قبل أيام من الذكرى الـ12 لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، لا يمكن أن يخلو الحديث عن الثورة دون الحديث عن من صنعها من الشباب. وإذا اعتبر العديد من المراقبين أن الحراك الثوري بدأ في مصر منذ مطلع الألفية، لا يمكن أن تنسى تضحيات الشباب المصري، الذي أشعل فتيل الثورة وضحى في سبيلها حتى بروحه.

لكن بعد 12 عاما كاملة من الحراك الثوري الذي اندلع في عام 2011، يكون التساؤل المهم، أين ذهب كل هؤلاء الشباب الذين كونوا حركات وأحزاب وائتلافات؟ ما الذي حدث لهم وهل كان يجب أن يستمر الحراك الشبابي في الشارع؟ ما مشكلاته؟ وكيف توقفت هذه الحركة الثورية النشطة؟

القصة بدأت في صباح يوم 7 يوليو 2012، عندما أعلن أعضاء ائتلاف شباب الثورة حل التنظيم، بعد مفاوضات داخل الائتلاف وخارجه، معلنين بداية الانضمام لحركات وأحزاب وتنظيمات بدأت تتشكل ملامحها وأفكارها بعد ثورة يناير 2011. الائتلاف تكوّن في الأساس من شباب حركات ثورية وأحزاب سياسية مختلفة التوجهات والسياسات، لكن في الحقيقة لم يمثل هؤلاء الشباب إلا شخوصهم فقط.

اقرأ أيضا.. محمي: الجمهورية الجديدة انتهت ولكن

بالتوازي مع الدور الذي لعبه ائتلاف شباب الثورة، كممثل قوي وفاعل في قلب ميدان التحرير، كان هناك عدد كبير من الائتلافات والحركات الشبابية التي انتظمت في تجمعات فكرية سياسية محددة التوجهات، ولعبت أدوارا مختلفة، منها على سبيل المثال، جبهة اتحاد الطلاب الديمقراطي، وتكتل الجمهورية لدعم الثورة، واتحاد المناطق الشعبية، ومجلس أمناء الثورة، وجبهة الثوار الأحرار، وائتلاف الشباب الأحرار، وتحالف ثوار مصر، وائتلاف ثورة مصر الحرة، وائتلاف الوعي المصري، والجبهة الحرة للتغيير السلمي، بالإضافة إلى اتحاد شباب ماسبيرو واتحاد شباب الثورة.

ثراء التواجد الشبابي

التنوع الشديد في الحركات الشبابية الناشئة، والذي جاء من رحم ثورة يناير وما قبلها من تحركات سياسية ومظاهرات رافضة للتمديد أو التوريث، دفع السلطة للتعامل معها على أنها أطراف فاعلة، كما دفعها الأمر للبحث عن تحالفات أو صفقات، أو التحدث مع هؤلاء الشباب على أنهم أحد مكونات المشهد السياسي. في الوقت نفسه كان يمكن في الشهور الأولى بعد الثورة أن تنشر الجرائد ووسائل الإعلام عناوين مثل: “23 ائتلافا ثوريا يرفضون الحوار مع السلطة”، أو “أكثر من 50 حركة شبابية تضع شروطا للحوار” في وقت كان فيه الانتشار والتوسع في إنشاء وتأسيس الأحزاب أمرا سهلا يسيرا.

لكن السؤال الآن، أين ذهب كل هؤلاء الشباب الذين كونوا حركات وأحزاب وائتلافات؟ ما الذي حدث لهم وهل كان يجب أن يستمر الحراك الشبابي في الشارع؟ ما مشكلاته؟ وكيف توقفت هذه الحركة الثورية النشطة؟.

هل غابت فكرة التنظيم؟

إسراء عبدالفتاح
إسراء عبدالفتاح

تروي إسراء عبد الفتاح الناشطة والمدونة السياسية، قصة تكوين مجموعات شبابية ثورية وفاعلة ولدت من رحم ثورة يناير، قائلة إنه لم يكن هناك وقت كافي للتنظيم المحكم، الأمر على الأرض كان معقدا: “الضرب هنا وهناك، الاشتباكات في الميدان وخارجه، كانت الاتفاقات قليلة والاختلافات بالجملة”.

تقول “إسراء” التي تعمل اليوم صحفية: “دي كانت أكبر أخطائنا. لم نؤسس تنظيمات قوية نستطيع أن نضغط بها، فالمفاوضات كانت تحدث مع القوى المنظمة فقط، هكذا تتعامل الأنظمة السياسية، تحتاج إلى تنظيمات قوية، ومجموعات الشباب التي خرجت من رحم الميدان لم تكن مدعومة بتنظيمات تساندها”.

ناصر عبد الحميد عضو ائتلاف شباب الثورة، يشير إلى أن غياب الخبرة الكافية لدى شباب الثورة وقلة النضج السياسي والقدرة على التفاوض، كانت أهم الأسباب التي أدت –من وجهة نظره- إلى الإخفاق في تحقيق مكاسب سياسية خلال أحداث يناير وما بعدها.. “كان الإخوان أكثر جاهزية لشغل الفراغ السياسي بعد رحيل مبارك”.. يقول ناصر.

كما يضيف: “أخطاءنا كانت ناتجة عن حالة ثورية، صاحبت أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو”.

النشأة

يقول عبد الحميد: “وسط الأحداث الصعبة في السنة الأولى من الثورة خرجت منا مجموعات شبابية لتأييد حملات بعض المرشحين في الانتخابات الرئاسية، وحققوا نتائج مبهرة وبعد الانتخابات بدأت مجموعات أخرى في تأسيس أحزاب جديدة”.

يضيف: “كنت عضو مؤسس في حزب الدستور، وزياد العليمي عضو مؤسس في المصري الديمقراطي، وهناك من شاركوا في تأسيس أحزاب أخرى مثل حزب العدل والتيار المدني والتحالف الشعبي إضافة إلى مشاركات الشباب في انتخابات البرلمان 2011”.

“نشأة الحركات الشبابية لم تكن صدفة”.. يقول الناشط اليساري هيثم محمدين، مؤكدا أن الأمر كان نتاج حراك سياسي بدأ في بداية عام 2000. إذ تفاعل مع الأحداث الخارجية والقومية ثم تحول هذا التيار إلى الانشغال بالمطالب الداخلية التي كان على رأسها رفض “توريث” الحكم لجمال مبارك بالإضافة إلى رفض قانوني الطوارئ والانتخابات.

إسراء عبد الفتاح التي كانت ضمن أعضاء حركة شباب 6 أبريل، توثق لدور شباب ثورة يناير. إذ تقول إن كل طرف وكيان وتنظيم  كان يبحث عن مصالحه لكن الشباب -تقصد هنا الشباب الذين حلموا بالتغيير وكانت مطالبهم العيش والحرية والعدالة اجتماعية- لم يفكروا في مصالح ضيقة بل كانت لديهم مطالب واضحة تخص الجميع ويريدون تحقيقها بكل ثبات، لكنهم لم يفكروا في الكراسي أو السلطة والمناصب. “لذلك تم التفاوض مع الأطراف اللي عينيها على التورتة” تقول “إسراء”.

قانون التظاهر.. تغيير قواعد اللعبة

خالد تليمة
خالد تليمة

في تحول كبير، صدق الرئيس المؤقت عدلي منصور، في 24 نوفمبر 2013، على قانون التظاهر الذي يمنح وزارة الداخلية حق حظر أي اجتماع “ذي طابع عام” لأكثر من 10 أشخاص في مكان عام. بما في ذلك الاجتماعات المتصلة بالحملات الانتخابية. ولا ينص القانون على استثناءات للتظاهرات الأصغر حجما والتي ليس من شأنها تعطيل المرور، أو للتظاهرات العاجلة والعفوية.

ضاق الشارع بالشباب، وكانت اللحظة فارقة في اتخاذ كل منهم قراره، من يظل في مكانه رافعا شعارات الثورة؟ ومن يقرأ الأوضاع الجديدة؟ ومن يبتعد ليلتقط أنفاسه؟ من يترك الميدان تماما، ومن يشارك في المشهد الجديد، من يبحث عن رفاقه في السجون، من يغادر البلاد نهائيا، من ينزوي محاولا ترميم خيباته، ومن يستعد لمشهد حتما سيتغير يوما ما؟.

يقول خالد تليمة الناشط السياسي والذي كان عضوا بائتلاف شباب الثورة، إن السبل تفرقت بشباب الثورة، هناك من هاجر خارج البلاد، وهناك من يقبعون خلف قضبان السجون، والغالبية منهم ابتعدوا عن الأنظار والسياسة.

يضيف “تليمة” الذي عمل مقدم برامج هو وناصر عبد الحميد، ثم أصبح نائبا لوزير الشباب في 2014 ضمن عدد من الشباب الذين تم ترشيحهم للمشاركة في مهام تنفيذية تحت شعار “تمكين الشباب”، أن هناك عددا من شباب الثورة داخل قبة البرلمان.

يقول: “شراكة الحلم التي جمعتنا في ميدان التحرير لا تعني بالضرورة اتباع نفس المسار”.

أسباب الغياب

يرجع الناشط السياسي مصطفى شوقي التغير في مسار الأحداث نحو التحول الديمقراطي، وعملية بدء تغييب الشباب عن المشهد إلى خطة مكتملة الأركان، بدأت بإصدار قانون التظاهر، وتكميم وتأميم الإعلام والصحافة والاستحواذ على القنوات والصحف واحدة تلو الأخرى، ومنع النشاط السياسي والطلابي في الجامعة، والقبض على الشباب، ما أدى إلى إغلاق المجال السياسي وعزوف الشباب عن المشاركة فيه.

يٌذكر “شوقي” الذي يشغل عضو الأمانة الفنية للحركة المدنية، بعدما التحق بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، بدور الشباب في إزاحة الإخوان من السلطة حتى قبل يونيو 2013، لكن السلطة -بحسب شوقي- هاجمت المتحالفين معها وأولهم الشباب، وتم التنكيل بهم وسجنهم.

“شوقي” الذي أتى من قلب الحراك الطلابي في جامعة حلوان تحديدا من حركة “طلاب من أجل التغيير” مشاركا في الثورة، حيث كانت الجامعات حية بحسب وصفه، إذ ساهمت في تخريج كوادر كانوا في طليعة الثورة، يقول: “بعد 2014 تم حصار الأنشطة الطلابية وزادت حالة القمع ما أحدث فجوة بعد 25 يناير”.

يضيف: “مع مرور السنوات وتقدم السن بجيل يناير، وسيطرة حالة القمع، لم يعد يوجد كوادر حاليا مشتبكة مع العمل السياسي حيث يتم التنكيل بأي تجمعات تحمل مبادرات سياسية”.

خبرة سياسية مفتقدة

هيثم محمدين
هيثم محمدين

أما هيثم محمدين الذي كان عضوا في حركة “كفاية” يرجع أسباب ابتعاد شباب يناير من المشهد إلى قمع الدولة الذي تسبب في  تفكيك الحركات الشبابية الناشئة من رحم يناير إضافة إلى بعض المشاكل الأخرى المتعلقة بالبناء التنظيمى لتلك الحركات، إضافة إلى فشل الثورة فى تحقيق أهدافها، ما أنتج حالة إحباط عانى منها جيل 25 يناير بأكمله.

رامي كامل من مؤسسي اتحاد شباب ماسبيرو، والذي عٌرف بدفاعه عن حقوق الأقباط، يقول: “هناك حالة عزوف من شباب يناير عن المشاركة السياسية من فترة طويلة.. وأنا واحد من هؤلاء”.

اما جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وأحد وجوه ثورة يناير، إن الشباب ابتعد عن المشاركة في العمل السياسي لأن القائمين على الأمر لم يكونوا على مستوى الحدث أو المد الثوري حينها: “كانت برامجهم فقيرة ولم تكن هناك قدرة من الأحزاب على استيعابهم إلا لفترة قصيرة”.

كما أشار إسحاق إلى افتقار الشباب للخبرة السياسية وغياب القيادة، ما نتج عنه فشل في فرض مطالب الثورة، فهجر الشباب العمل العام بل اعتزلوه.

الحوار الوطني وباب العودة

ومع الدعوة التي أطلقها الرئيس السيسي، في إفطار الأسرة المصرية رمضان الماضي إلى الحوار الوطني، انفتح باب النقاش عن دور الشباب في المشاركة السياسة، كما طُرحت قضية سجناء الرأي من شباب الثورة وإدماجهم في المشهد السياسي ودعوتهم للمشاركة في الحوار الوطني.

تقول إسراء عبد الفتاح إن الحوار الوطني أتاح من جديد لشباب يناير المشاركة والعودة للحياة السياسية بعد انقطاع دام لمدة 12 عاما، منهم من تقدموا بأوراق عمل للأمانة العامة للحوار الوطني في محاولة للمشاركة في حل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

تضيف: “فاتحين إيدينا حتى الذين تم حبسهم –مثلما وقع لي- لديهم الرغبة في العمل والمشاركة. لن نجلس مكتوفي الأيدي في بيوتنا، لكن في المقابل يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإحداث تغيير”.

يختلف “شوقي” مع “إسراء” في قدرة الحوار الوطني على إعادة شباب يناير إلى الحياة السياسية مرة أخرى، يقول: “لن ينجح الحوار الوطني في ذلك، المناخ العام سيء تحديدا في تعاطيه مع الشباب، كثير منهم لا يزال داخل السجون، حتى الذين خرجوا يحتاجون إلى دمجهم في المجتمع، وهناك المحبطون الذين ابتعدوا عن المجال العام تماما، وهناك من سافروا للخارج”.

“الأجواء تتجه إلى استمرار القمع، النشطاء محاصرون وممنوعون من التعبير والمشاركة”.. يضيف “شوقي”.

“شوقي” طالب الدولة باتخاذ خطوات للتصالح مع شباب يناير، بالإفرج عنهم من السجون، وإطلاق مبادرة حقيقية لدمجهم في المجتمع، والسماح بعودة الشباب الموجودين في الخارج من غير المتورطين في أعمال عنف أو تلوثت أياديهم بالدماء، والسماح بالنشاط السياسي والتواجد في الإعلام.

إحدى جلسات الحوار الوطني
إحدى جلسات الحوار الوطني

من جانب آخر يطرح رامي كامل الذي يرى في الحوار الوطني خطوة جيدة، عدة أسئلة تخص خريطة طريق لهذا الحوار فيما يخص الشباب، وإعادة دمجهم المجتمعي والسياسي، وآليات الاختيار والمشاركة في الحوار. يقول كامل: “لا أظن أن المجال العام يستوعب شباب يناير مرة ثانية بنفس المظاهر التي كانت قبل 10 سنوات”.

من زاوية أخرى يدعو جورج إسحاق إلى التمسك بالدعوة للحوار الوطني لتغيير وطأة الأوضاع المفروضة منذ الثورة وحتى الآن، مشيرا إلى أهمية أن تتسلح تلك الدعوة بالجدية والابتعاد عن انتقاء المشاركين، بحيث تمثل كل فئات المجتمع وعلى رأسهم الشباب خاصة المستبعدين عن قصد ممن شاركوا فى ثورة 25 يناير.

من ناحية أخرى، يقول هيثم محمدين إن الحوار الوطني بدأ بطيئا ولا يمكن البناء عليه في مشاركة كبيرة للحركات الشبابية، مضيفا أن الحوار لا يزال يقف عند نقطة التنظيم ولم تطرح حتى الآن أي إجراءات واضحة للبناء عليها.