في 29 ديسمبر/ كانون الأول، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فترة ولايته السادسة، والتي أوصلته إياها أغلبية 64 مقعدا في الكنيست “البرلمان الإسرائيلي” المكون من 120 عضوا. مع ذلك، تبدو إدارة الحكومة الائتلافية الجديدة التحدي الأكبر الذي يواجهه منذ توليه رئاسة الوزراء لأول مرة في عام 1996.

في تحليله المختصر، يشير ديفيد ماكوفسكي، زميل زيجلر في معهد واشنطن، ومدير مشروع “كوريت” للعلاقات العربية- الإسرائيلية. إلى أنه بينما يصر نتنياهو على أن هناك “يدان (تمسكان) بقوة على عجلة القيادة”، لكن الحزب الصهيوني المتدين اليميني المتطرف (RZP)، بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جفير، يمارس السلطة بشكل لم يسبق له مثيل.

في واحدة من أولى أعماله بعد تعيينه وزيراً للأمن القومي زار بن جفير الحرم القدسي الشريف وهو موقع شديد الحساسية

يقول: على الرغم من احتفاظه بـ 14 مقعدًا فقط مقارنة بـ 32 مقعدًا حصل عليها حزب الليكود بزعامة نتنياهو. فقد انتزع حزب RZP تنازلات كبيرة في المفاوضات لتشكيل الائتلاف. وقد تم تعزيز نفوذه فقط من خلال مشاكل نتنياهو القانونية، حيث من المحتمل أن يكون الحزب مفتاح تخليصه من محاكمته الجارية بشأن الفساد.

لكن، السؤال الرئيسي هو ما إذا كان رئيس الوزراء قادرًا على إدارة التحولات السياسية المرغوبة لحليفه المتطرف، بشأن المسائل الفلسطينية مع متابعة مقتضياته الخاصة. أو، على وجه التحديد، كسب الدعم الأمريكي لموقف أكثر تصادمية تجاه إيران، وتخفيف توترات واشنطن مع السعودية، والتي بدورها يمكن أن تسهل تقاربا اسرائيليا مع المملكة.

اقرأ أيضا: نتنياهو بلا قيود.. إسرائيل تحصل على الحكومة الأكثر يمينية في التاريخ

يضيف: يلمح المسئولون الأمريكيون إلى وجود مقايضات. إذا كان الأمر كذلك، فستتاح للحكومتين فرص لمناقشتها على الفور. ومن المتوقع أن يزور مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، إسرائيل في غضون الأسبوعين المقبلين. ويشير المسئولون الأمريكيون إلى أن الهدف من هذه الرحلة هو تجنب سوء التفاهم بشأن القضايا الرئيسية.

هناك أيضًا مؤشرات على أن نتنياهو سيرسل وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب منه، رون ديرمر، لوضع الأساس لزيارة رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض.

في التحليل المنشور ضمن سلسلة “المرصد السياسي”، يشير ماكوفسكي إلى الطرق التي قد تصبح بها السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين هي بؤر التوتر مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. منها نقاط احتكاك إضافية متعلقة بالسياسة الخارجية الأوسع، والمسائل القانونية المحلية.

الحرم القدسي الشريف

في واحدة من أولى أعماله بعد تعيينه وزيراً للأمن القومي، زار بن جفير هذا الموقع شديد الحساسية في القدس. مما أعاد إشعال قضية أزعجت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

بالعودة إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2015، تعهد نتنياهو علنًا لواشنطن والأردن -الوصي الرسمي على الموقع- بأنه سيحافظ على الوضع الراهن هناك. معلناً أن “إسرائيل ستستمر في تطبيق سياستها القائمة منذ فترة طويلة: المسلمون يصلون في الحرم القدسي. غير المسلمين يزورون الحرم القدسي “.

يشير ماكوفسكي إلى أنه من الناحية النظرية، لم تغير زيارة بن جفير القصيرة هذا الالتزام. يقول: ربما كانت مجرد خطوة رمزية نابعة من تعهداته الانتخابية. ومع ذلك، يظن الكثيرون في أنه يمكن أن يبشر بسياسة تصعيدية في الموقع، خاصة بالنظر إلى سيطرته الجديدة على قوات الشرطة الإسرائيلية.

على الفور، أدانت الحكومات العربية خطوة بن جفير، حيث أيدت الإمارات الدعوات الأردنية والفلسطينية لإجراء مناقشة طارئة في مجلس الأمن الدولي بشأن هذه المسألة. وكانت إدانة الأردن متوقعة، بالنظر إلى دورها كوصي على الحرم الشريف.

يضيف: طالما أشارت عمان إلى أنها تربط الاستقرار داخل المملكة بالهدوء في الحرم القدسي. ومع ذلك، فإن الإدانة الإماراتية مهمة أيضًا، نظرًا لعلاقات الدولة العميقة مع إسرائيل.

بعد ذلك، أرجأت أبو ظبي زيارة نتنياهو المخططة إلى الإمارات. ألقى المسئولون باللوم -علنًا- على القضايا اللوجستية في التأخير. لكن المراقبين توقعوا أن القرار كان مدفوعًا بأفعال بن جفير.

الضفة الغربية

يريد الحليف اليميني المتطرف لنتنياهو أن يضم الضفة الغربية بأكملها، ويستخدم ائتلاف الحزب مع الليكود لغة مشحونة -وإن كانت غامضة- في هذا الشأن. على سبيل المثال “للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أجزاء أرض إسرائيل”.

من جانبه، يدرك نتنياهو أن الضم أحادي الجانب غير مقبول لإدارة بايدن والمجتمع الدولي. ويشمل ذلك شركاء إسرائيل العرب في اتفاقيات إبراهيم. حيث يقول المسئولون الإماراتيون إنهم وقعوا اتفاقية التطبيع عام 2020، قائمة في المقام الأول على فهم أنها “ستمنع الضم لمدة أربع سنوات على الأقل”.

أيضا، هناك تقنين البؤر الاستيطانية. حيث تلتزم اتفاقية الائتلاف بإضفاء الشرعية على ما يقدر بـ 70 بؤرة استيطانية خارج الحاجز الأمني ​​في الضفة الغربية. أي المجتمعات المحظورة بموجب القانون الإسرائيلي.

ويلفت ماكوفسكي إلى أن هذا الرقم لا يشمل 78 مستوطنة خارج الجدار كانت قد صرحت بها الحكومة في السابق، ويقطنها حوالي 110 آلاف إسرائيلي.

يقول: تقع العديد من البؤر الاستيطانية في عمق مناطق فلسطينية كبيرة مأهولة بالسكان. لذا، فإن إضفاء الشرعية عليها سيؤدي فعليًا إلى إبطال أي خطة لإنشاء دولة فلسطينية متصلة، أو فصل الإسرائيليين والفلسطينيين. وأشار الرئيس بايدن إلى هذا الخطر عند ترحيبه بتشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة ستواصل دعم حل الدولتين ومعارضة السياسات التي تعرض قابليته للحياة للخطر أو تتعارض مع المصالح والقيم المشتركة”.

في ضوء هذه التحذيرات، قد يتخلى نتنياهو عن الشرعية الكاملة. ويسعى بدلاً من ذلك إلى ربط البؤر الاستيطانية بشبكة الكهرباء الإسرائيلية.

أيضا، إدارة بايدن حريصة على مناقشة معايير الحكومة الجديدة لتوسيع المستوطنات القانونية.

تشير الملاحظات التي أدلى بها نيد برايس -المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية- في 4 يناير/ كانون الثاني، إلى أن واشنطن ستركز بشكل أكبر على المستوطنات البعيدة المتاخمة للمناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان، أكثر من تركيزها على المستوطنات بالقرب من الخط الأخضر قبل عام 1967.

واشنطن ستركز بشكل أكبر على المستوطنات البعيدة المتاخمة للمناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان

اقرأ أيضا: العودة إلى “الجيتو”..  هل تتراجع إسرائيل إلى ما قبل الصهيونية؟

حومش والمنطقة (ج)

يريد الحزب الصهيوني اليميني إعادة بناء مستوطنة حومش في شمال الضفة الغربية، وهي واحدة من أربع هُدمت بموجب اتفاقية فك الارتباط عن غزة لعام 2005.

ساعدت عمليات الهدم هذه إسرائيل على تأمين التزام إيجابي من إدارة جورج بوش الابن فيما يتعلق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين. لذلك، من المحتمل أن يتعرض نتنياهو لمخاطر جدية بالتراجع عن هذا الاتفاق اليوم.

أيضا، هناك مشكلة البناء الفلسطيني في المنطقة (ج). بموجب التصنيفات الإقليمية للضفة الغربية التي أنشأتها اتفاقية أوسلو الثانية في عام 1995، تسيطر السلطة الفلسطينية بشكل كامل على المنطقة (أ) ولديها سلطة مدنية في المنطقة (ب)، والتي تشكل -مجتمعة- ما يقرب من 40% من أراضي الضفة الغربية، وهي موطن حوالي 90% من السكان الفلسطينيين.

المفترض أنه سيتم تحديد وضع باقي الأراضي -المنطقة (ج)- عن طريق المفاوضات. لكن، يهدف بتسلئيل سموتريش الوزير المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الجديدة (الضلع الثاني مع بن جفير) إلى التأثير في هذه القرارات عاجلاً وليس آجلاً. للقيام بذلك، أصر على منحه منصبًا رفيعًا في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى توليه منصب وزير المالية الجديد.

قبل الدخول في السياسة رسميًا، أسس سموتريش مجموعة الناشطين Regavim، التي تصر على وجود 78000 مبنى فلسطيني غير مصرح به في المنطقة (ج). بالفعل، نادرًا ما يمنح المسئولون الإسرائيليون تصاريح قانونية للفلسطينيين، مما يجعل معظم أعمال البناء في المنطقة غير قانونية بشكل افتراضي

يشير ماكوفسكي إلى أنه في السابق، لم تعتبر الحكومة الإسرائيلية مثل هذا النمو الحضري تهديدًا استراتيجيًا، وركزت بدلاً من ذلك على المباني المقدرة بخمسة آلاف التي تقع على طول الطرق السريعة الرئيسية، والمتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية، أو بالقرب من ميادين الرماية العسكرية.

ولفت إلى أن اتفاق الائتلاف يمنح سموتريش سيطرة كبيرة على هيئتي الجيش الإسرائيلي، اللتين تتمتعان بسلطة على الشؤون المدنية في المنطقة (ج): تنسيق أنشطة الحكومة في المناطق (COGAT)، والإدارة المدنية.

عنف المستوطنين ومراقبة الشرطة

أعرب المسئولون الأمريكيون، مرارا وتكرارا، عن قلقهم إزاء الارتفاع الحاد في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال العام الماضي. وهو قلق أكده التأثير المتزايد للمستوطنين في الحكومة الجديدة. طالما أصر الجيش الإسرائيلي على أن الأمر متروك للشرطة الإسرائيلية لوقف مثل هذه الهجمات التي ترتكبها أقلية من المستوطنين.

يقول مدير مشروع “كوريت” للعلاقات العربية- الإسرائيلية: بموجب اتفاق الائتلاف، سيتم منح بن جفير سلطة على حرس الحدود. في الضفة الغربية، تخضع هذه القوة حاليًا لقيادة الجيش الإسرائيلي وتقوم بالعديد من المهام الحيوية هناك، بما في ذلك عمليات مكافحة الإرهاب، والدوريات المشتركة جنبًا إلى جنب مع وحدات الجيش، وهدم البؤر الاستيطانية.

ورغم أن الجنرال يهودا فوكس، قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، شدد مؤخرًا قواعد الاشتباك المحلية، في محاولة لتقليل الخسائر الفلسطينية وتخفيف التوترات. لكن بن غفير أوضح أنه يريد التخفيف من (أي التسهيل للشرطة) قواعد الاشتباك لشرطة الحدود، للسماح لهم بفتح النار في وقت مبكر خلال المواجهات.

رداً على ذلك، أشار مسئولو الجيش الإسرائيلي إلى أنه “لا يمكن السماح لشرطة الحدود بالعمل بشكل مستقل في الضفة الغربية بقواعد اشتباك منفصلة”. مشيرين إلى “الضرورة الملحة للحفاظ على وحدة القيادة”.

يضيف: إذا تحقق هذا الخلاف المحتمل في الواقع، فقد أشار الجيش -حسبما ورد- إلى أنه سينشر جنود احتياط إلى جانب القوات النظامية بدلاً من شرطة الحدود. ومع ذلك، فإن هذا من شأنه أن يجبر الجيش على استدعاء كتائب احتياطية إضافية، من أجل تعويض فقدان قوة الشرطة، والحفاظ على القدرة العملياتية.

وأكد أنه في السابق، حصل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الليفتنانت جنرال أفيف كوخافي، على التزام من نتنياهو بعدم إجراء تغييرات تؤثر على الجيش دون استشارة مسبقة. وأوضح الجنرال أيضًا أن الجيش الإسرائيلي يتبع وزير الدفاع فقط، وفقًا للقانون.