أطلق مصريون بالخارج مبادرة جديدة بعنوان “كن إيجابي”، تستهدف 10 ملايين شخص لدعم الاقتصاد المصري بنحو ملياري دولار. ذلك في خضم أزمة العملة الصعبة التي يعاني منها حاليًا، وانعكست على حجم الواردات المخزنة بالجمارك والأسعار بالسوق المحلية.

لا يعرف حتى الآن من صاحب فكرة المبادرة التي تبناها اتحاد المصريين في الخارج. فكل من يتحدث عنها حاليًا من مواقع الأخبار المصرية المحلية، يقول إنها من بنات أفكاره، وأن مثل هذه المبادرات أمر أصيل عند المصريين منذ نكسة 1967.

الدكتور عصام الدين بسيوني نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج في أمريكا
الدكتور عصام الدين بسيوني نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج في أمريكا

الدكتور عصام الدين بسيوني نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج في أمريكا، قال في تصريحات صحفية، إن المبادرة التي تبناها الاتحاد تستهدف 10 ملايين مصري بالخارج سواء المؤيدين لأداء الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصادية أو غير المؤيدين لها لأنها تدعم في المقام الأول الاقتصاد المحلي.

تقوم المبادرة -وفقًا لبسيوني- على تحويل كل مصري 200 دولار لأحد أقاربه على أن يتسلمها بالجنيه. الأمر الذي يساهم في تعزيز الاحتياطي النقدي. لكن افتراض أن جميع المصريين بمختلف توجهاتهم سيشاركون فيها كان تعميمًا واسعًا.

نادر أبو فهد، أحد المصريين بالخارج، من المتشككين إذ تطرق إلى التعقيدات التي يواجهونها في وطنهم الأم. وهو على سبيل المثال مغترب منذ 22 عامًا متصلة وغير قادر على استخراج بطاقة رقم قومي ولا جواز سفر مُميكن. يتساءل: “كيف اتبرع لدولة لا تقدم لي أبسط حقوقي؟”، على حد قوله نصًا.

“هي ليست تبرعًا بالمعنى التقليدي؛ فالأموال لن يتم تحويلها لصالح حساب ولكن لصالح الأقارب الذين سيتولون القيام بتك الخطوة، وتحديد الجهة التي سيتم التبرع إليها”، يقول إبراهيم السيد، المصري المقيم بالسعودية. وهو يرى الفكرة -حسب تصوره- تقوم على إرسال مبلغ إضافي يتم تحويله بالجنيه المصري لتوفير الدولار بالسوق وضبط الأسعار المحلية.

مبادرات دون جدوى

تعيد تلك المبادرة التذكير بمبادرة أخرى سابقة تم تدشينها عام 2016 أيضًا للتبرع بـ 100 دولار. وهي تشترك معها في عدم تبنيها من قبل جهة واضحة، وسيطرة النزعة الفردية عليها، إلى جانب عدم تحديد النشاط المستهدف دعمه، والفئة المستفيدة منه.

اقرأ أيضًا: تحويلات المصريين بالخارج.. مورد اقتصادي يقوضه غياب الثقة وتراجع الفعالية

على عكس الحملتين سابقتيّ الذكر، كانت مبادرة مساهمة المصريين بالخارج في مشروعات “حياة كريمة” هي الأكثر وضوحًا لوقوف جهة رسمية حكومية ورائها ممثلة في وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وليلى بنس، مستشارة إدارة الثروات بالولايات المتحدة ومصرية الأصل. لكن آخر البيانات الصادرة بشأنها تؤكد جمعها ما يعادل 5 ملايين جنيه مصري فقط.

منذ ثورة 25 يناير 2011، توجد العديد من المبادرات التي تستهدف مشاركة المصريين في الخارج لدعم الاقتصاد. من بينها مبادرة السندات الدولارية، والتي لم يتم تحديد حجم الأموال التي ضخها المصريون في الخارج بها.

مشروعات "حياة كريمة" (الصورة - وكالات)
مشروعات “حياة كريمة” (الصورة – وكالات)

تم الحديث عن تلك المبادرة، التي تمت بالتعاون بين البنك المركزي ووزارة المصريين بالخارج كثيرًا. واستهدفت المصريين بالدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات والكويت، بإتاحة طرح سندات على شرائح تبدأ بألف دولار للسند، وحتى 50 ألفًا.

تجدد الحديث عن تلك السندات مجددًا مع تراجع السندات المصرية المقوّمة بالدولار لأدنى سعر لها عالميًا، لتباع بحوالي 55% من قيمتها. خاصة المستحقة بحلول 2049، وتباع تلك السندات حاليًا عند 51 سنتًا مقابل 65 سنتًا لسندات أخرى.

كما تم تدشين مبادرة أخرى للفنان محمد صبحي للعشوائيات، تبنتها مؤسسة “معًا لتطوير العشوائي”. وانضم لها المصريون في أوروبا بهدف إنشاء مدينة بديلة بتكلفة 480 مليون جنيه على طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي.

حتى التيارات الدينية، أطلقت هي الأخرى مبادرات تستقطب المصريين بالخارج، مثل الداعية محمد حسان، لاستبدال المعونة الأمريكية في 2012. وقد أعلن عن حساب في البنك من أجل جمع 1.3 مليار دولار، وتم تقديم تلك المبادرة في ثوب من المشاعر الوطنية.

كما استغل نظام الرئيس الراحل حسني مبارك سياسة المبادرات أيضًا في الثمانينيات، حينما تم تدشين مبادرات لسد ديون مصر، وتنظيم مباراة كرة قدم بين الأهلي والزمالك يخصص إيرادها لهذا الغرض، إلى جانب حفلات من المواطنين.

هل المبادرات تحل أزماتنا؟

وليد جاب الله الخبير الاقتصادي
وليد جاب الله الخبير الاقتصادي

يقول اقتصاديون إن المبادرات يجب أن تحفز على العمل والإنتاج، وهو مطلب يظهر في حديث المصريين في الخارج حاليًا، الذين يطالبون بفتح مجالات أوسع للاستثمار بمصر وتأسيس المصانع.

يرى الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن مبادرة دعم الاقتصاد بتحويل 200 دولار التي صدرت من المصريين بالخارج تأتي في إطار دورهم في مساندة الوطن. لكنها لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى آلية لتفعيلها. فضلًا عن تحديد الجهة التي ستتلقى الأموال حتى تحقق النجاح وتستوعب المصريين المنتشرين في جميع دول العالم.

أضاف جاب الله أن المصريين يبلغ عددهم نحو 10 ملايين. لكن هذا الرقم يتضمن المصريين سواء العاملين وأسرهم وبعد استبعاد غير العاملين يتبقي نحو ربع العدد. لكنه لا بد من دعم الاقتصاد، ولابد من التأكيد على أن تلك المبادرات مكملة. لكنها ليست الأساس.

وهو ما يؤكده خبراء اقتصاد، يتفقون على أن المبادرات أمر جيد. لكنها لا تكفي لإنعاش الاقتصاد. فالأمر يتطلب حتمية زيادة الاستثمارات الأجنبية داخل مصر، ووضع خطة ممنهجة لإنعاش الصناعة والتجارة والزراعة للبدء في دفع الاقتصاد القومي للتقدم.

تقول حنان رمسيس، خبيرة الاقتصاد، إن المبادرة جيدة بعد محاولات البعض جذب تحويلات المصريين من الخارج إلى السوق السوداء بدلًا من السوق الرسمية، عن طريق جمعها في الخارج من قبل مغتربين أيضًا، ومنح أهاليهم الذين يفترض تحويل الأموال إليهم عائدها بالجنيه في مصر. وهو الأمر الذي توقف بعد تحريك سعر الصرف أخيرًا.

ومع ذلك، فهي ترى أن المبادرة تواجه تحديات تتعلق بتأثر دخل المصريين في الخارج بمحاولات من قبل أصحاب الأعمال في البلاد التي يعملون بها، تخفيض أجورهم، بزعم انخفاض قيمة الجنيه في وطنهم الأم. الأمر الذي يتطلب من القطاع المصرفي حاليًا تخفيض رسوم التحويلات لأقل درجة ممكنة، تشجيعًا لأصحاب الدخول البسيطة على تحويلها لذويهم بدلًا من تجميعها والانتظار حتى العودة في الإجازات السنوية.