعبة.
تتوزع الطروحات المحلية بين أذون استحقاق 91 يومًا بقيمة 13.5 مليار جنيه، وأذون استحقاق 273 يومًا بقيمة 21.5 مليار جنيه، بينما يحل موعد استحقاق الأذون الدولارية بعد 364 يومًا. وبلغ العائد عليها 4.64%
يبدو أن وزارة المالية ستكثف الاعتماد على العطاءات الدولارية في الفترة المقبلة لحل أزمة العملة الصعبة، فعطاء الاثنين يأتي بعد أقل من عام من طرح عطاء بقيمة 990 مليون دولار في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول المنتهي.
مع ارتفاع الدين العام وتزايد اعتماد وزارة المالية على طرح أذون وسندات الخزانة العامة للدول يدور تساؤل حول الجهات الأكثر استفادة من الدين العام المحلي على مستوى الفائدة. خاصة أن طرح أذون خزانة لمدة 90 يومًا يعني حصول المُقرِض على أمواله كاملة بعد 3 أشهر ومعها الفائدة وهو استثمار مربح.
اقرأ أيضًا: إدارة الدين العام والمسؤولية المالية للحكومة.. دعوة للتفكير
في آخر عطاءات الأوراق المالية الحكومية “25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي”، ارتفع العائد على أذون الخزانة استحقاق 91 يومًا إلى 18.08% في المتوسط بينما بلغ العائد على أذون 273 يومًا 18.82%.
بلغة الأرقام، فإن المستثمر الذي أقرض وزارة المالية في عطاء ديسمبر/ كانون الأول الماضي مليار جنيه على سبيل المثال سيحصل على أمواله في مارس المقبل، وعليها فائدة 180 مليون جنيه (قبل الضريبة)، وحال كان استحقاق المبلغ ذاته بعد نحو 9 أشهر “273 يومًا” سيحصل على المليار وعليه فائدة 188 مليون جنيه (قبل الضريبة).
من يتعامل في الدين العام؟
تتوزع شبكة المتعاملين بالدين العام المصري لمجموعة من الفئات أهمها “المتعاملون الرئيسيون”، وهي مؤسسات مقيدة لدى وزارة المالية طبقًا للمعايير التي تحددها وتلتزم بضمان الإصدارات الأولية للأوراق المالية الحكومية، وتنشيط التعامل في الأسواق الثانوية.
وسوق الإصدار، هي السوق التي يتم فيها إصدار الأوراق المالية الحكومية مباشرة بواسطة وزيارة المالية أو عبر وكيل تختاره ينوب عنها عبر وسائل يحددها وزير المالية، أو بمعنى آخر الإصدارات الجديدة التي تصدرها الوزارة من أذون وسندات الخزانة.
أما السوق الثانوية، فهي السوق التي تتم فيها جميع المعاملات التالية لبيع الأوراق المالية الحكومية وتتضمن تعاملات المتعاملون الرئيسيون مع شخص اعتباري آخر أو شخص طبيعي، أو بإمكانية إعادة التعامل في بيع السندات المملوكة بوقت أقل بدلا من الانتظار إلى تاريخ الاستحقاق، (إذا كان البنك لديه سندات خزانة مستخقة بعد 7 أعوام فيمكنه بيعها لمستثمر آخر والحصول على أمواله بشكل فوري على أن يحصل الشاري الجديد على الفائدة.
تنشط بالسوق أيضًا، مجموعة من الوسطاء الرئيسيين وهي شركات تعمل على تسهيل التعاملات بين المتعاملين الرئيسيين في الأوراق المالية الحكومية، كما توجد أيضًا “السوق المفتوحة” التي يتم فيها التعامل في تلك الأوراق خارج بورصة الأوراق المالية، فيما بين المتعاملين الرئيسين فيما بينهم.
يعود العمل بطريقة المتعاملين الرئيسين في مصر لعام 2002 التي أصدر وزير المالية الأسبق مدحت حسانين بها قرار يستهدف الالتزام بضمان تغطية أطروحات الدولة في السوق الأولية بعد أن كان الاستثمار مفتوحًا أمام الجميع لشراء أدوات الدين الحكومية دون وجود ضمان للتغطية.
لماذا المتعامل الرئيسي هو صاحب النفوذ؟
المتعامل الرئيسي يجب عليه الالتزام بضمان تغطية الإصدارات المالية الحكومية في سوق الإصدار وتنشيط التعامل في السوق الثانوي عن طريق الشراء أو البيع أو اتفاقيات إعادة الشراء، وبالتالي هي الفاعل الأول في أدوات الدين الحكومية لكن عليه في الوقت ذاته التقدم بعرض يساوي 150% من حصته في سوق الأوراق المالية الحكومية.
لذلك تقتصر فئة المتعاملين الرئيسيين على البنوك وشركات التعامل والوساطة في السندات والتي يشرط أن تحصل على موافقة من البنك المركزي وترخيص من الهية العامة لسوق المال للتعامل في السندات الحكومية.
من المستفيد الأول من الديون الحكومية؟
ينفرد 16 بنكًا بالتعامل داخل السوق الأولية Exclusive access to the auction ولا تستطيع المؤسسات والافراد والبنوك الأخرى التقدم بالعروض إلا من خلال المتعاملين الرئيسيين، الذين يجب عليهم الاحتفاظ أيضًا بحد أدني للنشاط الخاص بها في السوق الثانوية لا يقل عن 3%.
وفق آخر البيانات المتاحة، فإن قائمة المتعاملين الرئيسيين: البنك الاهلي المصري، بنك إتش إس بي سي . مصر، سيتي بنك (الذراع المصرفي لمجموعة سيتي جروب)، بنك مصر، بنك القاهرة، بنك الإسكندرية، البنك العربي الإفريقي، ميد بنك ش.م.م (مصر /إيران سابقا)، بنك كريدي أجريكول، البنك التجاري الدولي/مصر، البنك العربي المحدود، البنك المصري لتنمية الصادرات، بنك قناة السويس، بنك قطر الوطني الأهلي، البنك المصري الخليجي، بنك باركليز – مصر “.
لا يمكن تتبع جميع المتعاملين الرئيسيين في أدوات الدين الحكومية باستثناء المقيد منها بالبورصة المصرية، مثل البنك التجاري الدولي الذي بلغت استثماراته بأذون الخزانة والأوراق المالية الحكومية في 30 سبتمبر/ أيلول 2022 نحو 87.2 مليار جنيه مقابل 65.5 مليار في 30 سبتمبر/ أيلول الأول 2021، بينما يملك قطر الوطني استثمارات في أذون الخزانة المصرية بقيمة 37.5 مليار جنيه مقابل 40.04 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بجانب استثمارات في السندات بقيمة 12.1 مليار جنيه.
وبلغت استثمار بنك كريدي أجريكول في أذون الخزانة بنهاية 30 سبتمبر/ أيلول 9 مليارات جنيه مقابل 8 مليار جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بينما رفع البنك المركزي لتنمية الصادرات استثماراته بأذون الخزانة والأوراق المالية الحكومية خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي إلى 11.1 مليار جنيه مقابل 9.1 مليار في الفترة ذاتها من العام السابق.
وسجل بنك قناة السويس استثمارا ت في أذون الخزانة خلال يناير/ كانون الثاني ـ سبتمبر/ أيلول 2022 بنحو7.7 مليار جنيه، بينما بلغت استثمارات البنك المصري ــ الخليجي في أذون الخزانة والأوراق المالية الحكومية 5.2 مليار جنيه في الفترة ذاتها.
تعاملات كثيرة في أدوات الدين
يتم التعامل بين المتعاملين الرئيسيين فيما بينهم وبين أي شخص اعتباري آخر أو طبيعي في السوق المفتوحة وتم السماح بتداول الأوراق المالية الحكومية بين المتعاملين الرئيسيين بعضهم البعض أو بينهم وبين شركات التعامل والوساطة في السندات المرخص لها من الهيئة العامة لسوق المال أو أي من الأشخاص الاعتبارية أو البنوك من غير المتعاملين الرئيسيين، ويجوز للمتعاملين الرئيسيين إدخال أسعار الشراء والبيع في بورصتي الأوراق المالية، ما يجعل شبكة المتعاملين في الدين الحكومي كبيرة كما يمنح القانون الحق للمتعاملين الثانويين في السرية.
اقرأ أيضًا: “مبادلة ديون مصر”.. خبير: أفضل من بيع الأصول.. اقتصادي: وضعنا مأزوم لا يسمح
تستفيد مصلحة الضرائب من طروحات أدوات الدين أيضًا في ضوء ارتفاع حصيلة الضرائب على عوائد أذون وسندات الخزانة بنحو 8.9 مليار جنيه في الفترة من يوليو/ تموز ـ سبتمبر/ أيلول 2022/2023 لتبلغ 36.3 مليار جنيه.
نظرًا لارتفاع العائد على أذون الخزانة تحاول وزارة المالية تقليل إصدارتها منه مقابل زيادة إصدارات سندات الخزانة، فكانت إصدارات الأذون 1079 مليار في 2015/2016 و1748.9 مليار جنيه في 2016/2017 و2631 مليار في 2017/2018 و2494.8 مليار في 2018/2019 قبل أن تتراجع إلى 2389.6 مليار في 2019/2020، وفي الوقت ذاته، بدأت إصدارات سندات الخزانة في الارتفاع من 263.1 مليار في 2015/2016 إلى 460.2 مليار في 2018/2019 ثم قفزت إلى 1088.3 مليار في 2019/2020.
لكن الملاحظ أخيرًا تقليص وزارة المالية العطاءات المقبولة في أذون وسندات الخزانة مع ارتفاع أسعار الفائدة في العروض المقدمة إليها عن العائد الذي تستهدفه. خاصة بعد قرار لجنة السياسة النقدية الأخير برفع الفائدة بنسبة 3% والذي كبد وزارة المالية تكلفة إضافية بقيمة 96 مليار جنيه.
خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان جدول طروحات أدوات الدين الحكومية يتضمن طرح 247 مليار جنيه لكن وزارة المالية قبلت منها فقط 181.8 مليار جنيه، بسبب الارتفاع الكبير في العائد الذي لم تعلن عنه وزارة المالية في آخر طروحاتها أمس الاثنين كالمعتاد.