يمر الوقت سريعًا أو بطيئًا لا يكترث الغالبية، وربما البعض أيضًا لا ينتبه أنه مع كل وقت يمر هناك من يُصيبه الوجع، غارق في مرارة الوحدة والفقد، يحتاج من يسمعه، أذن بمثابة فوهة لبئر سوف يُسد عقب إلقاء الهموم به، فيعبئنا بحكاياته ووجعه ويرحل، تاركًا لنا الكثير من الحزن والطاقة السلبية، يترك لنا البعض أحزانهم لتلون ذاكرتنا بينما هم يتخففون من كل ضغط ليمضي كل في طريقه، وماذا عن المستمع؟؟ أحيانًا كثيرة لا يهتم أحد.
تكرار ما يزعجنا
تتنوع الشكوى، الجميع يشكو ويحزن، نبدو جميعًا وكأننا نسير نفس طريق الألم، العناوين الكبيرة واضحة ومتكررة، وحدة وفقد، خيانة وانكسار، صمت يبتلع الدموع، ودموع تجري فتخنق صاحبها، نحتاج لمن نعلق خيباتنا به، شاخص نصوب عليه الأخطاء، ونلصق به أسباب الوجع.
في الغالب يكون الآخر هو سبب كل حزن حين نفقده، نرى فيه السبب، يجلس أحدهم ليشكو، يصوب كل خزى نحو الغائب، وننسى أن الأيام دوارة، وأننا بشكل أو بأخر يمكن أن نوجع غيرنا، فنكون نحن الشرير في رواية البعض.
نكرر ببساطة كل ما فعله بنا الآخر، وحين نهرب حتى يساعدنا أحدهم، فإن كثير بعد التعافي يتركون اليد التي ساعدت ودعمت، ثم ننكر أن يفعل أحدهم نفس الشيء الذي فعلناه في يوم ما.
التفاصيل المعتادة خيبة محتملة
صوت وصول الرسائل الصباحية أشبه بسيمفونية عذبة، لحن يُصاحبه دقات القلب، صباح الخير، الجملة الأكثر عادية وتداولًا لكنها حين تأتي من شخص بعينه تكون موسيقى الكون، وحين تعتاد النغم اعرف أن النغمة النشاز قادمة لا محالة، وسمة الكون التغيير، فالملل سيأتي، فلو أنت امرأة فالرجال لا يطيقون الملل، ولو كنت رجلًا فسوف تهرب من التكرار، الاعتياد يقتلنا ببطء، يصنع أسى يزيد بالوقت، حتى تجد نفسك أسير في منطقة الظل من كل اهتمام.
الوقت يمر طويلًا البعض نقتله بالاستماع، نُفكر في بيت بلا نوافذ، شيء يُشبهنا في لحظة وربما يُشبه قبر، حتى القبور فى زمننا باتت كئيبة، مصمتة، رغم أن الموت راحة عظيمة، هو لن يخذلنا، لكننا لا نختار. الموت استعلائي، يختار من يرافقهم، لا يأت حين نحتاجه لكن حين يحتاجنا هو.
في كل يوم تنسحب جزء من روحنا، تتبدد في الاحتياجات التي لا تُشبع، والضغوط التي تلتصق بنا دون وعي منا، نُصبح مثقلين بالوجع والهم، نفيق على ثقل لا يُحتمل، ضيق في النفس، وقلب ضعيف، نفيق أننا لسنا بخير، دون أن ننتبه أننا على مدار الوقت نؤسس للخيبة والوجع، وربما لا نجد من نقول له أننا لسنا بخير.
طرفا العلاقة
ليس هناك حب من طرف واحد هذه أكذوبة ضللونا بها، العلاقات تحتاج طرفين، حين نُحب شخصًا لا يبادلنا الحب، فإن هذا ليس حبًا إنه أمر أشبه بالاستمناء، فلماذا لا نطلق على ذلك علاقة جنسية؟
كل العلاقات تحتاج طرفين، حين تريد اختبار صوتك، لابد من وجود أذن تسمع، وحين تريد أن تسمع لابد من شخص يتكلم، إننا نكرر ذات الخطأ نُقيم علاقات من طرف واحد، نأخذ ولا نفكر في العطاء، نعطي ولا نمنح الآخرين حق أن يكونوا أيضا عطاءَّين، نسمع ولا نريد أن نتكلم، نتكلم ولا نعطي فرصة للآخر أن يبوح، إنها العلاقات المبتورة التي نقيمها، فنشكو حين نكون الطرف المحتاج، وننسى هؤلاء الذين وقعوا في ذات الوجع.
الأخطاء الصغيرة تتراكم لتشوش على الصورة الحلوة التي طالما رسمناها، فتضبب الرؤية وتحجب النور، الظلام الذي يهبط فجأة ليس مباغتًا، ولكنه كان يتم إعداده في الفترات السابقة.
الشخص المناسب
مثل شخصية في فيلم صامت، لا صوت فقط مجرد موسيقي تصويرية تخفف من رتابة الملل، لماذا حين يُحدثك أحدهم، وبعد أن ينتهي يكتشف فجأة جدوله المزدحم، فيتركك وحيد مع حكاياته، وربما خفف من حرجه فاستمع لبعض كلماتك وسطحها وجعل آلامك مجرد نزوة نحو الوجع؟
حين تصرح لنفسك “لستُ بخير” فإن ثمة خلل حدث، أنت بحاجة لأن تبوح لأحدهم لا ينتمي لعالم يتعامل معك بمثالية حين يُقيم ما تفعل، شخص يُمكنه استيعاب الضعف، وفتح آفاق للفضفضة، تحتاج لشخص لن يختزن أسرارك وأخطائك لتكون سند هجومه عليك في لحظة تالية
هناك فيلمًا صينيًا يحمل اسم “شخص للتحدث إليه” في الفيلم هجرت الزوجة بيتها وابنتها فقط من أجل شخص تتجاذب معه أطراف الحديث، انسان يؤكد على وجودها، وأهمية أفكارها التي سوف تخرج بالضرورة حين تجد من يستمع إليها، كما كان فيلمًا مؤلمًا، لكن الواقع أكثر ايلامًا، فنحن حين ينتهي العرض، ومع بعض دموع تركت أثرها فى العيون، سوف نتبادل الابتسامات ونتذكر أن هذا مجرد خيال، الواقع مختلف، لن يلتفت أحدهم لامرأة تماست مع الفيلم فى وحدتها وألمها، ولا رجل أنكر زملاؤه خجله، ووسموه بصفات الاناث لصمته.
حتى وأنت لست بخير عليك أن تختار من تقول له ذلك، ليمكنك أن تنهض وتتجاوز، بينما القاء روحك على نواصي البشر، فهو فعل جدير بتكرار ما مررت به، ألا تكون بخير أمر موجع لا شك، لكن الوحدة في هذه اللحظة أفضل كثيرًا من الشروخ والانكسارات التي ستعقب اختيار شخصًا غير مناسب لحفظ أسرارك.
والأفضل أن تتعلم أن تصفي روحك كل فترة، تُلقي بهمومك في بئر أنت صاحبه، تُدرب روحك على النور، وقلبك على الفرح، حين تشعر أنك لست بخير اهرب للخضرة، امشي طويلًا وتحدث إلى نفسك.