كان الجنرال مايكل كوريلا، الذي يشرف على جميع القوات العسكرية في الشرق الأوسط، مبتهجًا في قاعة مؤتمرات مقر القيادة المركزية الأمريكية/ CENTCOM، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كان الجنرال، إلى جانب المديرين التنفيذيين من Microsoft وGoogle وBlue Origin، قد تلقى للتو أفضل فكرة سمعها منذ وقت طويل، من قبل رقيب لا يزال في العشرينات من عمره.

كان الرقيب ميكي ريف من الحرس الوطني بماساتشوستس قد قام بترميز برنامجه، وهو جهاز محاكاة لتدريب الجنود على الرد على هجمات الطائرات بدون طيار، باستخدام جهاز كمبيوتر محمول قديم، فقط، أثناء فترة التوقف في قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية، خلال الشهرين الماضيين.

الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية/ CENTCOM

“لقد وصفت أنظمة الطائرات بدون طيار بأنها أخطر تهديد للجنود الأمريكيين منذ العبوات الناسفة” ، هذا ما قاله ريف لمضيفيه. وأوضح قائلاً: “سيسمح لنا هذا بإجراء تدريباتنا القتالية، لأن هذا ما لا يمكننا فعله الآن، أثناء انتشارنا في الميدان. وبدون ذلك، لن نكون قادرين على إشراك هذه الطائرات بدون طيار بشكل فعال. عندما يكون هناك دقائق فقط لإنقاذ حياة الأمريكيين”.

كان قائد القيادة المركزية ذو الأربع نجوم مسرورا. وزاد من بهجته أن ريف قدّر أن فريقًا لا يزيد عن خمسة مطورين، يمكنه تجهيز جهاز المحاكاة للتوزيع على مستوى الجيش في غضون ستة أشهر.

اقرأ أيضا: قائد القيادة المركزية الأمريكية: نعمل على تعزيز التكنولوجيا والابتكار.. ومصر لعبت دورًا حاسمًا في محاربة الإرهاب

أشار تقرير حديث للمونيتور/ Al Monitor، إلى أن الجنرال -وضيوفه من وادي السيليكون- قد اختار فكرة الرقيب البالغ من العمر 24 عامًا، بين حوالي 160 طلبًا آخر، باعتبارها أول “واحة الابتكار” في القيادة المركزية الأمريكية، وهي مسابقة نصف سنوية للأفكار على مستوى القيادة.

الأنظمة غير المأهولة

قبل أقل من شهر، تحدث الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، لعدد من وسائل الإعلام بالشرق الأوسط، من بينها “مصر 360”. خلال حديثه، تناول ما وصفه بـ “الجهود المبتكرة لتعظيم العمليات عبر القيادة المركزية. من خلال توظيف التقنيات والمفاهيم الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والأنظمة غير المأهولة”.

أشار كوريلا إلى أن الابتكار هو  من العناصر الحاسمة في النهج الاستراتيجي للقيادة المركزية، لافتا إلى إنشاء شبكة مترابطة من المستشعرات التي تنقل البيانات في الوقت الفعلي. ويتم عرضها معًا من خلال تكامل البيانات، ومنصات الذكاء الاصطناعي التي تساعد في بناء صورة أوضح لبيئة التشغيل.

وقال: نستخدم أنظمة غير مأهولة مقترنة بالذكاء الاصطناعي لتزويدنا بمعلومات أفضل بشكل أسرع.

وأكد أن هذا “يسمح لنا بتوظيف أنظمتنا المأهولة بشكل أكثر كفاءة واستراتيجية. كل هذا يساعدنا على تحقيق هيمنة القرار. نحن قادرون على تنمية المعلومات واستخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات بشكل أسرع من خصومنا واستخدام أنظمتنا المأهولة بشكل أكثر كفاءة”.

وتضم القيادة الأمريكية في المنطقة عدة فرق للابتكار، منها “فرقة العمل 59”. وهي فرقة الابتكار البحرية الخاصة، وأساسها السفن غير المأهولة، سواء على سطح الماء أو تحت الماء التي تحمل أجهزة استشعار تقوم بجمع كميات هائلة من البيانات يتم دفعها من خلال تكامل البيانات ومنصات الذكاء الاصطناعي، لبناء صورة أوضح لبيئة التشغيل.

أما “فرقة العمل 99” ومقرها قطر، وتعمل في المجال الجوي. تعمل على تكرار الجهود البحرية التي تبذلها فرقة العمل 59، باستخدام طائرات بدون طيار مزودة بحمولات مخصصة وقدرات أخرى، تعمل معًا لمراقبة واكتشاف وجمع البيانات التي تغذي مركز العمليات.

وبالنسبة لـ “فرقة العمل 39″، فريق عمل الابتكار القائم على الأرض. فهي ستختبر المفهوم والتكنولوجيا، لتشمل أسطولًا من المركبات البرية غير المأهولة المقترنة بمركبات أرضية مأهولة.

وأشار إلى أن فرقة العمل 39 تبحث في تقنية جديدة لهزيمة الطائرات بدون طيار الإيرانية “نريد أن نكون بمثابة مركز تجريبي لأنظمة وأفكار وتقنيات جديدة لتدمير الطائرات بدون طيار “.

عصر جديد من التعاون

يشير تقرير المونيتور إلى أن العمل لتطوير جهاز المحاكاة لا يزال في الموعد المحدد، ليتم الانتهاء منه في غضون 90 يومًا، وذلك بفضل الدعم المقدم من مصنع البرمجيات التابع لقيادة الجيش، حسبما قال شويلر مور، كبير مسئولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية، للصحفيين في البنتاجون في 7 ديسمبر/ كانون الأول.

ولفت إلى أن المسئولين العسكريين يأملون في إعداد البرنامج التدريبي للتدريبات متعددة الجنسيات القادمة لـ “الرمال الحمراء/ Red Sands”، وهو اتحاد جديد بقيادة القيادة المركزية الأمريكية، لاختبار تكنولوجيا مكافحة الطائرات بدون طيار في مواقع مختلفة في الشرق الأوسط.

وأكد أن البنتاجون “يستعد لعصر جديد من التعاون العسكري في الشرق الأوسط”.

ينقل التقرير عن الجنرال كوريلا قوله: هذا يتعلق بتغيير الثقافة. إذا كان لديك عريف يعرف كيفية حل مشكلة ما، فنحن نريد أن نتأكد من أنه يمكننا الاستفادة من ذلك.

لكن، يلفت التقرير إلى أن “المنطقة التي تعمل فيها قوات كوريلا لم تعد الأولوية الاستراتيجية القصوى لواضعي السياسات في واشنطن”.

يقول: سحب البنتاجون الآلاف من قواته من أفغانستان والعراق والخليج العربي على مدى السنوات الثلاث الماضية. حتى مع استمرار الهجمات الإيرانية السرية على جيرانها. يقول محللون ومسئولون سابقون إن ذلك، إلى جانب القيود الجديدة على مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول التحالف الذي تقوده السعودية، ساعد في دفع الثقة بين بعض شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى مستويات متدنية جديدة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ذهب سلف كوريلا، الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي، إلى حد الاعتراف بأن الاعتماد على عروض القوة التقليدية “فشل” في وقف الهجمات التي تشنها إيران ووكلائها.

المنطقة التي تعمل فيها قوات كوريلا لم تعد الأولوية الاستراتيجية القصوى لواضعي السياسات في واشنطن

اقرأ أيضا: المسح الاستراتيجي 2022: الغزو الروسي والانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. دروس في غطرسة القوة

محاولة الاندماج

إدراكًا منه للتحركات الإيرانية المعتمدة على وكلاء محليين، والتي دفعت طهران أكثر نحو الحلول غير المتكافئة، والاندماج بقوة أكبر مع الوكلاء، وفق جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وضع كوريلا وطاقمه على مدار العام الماضي مسارًا جديدًا للمضي قدمًا.

هذا المسار يسعى جاهدًا إلى دمج الدفاعات الجوية في المنطقة مع التكنولوجيا الإسرائيلية، لتحييد تهديدات الطائرات بدون طيار، والصواريخ لطهران، مع الاستفادة من سلطات الكونجرس الجديدة لجلب أجهزة استشعار بدون طيار أمريكية الصنع -ومتوفرة تجارياً- مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لمراقبة الممرات المائية، والسماء، وطرق التهريب الصحراوية في المنطقة.

تنقل المونيتور عن مسئولي القيادة المركزية الأمريكية أملهم، أن يقنع هذا النهج القادة الإقليميين بأن واشنطن لا تزال قادرة على تقديم حلول دفاعية أفضل من الصين وروسيا. من خلال الاستفادة من بيروقراطية الابتكار في البنتاجون، من أجل تطوير تكتيكات جديدة كفريق بدون طيار في هذا المجال.

وأوردت قول الجنرال جون كوجبيل، نائب مدير العمليات في القيادة “ما زلنا منظمين كمقر حربي، لكن التجربة هي ميزتنا النسبية، وهذا ما نقدمه”.

تحقيقًا لهذه الغاية، يتشاور موظفو القيادة المركزية الأمريكية مع جهات بحثية وعلمية لاستكشاف المواهب الجديدة، وتحديد الأجهزة التي يمكن اختبارها ميدانيًا في المنطقة، بواسطة إحدى الوحدات التجريبية الثلاث الجديدة التابعة للقيادة المركزية الأمريكية.

محاولات الردع

على الرغم من الاشتباكات مع السفن البحرية الإيرانية في أغسطس/ آب، وسبتمبر/ أيلول من العام الماضي، يصر مسئولو البحرية الأمريكية على أن أساليب المراقبة التي تقودها فرقة العمل 59 بدأت بالفعل في التأثير.

يقول التقرير: صمدت القوة البحرية TF 59 في سبتمبر/ أيلول 2021، بعد أن أوصى نائب قائد الأسطول الخامس، الأدميرال براد كوبر ماكنزي، بأن يتجه الأسطول للمساعدة في سد الثغرات في دوريات التحالف في المياه التي يمر بها المهربون، وبعضهم مدعوم من إيران.

في غضون شهر، بدأت الوحدة الجديدة في نشر طائرات بدون طيار، وغير مسلحة، ومحملة بكاميرات بحرية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الخليج العربي.

منذ ذلك الحين، أجرت فرقة العمل 59 تدريبات مع البحرين، والأردن، والكويت، وقطر، والسعودية، وإسرائيل. ونشرت حوالي عشرين طائرة بدون طيار من بينها Saildrones وMARTAC Mantas T12s وT38 Devil Rays. بهدف أن تساهم البحرية الإقليمية بـ 80 طائرة مجهزة من هذا القبيل بنهاية عام 2023.

بالفعل، البحرين والكويت أشارتا إلى نيتهما الحصول على طائرات أمريكية بدون طيار، كما اختبرت الفرقة 59 بالفعل شبكة الطائرات بدون طيار مع إسرائيل والأردن والسعودية.

يقول كوجبيل: إذا كنت تعتمد بشكل أكبر على الشركاء، فيجب أن تكون قابلاً للتشغيل المتبادل في ساحة المعركة الحديثة. هذا يعني أنه يجب أن تكون قادرًا على تمرير البيانات، لأن هذا ما نحاول الوصول إليه، هي حرب تتمحور حول البيانات.

وأضاف: كيف تتوصل إلى حلول عندما لا يكون هناك تحالف استخباراتي للعيون الخمس الإقليمية ” البحرين، والأردن، والكويت، وقطر، والسعودية”. وبعض هذه البلدان لا تثق في بعضها البعض بالضرورة؟ إنها مشكلة تطارد مخططي القيادة المركزية الأمريكية لأكثر من عقد من الزمان. في نهاية اليوم، الطريقة الوحيدة هي التدريبات.

وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يتحدث للصحفيين عن فرقة العمل 59 في البحرين- 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022

اقرأ أيضا: فورين بوليسي: 10 بؤر للصراعات في انتظار 2023

دون تكلفة

في حين يقول المسئولون إن نهج الردع عن طريق المراقبة ليس الدواء الشافي لتعطيل أنشطة إيران السرية، فقد حصل على موافقة متزايدة من الاستراتيجيين في واشنطن.

خلال العام الماضي، قاد مجلس الأمن القومي، التابع للبيت الأبيض، حملة لرفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية حول خطط الحرب الروسية في أوكرانيا، في محاولة رائدة لإحباط تحركات الكرملين. ومنذ ذلك الحين، طبق صناع السياسة هذا الخيار على نقل إيران لمئات الطائرات المسلحة بدون طيار إلى روسيا لاستخدامها في الحرب.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرجع المسئول الثالث في البنتاجون، كولين كال، الفضل للتكنولوجيا المستحدثة في تسريب معلومات استخباراتية تفصّل الخطط الإيرانية لمهاجمة السعودية، إلى تجنب هذا الحادث.

وقال إن “فرقة العمل 59 تدور حول تطوير طرق منخفضة التكلفة نسبيًا ومستدامة من الناحية التشغيلية لتحويل الممرات المائية الحساسة حول الخليج إلى بانوراما، مما يحرم طهران من القدرة على تهديد الشحن التجاري أو تهريب الأسلحة مع الإفلات من العقاب”.

أي أن واشنطن يمكنها وضع منصات بدون طيار وربطها بالذكاء الاصطناعي للتعرف على ما يحدث في المنطقة دون تكلفة ضخمة أو احتمالات خسائر بشرية. وهو هدف فرقة العمل TF 99، والتي أُنشئت في أكتوبر/ تشرين الأول، في قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تعمل على اختبار طائرات بدون طيار صغيرة -ومتاحة تجاريًا- على ارتفاعات عالية، مرتبطة بنفس الشبكة المتداخلة التي تستخدمها أنظمة Starlink من أجل تعريض عدد أقل من الأصول الأمريكية في المنطقة للخطر.