في تحرك غير متوقع، أصدر بنكا الأهلي ومصر طرح شهادة ادخارية مدتها عام واحد بفائدة 25% تصرف بنهاية المدة، أو فائدة 22.5% تصرف شهريًا، مع توفيرها منذ بداية عمل اليوم في كل فروع البنكين وجميع القنوات الإلكترونية الخاصة لهما.

كانت التحليلات الاقتصادية تميل إلى إصدار البنكين شهادات بفائدة أعلى من 20% بعد قرار البنك المركزي المصري الأخير برفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس أو (3%)، لتصل إلى مستوى 15.25% و16.25% للإيداع والإقراض على التوالي، مع زيادة سعر الائتمان والخصم بنفس النسبة ليصل إلى 15.75%. وذلك للحفاظ على أموال العملاء من التضخم الذي وصل إلى 21.5% بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، وسط توقعات بمواصلة الارتفاع مرة أخرى.

وكان العملاء يحصلون على عوائد بالسالب، رغم إصدار شهادات مرتفعة بقيمة 17.25%، بسبب انخفاض الفائدة عن مستوى التضخم.

بحسب محللين، فإن الشهادات الجديدة تستهدف بشكل أساسي حملة الدولار بمنحهم أعلى عائد متوقع. خاصة بعدما حاصرت الدولة السوق السوداء بسلسلة قرارات أخيرة، منها تعليمات للبنوك بإبلاغ البنك المركزي حال عدم ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب. وذلك خلال مدة أقصاها 7 أيام عمل من تاريخ الشحن، مقابل مهلة 170 يومًا لتوريد حصيلة العمليات التصديرية للذهب للبنك المُرتِب لعملية التصدير.

إغراء لحمّلة الدولار

الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي
الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي

يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن تلك الخطوة جيدة جدا. إذ تستهدف إغراء حملة الدولار بالعائد المرتفع من أجل تغيير ما بحوزتهم إلى شهادات بنكية. علاوة على أنها تستهدف حماية الأوعية الاستثمارية لصغار المودعين والقطاع العائلي من معدلات التضخم المرتفعة.

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغ التضخم السنوي في المدن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 18.7% مقابل 16.2% في أكتوبر. ومن المزمع أن تصدر أرقام الجهاز لشهر ديسمبر/ كانون الأول في 10 يناير/ كانون الثاني الحالي.

ووفق جاب الله، فإن العائد المرتفع للشهادتين من المفترض أن يزيد من نسب المبالغ المخصصة للإدخار. الأمر الذي ينعكس على حجم الطلب على السلع والخدمات، ويرفع معه التضخم. كما ينعكس من ناحية أخرى على حجم الطلب على السلع المستورة في الخارج. ما يقلل من حجم الواردات ويخفف الضغط على العملة المحلية.

وقد أعلنت الحكومة الإفراج عن سلع وبضائع بقيمة 6 مليارات دولار خلال شهر واحد فقط. بينما سددت مدفوعات مرتبطة بالمديونية الخارجية خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بلغت نحو مليار دولار، وقبلها 1.5 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني، بإجمالي 2.5 مليار دولار خلال شهرين.

البورصة

انعكس طرح الشهادتين بصورة سريعة على البورصة المصرية. فهبطت في الجلسة الافتتاحية بنسبة 1%، وخسر رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة بالبورصة المصرية نحو 27.3 مليار جنيه خلال الساعة الأولى من بداية تعاملات اليوم الأربعاء. قبل أن تعود لتحقيق مكاسب، مسجلة رأس مال سوقي لأسهم الشركات المقيدة، مستوى تريليون و13 مليار جنيه، بمكاسب قدرها 22 مليار جنيه.

اقرأ أيضًا: البنك الدولي: خفض الجنيه لم يفد الصادرات.. والتضخم ليس المشكلة الوحيدة

من ناحية أخرى، واصل الدولار الارتفاع في تعاملات البنوك الرسمية، وكسر مستوى 26 جنيهًا. ذلك بعد ثلاث جلسات من الاستقرار. في خطوة، قال محللون إنها تستهدف الالتزام بوصايا صندوق النقد الدولي، بترك العملة “حرة”، تسير وفق العرض والطلب، وتزايد الأخير “الطلب” مع حلحلة مشكلة الاستيراد من الخارج.

ولم يظهر تأثير قرار الشهادات وتخفيض الجنيه رسميًا بعد على السوق السوداء للدولار. ذلك في ظل حالة الارتباك التي تشهدها أخيرًا، وارتفاع هامش بيع الدولار داخلها، حسب الكمية المطلوبة وطريقة التعامل.

الاستثمار والبنوك والخزانة

يرى المحلل المالي، أحمد العطيفي، إن القرار يحمل تأثيرًا سلبيًا على الاستثمار. فلا يمكن لمشروع أن يدر أرباحًا، بعد ضرائب تصل إلى 25%. علاوة على أن البنوك ستتكبد تكلفة كبيرة في عائد الشهادات. على اعتبار أن المبالغ المُقرضة للعملاء ستكون فائدتها أقل من عائد الشهادات.

المحلل المالي أحمد العطيفي
المحلل المالي أحمد العطيفي

يقول إن البورصة تتأثر سلبيًا لوقت قصير، لكنها ستعاود مسيرة الصعود. بينما ستتحمل الموازنة عبئًا. ذلك لأن العائد من أذون وسندات الخزانة سيرتفع.

ولن تؤثر الشهادتان على التضخم -وفق هذه الرؤية- خاصة وأن ارتفاع الأسعار ليس سببه المعروض من السيولة، وإنما ارتفاع التكاليف المتمثلة في ارتفاع سعر الدولار وتكاليف الطاقة.

حائزو الذهب

ويتوقع مصدر بالبنك الأهلي إقبالًا كبيرًا من المودعين على شراء الشهادات الجديدة أو فك الشهادات القائمة، من أجل تغييرها بأخرى سريعة العائد. ذلك علاوة على إمكانية حدوث تسييل بالأصول، خاصة الذهب من أجل الاستثمار بالشهادات.

لدى بنكا الأهلي ومصر تجربة شبيهة في شهادات الـ 18%، حينما جمعا حصيلة تبلغ حوالي 750 مليار جنيه في الفترة من 21 مارس/ آذار وحتى نهاية الطرح في 30 مايو/ أيار الماضي، ورفع الفائدة على الشهادة أجل 3 سنوات إلى 14% بدلًا من 11% وذلك للعملاء الجدد وعند التجديد.

تضاعف حجم الودائع المجمّعة للبنوك المصرية حدث مرتيّن ونصف خلال خمس سنوات. إذ وصل إلى 7.632 تريليون جنيه بنهاية أغسطس/ آب الماضي. وهو ما يساوي تقريبًا حجم الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بحسب اتحاد المصارف العربية.

لكن المسئول بالبنك الأهلي يقول إن القطاع المصرفي نجح في تعزيز نسبة توظيف الودائع في القروض التي ارتفعت خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 18.3% لتصل من 30.4% بنهاية سبتمبر/ أيلول 2017 إلى 48.7% بنهاية الشهر ذاته من عام 2021.

دروس من الماضي

يقول محللون إن نسبة كبيرة من مشتري شهادات الـ18% كانوا من داخل القطاع المصرفي نفسه وليس خارجه. وهم يدللون على ذلك بأن الزحام في البنوك وقت إصدارها كان على خدمة العملاء في الغالب. ما يعني أن حسابات يتم تغييرها إلى الشهادات وليس إيداع أموال جديدة.

مدحت نافع الخبير الاقتصادي
مدحت نافع الخبير الاقتصادي

لذا، يطالب مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، المودعين بأن يفكروا جيدا قبل فك الشهادات المربوطة لمدد 3 أو 5 سنوات أو بيع أسهم من أجل الشهادة الجديدة، التي يعتبرها جيدة لمن لديه نقود سائلة فائضة عن حاجته في الحساب البنكي أو مدخرة خارج القطاع المصرفي “تحت البلاطة”.

وبحسب نافع، هذه الشهادة تأخر إصدارها قليلًا، لكنها مطلوبة في الأجل القصير لحين مرور أزمة التضخم الجامح واستقرار سعر صرف الدولار.

ويوضح أن ما تشهده السوق حاليًا من تحرك لسعر صرف الدولار ليس تعويمًا حرًا. وإنما ربط مرن ضمن نطاق سعري تحدده السلطة النقدية. بينما المطلوب الآن أن يشهد الاقتصاد العيني طفرة حقيقية تجعل التحريك القادم في مصلحة الجنيه.