في 4 ديسمبر الماضي وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدي، من حيث المبدأ على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 والذي يتضمن (333) مادة، ويشتمل مشروع القانون على تعديلات لكافة أحكام قانون الإجراءات الجنائية بهدف تحقيق العدالة الناجزة وتنفيذ الالتزامات الدستورية ذات الصلة بالقواعد الإجرائية الجنائية، ومواكبة التوجه الحديث في التشريعات الجنائية، والأخذ بالوسائل البديلة لتسوية المنازعات الجنائية ذات الطابع الشخصي أو المالي أو الاقتصادي، وقد تضمن مشروع القانون على أحكام جديدة تتفق مع الدستور في توفير المساعدات القضائية بمرحلتي التحقيق والمحاكمة، فضلا عن ضمان حماية الشهود المبلغين والمجني عليهم في إجراءات التحقيق والمحاكمة.

اقرأ أيضا.. مأزق القانون وصناعته

وتكمن الحاجة الملحة في استحداث تعديلات تشريعية لقانون الإجراءات الجنائية من ناحية كونه هو ما يعبر عن الشرعية الإجرائية التي ينبغي توافرها كإطار حاكم لكافة مراحل المحاكمات الجنائية منذ لحظة القبض على المتهم، وصولاً إلى المحطة الأخيرة من المحاكمة الجنائية والمعتبرة بصدور حكم نهائي في القضية محل المحاكمة، كما تعد شرعية الإجراءات الجنائية إحدى صور الشرعية الجنائية بوجه عام، فهي الحلقة الثانية من حلقات الشرعية الجنائية المتكونة من شرعية الجرائم والعقوبات (الشرعية الموضوعية) وشرعية الإجراءات (الشرعية الإجرائية)، فشرعية الإجراءات الجنائية تشكل مبدأ يكفل احترام الحرية الشخصية في مواجهة السلطة ويضمن التمتع بالكرامة الإنسانية، فيوجب أن تخضع جميع الأعمال الإجرائية لتنظيم القانون من حيث شروط صحتها وآثارها فلا يعد الإجراء صحيحا إلا إذا جاء مطابقا لأحكام القانون، ويقابل في أهميته مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فإذا كان هذا المبدأ الأخير هو أساس قانون العقوبات، فإن مبدأ الشرعية الإجرائية يحدد الطريق الذي يجب أن ينتهجه المشرع الإجرائي ويضع الإطار الذي يجب أن يلتزمه المخاطبون بالقواعد الإجرائية.

وتبدو أهمية إنفاذ التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية وضرورتها في ضمان إنفاذها لالتزام دستوري يقع على عاتق الدولة على الرغم من تأخرها لسنوات قاربت فيها المهلة الدستورية على الانتهاء، والمتمثل في إنشاء محاكم استئنافية للجنايات وذلك بحسب نص المادة 96 من الدستور المصري لسنة 2014، كما نص الدستور في المادة 240 منه على أنه: “تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك.

وبحسب كلام النائب البرلماني إيهاب رمزي لموقع مصراوي الإلكتروني بتاريخ 3 يناير الجاري، وهو أحد الأعضاء الذين يتبنون التعديلات الجديدة لقانون الإجراءات الجنائية، فإن القانون يضمن أن القاضي الذي يعلم أن حكمه سيكون محل بحث ومُعرض للتعديل من محكمة أخرى يبذل حرصا أكبر وعناية أشد في بحثه للقضية وعند إصداره لحكمه، وكذلك إتاحة الفرصة للمحكوم عليه لتدارك ما فاته من أوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى موضحا أن القانون صنع لإقامة العدل بين الناس، ودور الدولة هو تطبيقه، ولذلك فلابد من إقامة التوازن بين حق الدولة في العقاب عن طريق حصولها على دليل الإدانة، وبين حق المتهم في التمسك بأن الأصل في الإنسان البراءة وهو يعني أن كل إنسان يعد بريئا حتى تثبت إدانته في محاكم عادلة وفرت له فيها وسائل الدفاع عن نفسه. كما أوضح أنه من المسلم به أن الحق في الاستئناف ومبدأ التقاضي على درجتين، وجهين لعملة واحدة، إذ يعني مبدأ التقاضي على درجتين إتاحة الفرصة للمحكوم عليه بعرض دعواه أو قضيته من جديد أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرته، بمعنى أن الدعوى أو القضية تنظر من محكمتين على التوالي، إذ يكون الحكم الصادر من محكمة أول درجة قابلا للطعن عليه بالاستئناف أمام محكمة ثاني درجة أو محكمة استئناف أعلى، ولا يصبح الحكم نهائيا بعد صدوره من محكمة الدرجة الأولى، إلا إذا شاء المحكوم عليه فيه ألا يستأنفه في المواعيد المحددة قانونا لذلك، مشيرا الى أن مبدأ التقاضي على درجتين شأنه في ذلك شأن الحق في الاستئناف، وهو الأمر الذي يختلف عن الطعن بالنقض، كما أنه يتفق مع صريح نصوص المواثيق الحقوقية المرتبطة بهذا الأمر، وأهمها في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ويجب ألا يقف أمر التعديلات التشريعية عند هذا الحد فقط، وهو الأمر الواضح من البيانات الإعلامية المرتبطة به، حيث يتناول مواد الحبس الاحتياطي، وهو من الأمور شديدة الحساسية والخطورة على حقوق وحريات المواطنين، وذلك لكون التشريعات المصرية الحالية تتطاول على حريات المواطنين في خصوص تمديد الحبس الاحتياطي، على الرغم من اتفاق كافة المدارس القانونية والتشريعية على كونه من الأمور المؤقتة التي يجب عدم التوسع فيها والسعي نحو استخدام البدائل المتاحة عوضا عنه، والتي باتت من الأمور المستقرة في العديد من التشريعات الإجرائية الحديثة، وبالتالي فإننا نتوجه لأعضاء مجلس النواب أن يضعوا في حسبانهم مدى التجاوز في المدد المسموح بها في ذلك الحبس الاحتياطي، إذ إنني من أنصار عدم اللجوء إليه كإجراء إلا في حالات الضرورة القصوى أو الحاجة الملحة لاستخدامه، كما أنه في أحوال استخدام الحبس الاحتياطي يجب ألا تتجاوز مدته ستة أشهر دون الإحالة إلى المحكمة الموضوعية، وإلا استوجب الأمر إخلاء سبيل المتهم المحبوس الاحتياطي.

ومن زاوية ثالثة يجب الانتباه جيدا لأمر إعلان المتهمين بالجلسات، وهو من الأمور الهامة خصوصا فيما يرتبط بالتعديلات الحديثة التي تسعى إلى استحداث حضورية الأحكام بناء على إعلان المتهم بالجلسات، إذ إنه من الأمور المعروفة في الواقع المصري أن أحوال المحضرين “وهي الجهة التي تقوم بإعلان المتهمين” لا يخفى على أحد ما تمر به من ترد في أداء الوظيفة وتمام الإعلان على النحو الذي يبتغيه القانون، وتتحقق منه الغاية من ذلك الإعلان، وهو من أهم الضمانات التي يجب تحقيقها للمتهمين، ولا يتسنى ذلك إلا بضمان وصول الإعلان للشخص المرغوب في إعلانه، حتى تتحقق الغاية من ذلك الإعلان.

وهذه مجرد نقاط رئيسية يجب أن يلتفت إليها المشرع المصري حال مناقشته لمشروع القانون المعروض بتعديل قانون الإجراءات الجنائية حتى نضمن بشكل كبير شرعية المحاكمات الجنائية.