تواجه النساء في مصر تحديات كبرى في محاولاتهن لتحقيق العدالة، خاصة في قضايا الأحوال الشخصية. ذلك في ظل غياب المعرفة بالحقوق والقوانين المنظمة لذلك، مع افتقارهن إلى الإمكانات المادية التي تساعدهن في إجراءات التقاضي للحصول على حقوقهن، إضافة إلى معوقات اجتماعية وتمييز على مستوى الجنس والدين والوضع الاقتصادي، وتسيد القيم الأبوية عند الحديث عن حقوقهن.
وهو ما تحاول هذه الورقة الحقوقية الجديدة، الصادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) للباحثة وفاء عشري، معالجته بالكشف عن مدى تأثير التكاليف المادية على وصول المرأة إلى العدالة القانونية في قضايا الأحوال الشخصية.
تناقش الورقة كذلك قصور المؤسسات القانونية الحكومية في تقديم أوجه المساعدة، وحجم المساعدات التي تقدم لها على مستويين: مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، والتعرض للعوائق التي تحول دون وصول النساء إلى العدالة القانونية. وكذلك تناقش ما يختص بصندوق موارد الأسرة وهل يمكنه المساهمة في دفع تكاليف التقاضي، وأخيرا توصيات بشأن مساعدة النساء للوصول إلى العدالة.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
التقاضي وإجراءاته
تتطرق الباحثة في ورقتها إلى الوصول إلى العدالة في التشريعات الدولية والوطنية، وتتناول حق التقاضي والدفاع والتقاضي في قوانين الأسرة.
كما تشير إلى إجراءات التقاضي في محاكم الأسرة. وتقول إن هناك افتقارا إلى التعليم القانوني الجيد، وعدم كفاية التدريب المهني للمحامين، والإحجام عن تقديم خدمات مجانية، وضعف جودة التمثيل المقدم من المحامين المعينين من قبل المحكمة، وهي تحديات تحتاج إلى معالجة. حيث توجد سلسلة من التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية وتترتب الدعوى على دعوى أو دعاوى سابقة، وتكون القضية الأولى غالبا تمهيد لبقية القضايا اللاحقة.
وتناقش الورقة البحثية طول فترة التقاضي في أغلب قضايا الخلع العالقة، والتي تتراوح بين شهر إلى سنتين، وذلك اعتمادًا على الثغرات الموجودة في المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000، والتي تحدد الإجراءات الواجب اتباعها في حالة الخلاف على مبلغ الصداق.
كذلك تشير الورقة إلى الصعوبات المادية في إجراءات الطلاق المكلفة. حيث يجب دفع أتعاب المحاماة ومستحقات المحكمة. تقول الباحثة: “حاول قانون 2000 تخفيض الرسوم بمنح مطالبات النفقة مجانًا، لكن هذا الإعفاء لا يشمل دعاوى الطلاق، هذه العقبة المالية يمكن أن تثقل كاهل النساء بشكل عام ومن في الطبقات الدنيا منهن”.
وهو الأمر الذي دفع بعض منظمات المجتمع المدني، التي تدرك هذه العقبات، إلى إنشاء خدمة قانونية تقدم مساعدة قانونية مجانية للنساء ذوات الوضع الاقتصادي المنخفض، ولكن هناك عددا قليلا من النساء استطعن أن يصلن إلى هذه المنظمات.
تكاليف التقاضي
وتنقل الورقة عن دراسة بحثية سابقة 2016، عن “التكلفة الاقتصادية لقضايا الأحوال الشخصية في القاهرة الكبرى”، للدكتور حمدي الحناوي وهو أستاذ في الاقتصاد الاجتماعي. وقد استعرضت قيم التكلفة التي تتكبدها النساء في التقاضي، وتوصلت إلى أن أكثر القضايا عددًا كان قضايا الطلاق والخلع ونفقات المطلقة.
ووفق الدراسة، فلا تشير مدة التقاضي فقط إلى بنود التكلفة الاقتصادية بل بنود تكلفة غير مالية ناتجة عن معاناة النساء من الإطالة الناتجة عن مراوغة الخصوم، وبراعة المحامين في استخدام الثغرات القانونية للتنكيل بالخصوم، أو لتأجيل عبء يتحمله موكلة حين صدور الحكم، بالإضافة إلى تكاليف سلاسل التقاضي المدفوعة نقدا وتتمثل في أتعاب المحامين والتي لا تنتهي عند القضية الأولى.
وقد تراوحت التكلفة -وقت الدراسة- من 50 إلى 17000 جنيه بحسب مستوى المعيشة بالمناطق، وقدرة الموكلة على الدفع، بالإضافة إلى شهرة المحامي. وكانت الأتعاب أقل من 1000 تغطي حوالي 28.1% من الحالات، وفئة الـ1000 جنيه تغطي 21.3%، أما من 2000-3000 جنيه تغطي أكثر من 13.7%. بينما غطت فئة 5000 فما فوق 5.3% من الحالات.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
وبمقارنة هذه التقديرات في وقتها عن فترات سابقة يتضح أن هناك توجها في ارتفاع مستوى الأتعاب وفقا للتوجه العام في ارتفاع الأسعار أو زيادة التضخم.
أما عن التكلفة غير النقدية المدفوعة، فتتمثل في الخسائر المالية الناتجة عن تعطل العاملات من النساء عن عملهن لمتابعة المحاكم.
وتقدر خسارة اليوم الواحد من 20 إلى 350 جنيهًا، أو لتجهيز أوراق القضايا، أو لزيارة المحامين للمتابعة. وحيث أن كثيرًا من النساء لا يعملن، فالمرأة تتكبد هذه المصروفات بالإضافة إلى انقطاع ما كان يقدمه الزوج من دعم جراء نشوب النزاع، بالإضافة إلى المعاناة والعنف المعنوي ما يصعب حساب قيمة الخسارة هنا، ويمكننا أن نستنتج زيادة الأرقام فيما ما تتكبده النساء من تكاليف نقدية مدفوعة أو غير مدفوعة حاليا، في ظل ما تشهده البلاد من ارتفاع مستمر في الأسعار وزيادة التضخم.
صندوق موارد الأسرة
خلال الفترة الأخيرة، أثارت فكرة إنشاء صندوق لموارد الأسرة حالة كبيرة من الجدل وفرضت سؤالا: هل الصندوق كاف لدعم النساء أثناء التقاضي؟
وهو ما تتطرق إليه الباحثة -في ورقتها- فتقول إنه في حال تم الإقرار بإنشاء الصندوق لتغطية التكلفة الاقتصادية للتقاضي، والتخفيف من أعبائه، قد يساعد هذا في التكاليف الرسمية. في حين أن التكاليف غير الرسمية وغير المباشرة التي تشير إليها العديد من الدراسات (التكاليف الاقتصادية للطلاق) لا يمكن تغطيتها.
إذ ستظل هناك خسائر مالية ومعنوية تتكبدها النساء في ظل تعدد القضايا وطول مدد التقاضي، ولا يمكن تقديرها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد من ارتفاع الأسعار.
التوصيات:
وتختتم الباحثة الورقة بعدد من التوصيات حتى تُمكن النساء من الوصول إلى العدالة وفقًا لأهداف التنمية المستدامة 2030 والتي تتضمن عدالة الوصول إلى التقاضي:
- صياغة قانون مدني شامل وموحد للأسرة يقوم على نموذج جديد للزواج يعكس المساواة بين الجنسين، من خلال مشاركة مجتمعية موسعه، والذي يضمن تعزيز دعم نفقات المحكمة للنساء غير القادرات.
- تعزيز دور المدعي العام من خلال تمكينه من المشاركة في إعداد القضايا (مثل التحقيق وجمع المعلومات حول النزاع)، بدلا من تقديم مذكرة رأي إلى المحكمة.
- تدريب العاملين بمحاكم الأسرة والتدريب على مهارات الاتصال وحل النزاعات، والوعي القانوني، والحساسية تجاه قضايا النوع الاجتماعي.
- تعزيز دور منظمات المجتمع المدني لتمكينهم من تقديم الدعم القانوني المجاني للفئات الأوسع من النساء.
- الإسراع والتوسع في إعمال ميكنة ورقمنة إجراءات التقاضي في المحاكم والجهات المعاونة لها، تعزيزا لتحقيق العدالة الناجزة.