في الخمسينيات كتب الأديب الراحل يوسف السباعي روايته الشهيرة “جمعية قتل الزوجات” والتي تخيل فيها إنشاء جمعيه سرية للأزواج لقتل زوجاتهن على خلفية الخلافات المستمرة بينهم، ويبدو أنه قد تنبأ بأن هذه النوعية من العنف ستواجه النساء في مصر لاحقا، حيث شهدت مصر في الأعوام الأخيرة ارتفاعا في ظاهرة قتل النساء والفتيات على خلفية النوع الاجتماعي، وقد أفرد موقع “مصر 360” ملفا كاملا عن هذه الأحداث خلال 2021، 2022.
اقرأ أيضا.. نون النسوة بقفص الاتهام.. التخلص من الزوجات بجرائم الشرف
ومع مطلع عام 2023 تحدث أول جريمة قتل لامرأة في مصر، وانتشرت أخبارها على صفحات التواصل الاجتماعي، حين قام حمادة العجوز من قرية نبروه بالمنصورة، سائق، ببث فيديو صادم مدته 23 ثانية على صفحات “فيسبوك”، ظهر فيه جالسا بجانب جثة زوجته التي ذبحها وفصل رأسها عن باقي الجسد، مخاطبا بكل هدوء المسئولين داخل المؤسسات الأمنية والإعلامية لمعرفة الدوافع الشخصية وراء ارتكابه لهذه الجريمة.
وكما ذكرنا سالفا عن الأشكال الجديدة لانتقام الجناة من الأزواج في الجرائم الأخيرة على مدار الأعوام الحديثة حيث تعمدوا إلى التشهير بالضحية لخلق حالة تعاطف مجتمعي معه، يمكن معها الإفلات من العقوبة، وانتبهت النيابة العامة إلى ذلك حيث أصدرت أكثر من مرة بيانا يحث الناس على عدم التعاطي أو إصدار تصريحات تشوه وتحط من صورة الضحية لحين الانتهاء من التحقيقات.
فمن الثابت أننا لا نفتقر إلى إنفاذ القوانين والسياسات فحسب، بل نواجه أيضًا مجتمعًا يلوم الضحية باستمرار، خاصة إذا كانت تلك الضحية امرأة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تعليقات الناس على أحداث قتل “نيرة” و”سلمى” العام الماضي.
والعديد من عمليات قتل الزوجات التي تحدث في بيئة خاصة أو محلية، فإنها تظل متجاهلة بشدة من قبل كل من صانعي السياسات وإنفاذ القانون لمعالجة المشكلة، بالإضافة إلى ضعف تدابير المساءلة للحد من إفلات الجناة من العقاب، ويزداد معدل قتل النساء مع انخفاض المعدلات الإجمالية لجرائم القتل، لأن محور اهتمام المشرعين يركز على السياسات التي تقلل القتل من ذكر إلى ذكر ولا تؤثر على قتل الإناث.
بالإضافة إلى نسبة النساء والرجال الذين قُتلوا على يد شركائهم، تُظهر الأدلة أيضًا أن النساء اللواتي يقتلن أزواجهن وغالبًا ما يتصرفن دفاعًا عن النفس بعد العنف والترهيب المستمر، لذا يحتاج البحث حول منع العنف المنزلي على وجه الخصوص إلى مزيد من التطوير، ولكن الخطوة الأولى نحو أي إجراء ستكون الاعتراف على نطاق واسع بقتل الإناث باعتباره قضية بارزة، حيث يجب أن تتم إصلاحات منهجية لرفع قدرة المرأة التعليمية والاجتماعية والاقتصادية لتكون جزءا حاسما من الحل.
وفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة للجرائم والمخدرات بفيينا في عام 2017، تعتبر إفريقيا هي أعلى منطقة تتعرض فيها النساء لخطر القتل على يد الزوج أو أي فرد من أفراد الأسرة الذي يبلغ معدلة 3.1 لكل 100،000 من السكان، في حين أن أوروبا (0.7 لكل 100،000 من السكان) هي المنطقة التي يكون فيها الخطر أقل. كان معدل جرائم القتل المرتبط بالعائلة/ الشريك الحميم مرتفعًا أيضًا في الأمريكيتين، عند 1.6 لكل 100000 من السكان، وآسيا عند 0.9، ويعتبر هذا أحدث تقرير مما يدل بوضوح على الإشكالية لجمع المعلومات الدقيقة.
الإحصائيات الوطنية حول حوادث قتل الزوجة:
يتوافق هذا مع نتائج الإحصائيات لدراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية المصري في العام 2019، إذ أن الغالبية العظمى من الأزواج الجناة مرتكبي الجرائم ضد الطرف الآخر، ذكور.
حيث بلغت نسبتهم (69%) مقابل (31%) إناث من إجمالي (200) شخص، وإن أكثر أنواع الجرائم التي ارتكبها الجناة هي جنايات القتل العمد حيث بلغت نسبتها (52%)، والتي تشير إلى أن النساء أكثر عرضة لقتل شريكهن أثناء وجودهن في العلاقة، في حين أن الرجال أكثر عرضة لقتل الشريك المنفصل. وأن النساء أكثر عرضة لقتل شريكهن نتيجة الخلافات، بينما تكون الغيرة هي دافع الرجال للقتل، أو بدافع الحالة الاقتصادية التي يعاني منها أغلب المواطنين في مصر نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية.
قتل الإناث:
وقتل الإناث يعتبر انتهاكا لحق الإنسان الأساسي في الحياة والحرية والأمن الشخصي، كما أنه عقبة أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فبحسب منظمة الصحة العالمية يُعرف قتل الإناث الذي يرتكبه زوج حالي أو سابق أو صديق باسم قتل الإناث الحميم أو قتل الشريك الحميم، وتظهر النتائج الأولية لدراسة أجرتها المنظمة مع كلية لندن للصحة والطب الاستوائي أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 35% من جميع جرائم قتل النساء على مستوى العالم.
ويعتبر “قتل الإناث” مفهومًا جديدًا نسبيًا والمصطلح السائد عالميا في الوثائق الرسمية، وهو يشير إلى الجريمة المحددة المتمثلة في قتل أنثى عمدا، سواء كانت امرأة أو فتاة، بسبب جنسها، وقد بدأت بعض الحركات النسائية منذ أوائل التسعينيات في استخدام هذا المفهوم، ومنذ مطلع الألفية، تم اعتماده أيضًا في العلوم الاجتماعية لفهم تلك الخصائص التي تميز بين قتل النساء والرجال، والتي كانت حتى الآن محجوبة من قبل مصطلح محايد “قتل”. غالبًا ما يكون قتل الإناث هو الفعل الأخير في علاقة مسيئة، وبالتالي يتم تضمينه في الفئة الشاملة للعنف ضد النساء والفتيات.
وتتعدد الدوافع والأسباب وراء قتل الإناث في مصر، فهناك قتل “الشريك الحميم للإناث”، أن تُقتل امرأة على يد زوجها الحالي أو السابق، في كثير من الأحيان في سياق علاقة مسيئة سابقة، حيث تشير الدراسات إلى أن محاولة الهروب من علاقة مسيئة أو السعي إلى الطلاق أو القطيعة هي أحداث تعرض المرأة لخطر القتل على يد شريكها الحميم (Sylvia Walby وآخرون، 2017)، أو بدافع شعور الجاني بالملكية إزاء الضحية، أو بناءً على القوالب النمطية الجنسانية غير المتكافئة؛ أحيانًا يكون الجاني أيضًا غير قادر عاطفيا على تصور الحياة بدونها.، وهذا هو الواضح حتى الآن في جريمة حمادة العجوز.
ويعد قتل النساء باسم الشرف، من أقدم الجرائم ضد النساء في مصر، وعادة ما يرتكب هذا من قبل الأقارب (بما في ذلك النساء)، عندما ترى الأسرة أن سلوك الضحية قد تجاوز القواعد الأبوية الصارمة، بطريقة تسئ لسمعة الأسرة، أو الذي يشتبه في أنها أقامت علاقات جنسية قبل الزواج أو خارج نطاق الزواج. وفي بعض الحالات، كانت المرأة المقتولة ضحية اغتصاب أو اعتداء جنسي في السابق، وهذه النوعية من الجرائم تمثل نسبة 92% من جرائم قتل الإناث بحسب دراسة لـ المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية.
والحقيقة أنه لا يوجد سبب واحد لقتل الإناث. وفقا للدراسات ينتج قتل الإناث عن التفاعل المعقد لعدة عوامل، من حالة وسلوك الأشخاص المعنيين، وكيفية ارتباطهم ببعضهم البعض، فضلا عن التمثيل السائد لأدوار الذكور والإناث في المجتمع، والذي يضع المرأة في مكانة أقل داخل المجتمع المحلي ما يمثل عقبة أمام تمكينها، يأتي ذلك بجانب نقص أو عدم وجود خدمات مخصصة (مثل البيوت الآمنة، ومسئولو الشرطة المدربين).