رغم أن قمة النقب الأولى التي جمعت في مارس الماضي وزراء خارجية الدول العربية المطبعة مع إسرائيل لم تضف إلى المشهد العربي أو الإقليمي شيئا يذكر، استجابت حكومات التطبيع العربي إلى دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لعقد قمة ثانية تحت رعاياتها مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة لكن هذه المرة في الصحراء المغربية.
ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية فإن المغرب يستعد لاستقبال وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية في شهر مارس المقبل فيما يعرف باجتماع «النقب 2»، لمناقشة التعاون في مجالات الأمن الإقليمي والأمن الغذائي والطاقة والتعليم.
وكشفت قناة «i24NEWS» الإسرائيلية عن أن المسئولين المغاربة يسعون إلى إقناع السلطة الفلسطينية بالمشاركة في تلك القمة، في وقت تتصاعد فيه الخلافات بين حكومة الاحتلال وسلطة رام الله، إثر تقدم الأخيرة بشكوى ضد تل أبيب لمحكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بعد حصولها على قرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نهاية ديسمبر الماضي يتيح لها طلب فتوى من المحكمة.
وردا على التصعيد الفلسطيني اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو عددا من الإجراءات التصعيدية ضد قادة السلطة الفلسطينية بدأت بسحب تصاريح «VIP» من الوزراء والدبلوماسيين الفلسطينيين ووصلت إلى حد التصويت على إصدار قرار بتجميد أموال السلطة لصالح قتلى العمليات التي تستهدفهم المقاومة الفلسطينية.
ورغم تعرض الحكومة المغربية لانتقادات حادة من مناهضي التطبيع المغاربة وعلى رأسهم «الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع» التي عبرت عن رفضها استضافة اجتماع عربي إسرائيلي في ظل الانتهاكات الصهيونية المتتالية للحقوق الفلسطينية، إلا أن وزارة الخارجية المغربية بدأت الترتيب لقمة الداخلة فور عودة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى بلاده بعد قمة النقب الأولى والتي عبر فيها عن رغبته في عقد القمة التالية في بلاده «نأمل أن نلتقي في صحراء أخرى لكن بالروح نفسها».
التحضير لقمة «النقب 2» يأتي وسط جملة من التعقيدات والإشكاليات، فإلى جانب التصعيد السياسي بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطنيية والتي تصر على استكمال إجراءات شكواها في المحكمة الدولية، يطرح محللون ومتابعون عددا من التساؤلات التي كشفت عنها بعض المواقف المتناقضة لأطراف القمة المرتقبة.
فكيف سيلتقي وزراء خارجية حكومات دول التطبيع العربي مع وزير خارجية حكومة دولة الاحتلال التي اعتبرها بعضهم أنها «الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل»؟.. وكيف ستطرح ملفات للتعاون بعد صدور إدانات رسمية من وزارات خارجية الدول العربية المطبعة ضد اقتحام المسجد الأقصى من قبل وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار غفير المعروف بمواقفه المتشدد وآرائه المحرضة على قتل العرب والداعية لضم الضفة الغربية والأماكن الدينية المقدسة إلى إسرائيل.
جيلي كوهين المحللة السياسية الإسرائيلي لقناة «كان» العبرية قالت في تعليقها على الاجتماع التحضيري الذي عقد بين ممثلي دول اجتماع «النقب 1» أمس في أبو ظبي: «المثير في التئام مجموعات العمل، أنه جاء بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يشارك فيها اليمين الديني المتشدد، وفي أعقاب اقتحام إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، الذي أثار جملة تنديدات واسعة في العالم العربي».
أما صحيفة «هآرتس» العبرية فتوقفت عند زيارة وفد إسرائيلي إلى أبو ظبي مشيرة إلى أن «زيارة الوفد الإسرائيلي تأتي على الرغم من المواجهة مع الإمارات بعد اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى الأسبوع الماضي، ومطالبة الإمارات بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد بعد ذلك».
ضمن الإشكاليات الأخرى التي تم طرحها بشأن اجتماع المغرب المنتظر، الكشف عن جهود أمريكية لإقناع دول إفريقية مسلمة لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بحضور اجتماع «النقب 2».
المحاولات الإسرائيلية الأمريكية لإقناع بعض الدول الإفريقية المسلمة لحضور اجتماع المغرب، تأتي بعد فشل محاولات تل أبيب الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي إثر حملة قادتها الجزائر وجنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني والتي انتهت بإجهاض الحلم الإسرائيلي في التسلل إلى المنظمة السوداء.
أما التساؤل الأهم الذي يطرح في الكواليس، هو: هل ستسعى إسرائيل إلى إحياء مشروع ناتو الشرق الأوسط الذي تم وأده العام الماضي، وهل ستقبل بعض القوى الإقليمية ما رفضته بل حاربته بعضها قبل أشهر في ظل التطورات السياسية التي طرأت على الإقليم في الفترة الأخيرة.
خلال شهر يونيو الماضي تحدث العاهل الأردني عبد الله بن الحسين عن ناتو شرق أوسطي، مبديا دعمه لتشكيله «أود أن أرى المزيد من البلدان في المنطقة تنخرط في هذا المزيج. سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء ناتو في الشرق الأوسط».
وأشار في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي» الأمريكية إلى أن رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جدا، «بجانب التعاون الأمني والعسكري المحتمل بدأت دول الشرق الأوسط العمل معا لمواجهة التحديات التي نشأت عن حرب أوكرانيا».
تصريحات ملك الأردن جاءت عقب أيام قليلة من إعلان تل أبيب عن تحالف جوي مشترك في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، فوزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني جانتس كشف حينها وخلال تواجده في جلسة برلمانية بالكنيست عن «شراكة عسكرية إقليمية لمكافحة التهديدات الإيرانية»، في مؤشر على إعادة تقويم التحالفات في منطقة الشرق الأوسط.
كانت مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في القاهرة والرياض قد صرحت لـ«مصر 360» عقب إثارة ملف «ناتو الشرق الأوسط» في نهاية يونيو الماضي أن المسئولين في السعودية ومصر تحفظوا على تشكيل أي تحالف عسكري أو أمني تكون تل أبيب رأس حربة فيه ويحقق لها مصالحها في حصار التهديدات الإيرانية.
المشهد اختلف الآن، ومكونات الصورة السابقة طرأت عليها تغيرات جوهرية، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتينياهو ووزير خارجيته إيلي كوهين المعروف بأنه عراب اتفاقيات التطبيع الجديدة أتاحت لهما الظروف الدولية والإقليمية ما لم يكن متاحا للحكومة السابقة، فمفاوضات الاتفاق النووي مع إيران متعثرة، وبعض الدول العربية تواجه ضغوطا اقتصادية قد تجعلها تقبل ما رفضته من قبل.
وتعتقد الحكومة الإسرائيلية الجديدة أنها قد تقنع مصر والأردن اللتين تواجهان أزمات اقتصادية ضاغطة في الشهور الأخيرة بقبول فكرة الدخول في حلف أمني معها ومع بعض دول الخليج التي ترى أن الأزمة الداخلية التي تتعرض لها إيران قد تكون فرصة لممارسة ضغوط على نظامها.
وتراهن تل أبيب على استخدام واشنطن لنفوذها لإقناع الدول الممانعة لتشكيل الحلف العسكري المثير للجدل، خاصة أن الأخيرة تملك الكثير من مفاتيح حلحلة المشاكل الاقتصادية للدول المتأزمة في منطقة الشرق الأوسط.
تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد إيلي كوهين التي أكد فيها التزام بلاده بمنع إيران من الحصول على قدرات نووية عسكرية، وسعيها لـ«بلورة جبهة دولية موحدة لإحباط المشروع النووي العسكري الإيراني» تتوافق مع التقديرات التي تذهب إلى أن تل أبيب لن تتوقف عن محاولة تشكيل جبهة إقليمية لمواجهة المشروع الإيراني.
السعودية هي الجائزة الكبرى أو درة التاج للاتفاقات التي تسعى إسرائيل لإبرامها مع دول المنطقة، تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض قضية شائكة تتجدد من آن إلى آخر، وفيما عبر نتنياهو عن أمله في إقامة علاقات مع المملكة التي تشارك بلاده مخاوفها إزاء إيران، يظل موقف الرياض الفاتر من التطبيع قائما في ظل عدم إحراز أي تقدم في مساعي إقامة الدولة الفلسطينية.
لم يصدر عن قمة النقب الأولى التي عقدت في مدينة «سديه بوكير» بصحراء النقب جنوب دولة الاحتلال بيان ختامي بسبب تباين وجهات النظر حول العديد من القضايا محل النقاش، ورغم ذلك وقف وزراء دول السلام القديم والجديد والتقطوا صورة تذكارية وهم يشبكون أيديهم قرب منزل ومدفن رئيس الوزراء المؤسس للدولة العبرية ديفيد بن جوريون.
حاول الإعلام العبري حينها تسويق تلك الصورة باعتبارها رسالة تفيد بأن عدو الأمس صار صديق اليوم، لكن الشعوب العربية صدمتهم عندما عبرت عن رفضها لمواقف الحكومات المطبعة وشددت على تمسكها بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى.
فبحسب نتائج تقرير المؤشر العربي لعام 2022، فإن 84% من مجموع المستجوبين العرب يرفضون أن تعترف بلدانهم بإسرائيل، ويعتبرونها خطرا يهدد أمنهم. ما جاء بالتقرير رصدته تقارير المراسلين الإسرائيلين الذين توجهوا لتغطية فعاليات كأس العالم بقطر قبل أسابيع، حيث بدا رفض الجماهير العربية واضحا للتعامل معهم، وأكدت تلك الجماهير على دعمها للقضية الفلسطينية من خلال رفع العلم الفلسطيني في كل المباريات تقريبا، حتى وصل الأمر بالمحللين الأجانب للقول، إن المنتخب الفلسطيني كان الحاضر الأبرز في المونديال رغم عدم مشاركته فيه.