تهاجمك ملوحة الدمع في حلقك، ممتزجة بتذكر أحدهم، للحظة قد تشعر أنك ضيعته، وأن ثمة فرصة تبددت من بين يديك، وربما وجدت نفسك فرصة خسرها الآخر، تحزن لانعدام التقدير، وتندم سواء كان الآخر هو الفرصة أو كنت أنت.
لكننا لا نرى الحقائق كما هي، القرب يُعمي، نرى فقط ما نُريد، انعكاس جزء منا، أو انعكاس لرغبتنا واحتياجاتنا، وعند الفقد تتسع الرؤية ونرى الخسارة.
اقرأ أيضا.. لمن تقول إنك لست بخير
كيف نرى الفرص
أقول لك بصدق إننا لا نرى، نعم لا نرى إلا ما نُريد رؤيته، ربما هو طابع غالبية البشر، حيث نعكس احتياجاتنا على الآخرين، من يحتاج الدعم، يرى الآخر الداعم، ومن يرغب في الحب، يرى تفاصيل وممارسات الحب من الطرف الآخر، من يبحث عن المال لن يرى سوى طرق الوصول إليه.
إنها نظرة ضيقة، محدودة في إشباع رغباتنا المؤقتة، التعرف على الطرق السهلة والسريعة للوصول إلى الهدف، اعتماد الكسل مبدأ خفي في حياتنا.
الحقيقة إن الغالبية منا لا يُفضلون بذل الجهد في الأهداف الحقيقية، تتبدد طاقتهم في الرخيص والهين، يُدقق الرجل في امرأة عابرة، وتُدقق المرأة في زميلتها لكشف أيهما أكثر تميز، لكن لا يتمعن أيا منهما في شريكه.
نعمل وفق مسار روتيني، لا ابتكار ولا إبداع، ربما يرى البعض أن البيئة والأجواء العامة غير مشجعة على الابتكار والإبداع، وقد يكون معه بعض الحق في نظرته، إذ واجه صعوبات أو آكلي الطموحات، كل تلك الخبرات سواء الشخصية أو المستمدة من الغير تضع حدود وترسم طرقا ضيقة يسير فيها الجميع، مشبعين بالخوف من التجريب، ومتذوقين طعم استباقي للخسارة، التي تأتي لا محالة.
البشر أيضًا فرص، وفي العلاقات تتكون الفرص، تُقابل من يُحبك بصورة قد لا تمر بخيالك، لكن لأنك تحتاج أشياء بسيطة، قد لا تجدها في شريك في رؤيتك الظاهرة، لا ترى شريكك على حقيقيته، لأنك ترى نفسك واحتياجاتك، ولا ترى الآخر، المشكلة تكمن في ضيق رؤيتك للشريك يجعلك تبدو جافًا وأحيانًا مزعجًا، تُقابله بصخب الرفض، والتململ، وقد يستمر العمى حتى فقد الشريك.
نحن لا نرى إلا عندما يقتنص آخر ما كان بين يدينا.
بذور الندم
قد يعتقد البعض أن المغامرة في كسب الرزق فقط، ولكن فعل المغامرة أكبر بكثير من استحواذ الرزق عليه، لكن لكي تُغامر في أي شيء فانت بحاجة أن تتخلى عن الخوف، وتُظهر من الشجاعة ما يفيض عن خيالك، فهل نتفاجئ بأن الكثير منا فُطِم على الخوف والجُبن؟
تبدأ الأمهات بتحذير أطفالها من كل شيء، لا تقترب من هذا ولا تفعل هذا، مظلات الحماية الأمومية غرست بداخل أغلبنا الخوف، كبرنا ونحن نخاف، نخاف من السفر، نخاف من التجريب، نخاف من الاقتراب من شخص نحبه، نخاف من اكتشاف جوانب في شريكنا، والتعرف عليه.
إنه الخوف الذي يملؤنا، هل جربت أن تفقد صديق أو حبيب ثم تندم؟
مع الخوف خُلق الندم، متلازمة متوازية من يحتفظ بالخوف شريك سيتكرر عليه الندم، القلوب مشبعة بالتردد، مجلوبة على الخسارة، حين نبدأ علاقة ندخلها بعيون مغمضة، غافلين عن مزايا الشريك، راغبين في الحد الأقصى الذي نحلم به، والذي قد يكون أقل بكثير مما يمكن أن يمنحه الآخر، لكنه الخوف والتردد والكسل.
قبل أن يأتي الندم يُرسل جنوده لتهيئة الأرض، لا يندم من يرى ويعرف ويُقدر، لا يندم من يمتلك شجاعة كسر العادي والسائد.
يقصر الكثير فرصه في المال، وما هو مادي ذلك لأنه يرى انعاكسات تلك الفرص بشكل واقعي، لا يرى أن وجود صديق أو حبيب بجانبه ربما يكون عائده أكبر بكثير، فنحن اعتدنا ألا نُقدر إلا ما يمكن قياسه بمعايير معروفة، كم جنيه، أو كم كيلو، أما غير القابل للقياس فهو رخيص، لعله جزء من الخسارة وربما هو الجزء الأكبر.
حين تخسر وظيفة أو مال ربما تحزن قليلًا، لكن خسارة حبيب حقيقي وصديق حقيقي ندم سيستمر معاك طويلًا، هناك فرص لا تُعوض، وأشخاص إن رحلوا من دائرتك تركوها فارغة مخلخلة بلا معنى، إذا كانت اللذة مقترنة بالمغامرة، فالفرح والطمأنينة مرتبطة ببصيرة ورؤية تتسع لترى حقيقة الآخر، واستجلاء الفرصة التي قد لا تتكرر.