رغم إفراج الدولة عن 1.7 مليون طن من الأعلاف خلال شهر ونصف الشهر، استمر نقص المعروض بالسوق. وهو أمر يشير إلى وجود أيادٍ تتحكم في الكميات المطروحة، تعمل على تقليص هذه الكميات المطروحة، بشكل متعمد من أجل رفع الأسعار.

بحسب البيانات الرسمية، أفرجت مصلحة الجمارك عن 212 ألف طن من الذرة، قدرت قيمتها بحوالي 84 مليون دولار. ذلك بالإضافة إلى 75 ألف طن من فول الصويا، بحوالي 57 مليون دولار. فضلًا عن إضافات أعلاف بنحو 2 مليون دولار، ليبلغ إجمالي الكميات المفرج عنها خلال الفترة من (16 أكتوبر/ تشرين الأول ــ 29 ديسمبر/ كانون الأول 2022) 1.183 مليون طن ذرة، و531 ألف طن فول صويا وإضافات أعلاف، بإجمالي 856 مليون دولار.

رغم تلك الإفراجات، انتعشت السوق السوداء، لتكتشف ضبطية واحدة لمباحث التموين عن 5 آلاف طن ذرة، و7 آلاف طن صويا تم تخزينها لرفع سعرها، بحسب قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة. إلى جانب عشرات الضبطيات اليومية، عند التجار الكبار بمختلف المحافظات.

تحتاج سوق الدواجن، شهريًا، لكميات تتراوح بين 500 و550 ألف طن. بينما الكميات المفرج عنها من الجمارك تكفي بتلك الحسبة نحو ثلاثة أشهر. ما يعني نظريا ارتداد سريع لأسعار الأعلاف بالسوق المحلية. ما ينعكس على سعر الحوم البيضاء قبل حلول شهر رمضان.

اقرأ أيضًا: “مذبحة المليون كتكوت”.. أزمة صناعة الأعلاف تبلغ الذروة.. وحلول مرصودة تشكو بطء التنفيذ

الأعلاف تذهب للمحتكرين

بحسب الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، فإن كمية الأعلاف التي تفرج عنها الحكومة تذهب لعدد معين من التجار. يستخدمونها في السوق السوداء. ما أدى إلى استمرار ارتفاع الذرة وفول الصويا، رغم الإفراج عن الكميات الكبيرة.

في العام الماضي، استوردت أكبر 6 شركات في السوق نحو  2 مليون و10 آلاف طن من الذرة الصفراء وفول الصويا، وبين تلك الشركات الست اثنتان استوردتا وحدهما 1.13 مليون طن. ما يشير إلى وجود مراكز قوى تسيطر على استيراد الأعلاف بمصر.

الطمع يدفع التجار الكبار إلى المغامرة. فالتلاعب عدة أسابيع يضعهم في مصاف شديدي الثراء. فقبل الأزمة الحالية كان التاجر يربح 500 جنيه في الطن الواحد. لكن حاليًا تتراوح مكاسبه عند 10 آلاف جنيه في الطن كمتوسط (المكسب يصل في فول الصويا إلى 15 ألف جنيه للطن).

عانت السوق المحلية نقصًا في المعروض خلال الفترة الماضية. الأمر الذي رفع سعر العلف إلى 20 ألف جنيه. وانعكس بدوره على الدواجن التي وصلت لأعلى مستوى في تاريخها بسعر 60 جنيهًا لكيلو الدجاج الأبيض، مع تأكيد المربين على أن 75% من تكلفة صناعتهم تكمن في الأعلاف.

الحكومة المتضرر الأول

يبحث الكثير من المُربين، حاليًا، إغلاق مزارعهم؛ لارتفاع التكلفة التي لن يتم تعويضها إلا بسعر 75 جنيهًا للكيلو. وهو أمر لا يتناسب مع القوى الشرائية للزبائن. وحال خروج قطاع أكبر من هؤلاء المُربين، ستكون الدولة المتضرر الأول. ذلك لأنها ستُجبر على البدائل الخارجية لتوفير الدواجن. ما يعني استيراد بالعملة الصعبة.

المهندس محمود العناني رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن
المهندس محمود العناني رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن

تنتج مصر مليارًا و100 مليون طائر، و14 مليار بيضة كل عام، ولديها اكتفاءً ذاتيًا من الدواجن والبيض. ما يخفف الضغط على اللحوم الحمراء، التي تستورد 60% منها من الخارج. وقد ارتفعت أسعارها أيضًا بسبب الأعلاف، لتصل إلى 200 جنيه للكيلو.

المهندس محمود العناني، رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، يؤكد أن أعلاف الدواجن التي تم الإفراج عنها من الجمارك، ذهبت للسوق السوداء. ما حال دون انخفاض الأسعار في السوق.

اقرأ أيضًا: تجاوزت 15 ألفًا للطن.. أسعار الأعلاف تضرب صناعة الدواجن وارتفاعات جديدة منتظرة

يخشى العناني استمرار ارتفاع أسعار الدواجن، نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري. علاوة على مشاكل وفرته للإفراج عن الأعلاف المحجوزة بالمواني، فاختلال السوق حاليًا ناجم عن ارتفاع سعر الدولار، مع عمليات إفراج محدودة للبضائع.

لكن الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة، يقول إن الدولة وفرت مبالغ كبيرة لعمليات استيراد الشحنات من الخارج. مؤكدًا أنها ستضع سعرًا استرشاديًا للذرة الصفراء والأعلاف، لتحقيق الاستقرار المطلوب في الأسواق.

الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة
الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة

ويوضح القرش أن هناك تكليفات لجميع الجهات الرقابية مع وزارة الزراعة لتوفير الأعلاف في الأسواق التي لن تسمح لكل “مستهتر أو محتكر” بأن يعود بالدولة إلى الوراء.

وداهمت حملة مشتركة بين وزارتي الزراعة والتموين، أخيرًا، مصنعًا للأعلاف بمحافظة الشرقية، وضبطت 1500 طن صويا، و 3000 طن ذره، و 1000 طن علف مخزنة بغرض الاحتكار ورفع الأسعار، بالإضافة إلى قيام المكان ذاته بالبيع بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع، سعر الشراء والإفراجات التي وفرتها الدولة .

حلول للأزمة

كلفت وزارة الزراعة مركز البحوث الزراعية باستنباط محاصيل علفية تتحمل نسبة الملوحة العالية وتحتاج لمياه أقل. ذلك بهدف تقليل الضغط على الذرة والصويا.

وهناك برنامج يجرى تطبيقه في محافظة مطروح، يقوم على زراعة عدد 40 ألف شتلة أعلاف نبات “البانيكم العلفي” المتحمل للملوحة.

لكن محمود العناني يعتبر أن البديل الوحيد الأسرع لأعلاف الدواجن، هو القمح العلفي، المستخدم في العديد من دول العالم، حاليًا. وهو أمر يتفق عليه جميع مربي الدواجن. إذ أن إيجاد بدائل سريعة ومتنوعة للأعلاف من شأنه أن يقلل هيمنة التجار والمصنعين على السوق.

ويتم تصنيف القمح لنحو 6 أصناف وفقًا لنسبة الجلوتين والنظافة واللين وحجم الحبة، والدرجتين الخامسة والسادسة هما الأسوأ للاستهلاك الآدمي، ويتضمنان أعلى درجات من الشوائب والحبوب والأعشاب والحبوب الرفيعة. لكنهما يظلان من أفضل الأعلاف لاحتوائهما على العناصر التي يحتاجها الحيوان.

تجارب الدول الأخرى أيضًا يمكن الاستفادة منها لتعزيز إنتاج العلف المحلي. فاليابان -على سبيل المثال- شهدت تحفيزا من التشريعات الحكومية على صناعة التدوير التي تحول بقايا الطعام إلى علف حيواني ومخصبات. وهو أمر كان دارجًا في الريف المصري حتى وقت قريب، باعتماد الأسر في التربية المنزلية على بقايا الاستهلاك اليومي لها من الطعام والأرز والخبز وخلافه، يبدو أنه ضمن الحلول ممكنة التفعيل حاليًا وبشكل أكاديمي وأكثر تنظيمًا.