اختتمت أعمال الاجتماع الثالث للجنة التوجيهية لمنتدى النقب، الذي عقد على مدار يومين واستضافته الإمارات مؤخرا بمشاركة البحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة وإسرائيل.

اجتماع النقب الذي عقد في أبو ظبي وجمع نحو 150 مسئولا حكوميا، وصف بأنه الأكبر منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ويأتي بحسب ما أعلن في إطار تعزيز التعاون الإقليمي في العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون العسكري بين الدول المشاركة.

كذلك استهدف المشاركون، مواصلة الحوار وتعزيز التعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك يعد استعدادا لقمة وزراء خارجية منتدى النقب المزمع عقدها في المغرب مارس/ آذار المقبل.

اقرأ أيضا.. ناتو الشرق أوسط “خرافة” إسرائيل التي تراهن على تحققها

ركزت مجموعات العمل في المنتدى على 6 موضوعات ستشكل أساس الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية في المغرب وهي الأمن الغذائي والأمن المائي، والأمن الإقليمي، والسياحة، والصحة، والتعليم والتسامح، والطاقة، باعتبار تلك القضايا الأهم في خضم أزمتي جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية.

تعزيز التعاون العسكري

التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية
التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية

علق  مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت،  قائلا: “هذا اجتماع مثمر لمجموعات العمل”، كما صرح بأنه جرى التباحث على نطاق واسع بشأن القضايا المتعلقة ببناء القدرات وتبادل المعلومات من أجل البناء على التعاون العسكري القائم بالفعل بين الدول المشاركة، والتعامل مع  التهديدات الأمنية المختلفة.

كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أنّ “منتدى النقب” الذي تأسس بمبادرة أمريكية، يمثل “عملية جديدة” للتعامل مع النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

بينما قال وزير الخارجية  الإسرائيلى إيلي كوهين، إنه يتوقع “رؤية ثمار هذه  الاجتماعات تنعكس في الأشهر المقبلة في المشاريع المشتركة من الدول الأعضاء”.

مصر.. الحفاظ على الموقف الإقليمي

كشفت الدورة الأولى لمنتدى النقب في مارس الماضي، إحباطا للدول العربية إزاء التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وعلى الرغم من تداول تكهنات بشأن قيام دول الشرق الأوسط بتشكيل تحالف أمني لتأمين مصالحها إزاء التهديدات الخارجية، إلا أن المشاركين استبعدوا فكرة إنشاء ناتو عربي ضد إيران.

كذلك كانت الحكومة المصرية أقل اهتمامًا ببناء تحالف إقليمي مناهض لإيران وأكثر ميلًا لدفع التعاون الأمني العربي الإسرائيلي في اتجاهات تعالج الأزمات الرئيسية في الشرق الأوسط ، وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال مؤتمر صحفي في البحرين، أنه رغم التقارير المتداولة في وسائل الإعلام عن تشكيل وشيك لتحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، فمن غير المرجح أن يحدث هذا في أي وقت قريب.

دور أمني فى البحر الأحمر

فى الوقت ذاته، تلعب مصر دورا كبيرا في مسألة أمن البحر الأحمر، وتعتبر ركيزة أساسية في أي آلية أمنية محتملة فى المنطقة، ويمثل أمن البحر الأحمر، أهمية كبيرة للأمن القومي المصري، ومؤخرا سلمت البحرية الأمريكية قيادة فرقة القوة الدولية البحرية  قوة المهام المشتركة “153” إلى القوات البحرية المصرية.

كما أكدت القوات المسلحة أن قوة المهام المشتركة (153) أحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات بكافة أنماطها.

استياء مصري

مرت علاقة مصر بإسرائيل خلال الشهور الماضية بمحطات من التوتر، خلال سبتمبر 2022 على وجه التحديد، وحسب تقارير  صحفية عدة، زار وفد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى القاهرة، لاحتواء غضب مصري من  تنصل حكومة الاحتلال من تعهداتها بشأن قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة بوساطة مصرية، وكان أحد بنوده إطلاق سراح بعض الأسرى.

كما تناول الوفد قضية  إسقاط  الدفاعات الإسرائيلية، مسيّرة مصرية فى سماء النقب في وقت سابق، فضلا عن  طرح قضية  القبور الجماعية  للجنود المصريين الذين استشهدوا خلال حرب 1967 ، والتي سبق ووعد رئيس وزراء الاحتلال السابق، يائير لبيد ببذل كل ما يلزم للعثور على مكان دفنهم.

تحذير  مصري

إدانات واسعة لاقتحام المسجد الأقصى
إدانات واسعة لاقتحام المسجد الأقصى

نهاية ديسمبر، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتصالا برئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب بنيامين ننتنياهو،  وبحث سبل تنفيذ وعود إسرائيلية سابقة للحفاظ على  التهدئة في قطاع غزة وطالبت القاهرة خلال الاتصال بضرورة “تجنب أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى توتر الأوضاع وتعقيد المشهد الإقليمي”.

ومؤخرا اعلنت وزارة الخارجية المصرية، أسفها لاقتحام المسجد الأقصى، رافضة “أية إجراءات أحادية مخالفة للوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس”. وحذرت من “التبعات السلبية لمثل هذه الإجراءات”، داعيةً إلى “ضبط النفس والتحلي بالمسئولية والامتناع عن أية إجراءات من شأنها تأجيج الأوضاع”.

تشاور مصري سعودي

أجرى وزير الخارجية المصري زيارة مهمة للسعودية، ضمن آلية الاجتماع الوزاري للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين، وتناول البيان الصادر عن اللقاء، تطورات عملية السلام والقضية الفلسطنيية، والعلاقات الإيرانية العربية، وضرورة التزام طهران واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون العربية. كما تم التأكيد أن الأمن العربي كلٌ لا يتجزأ، بالإضافة إلى أهمية العمل والتضامن العربي المشترك على أن تضطلع كل من السعودية ومصر بدور قيادي ومحوري لتحقيق استقرار المنطقة سياسيًا واقتصاديًا.

وأشار البيان إلى ضرورة حث إيران على الالتزام بالمبادئ الدولية لعدم التدخل في شؤون الدول العربية، والمحافظة على مبادئ حسن الجوار وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما يشكل ردا على مطالب بتكوين جبهة بمشاركة إسرائيل ضد إيران وفي الوقت ذاته إعلان واضح لإيران بضرورة تغيير سياساتها.

تفاهمات عربية إيرانية

الكاتب عبدالله السناوي، علق على منتدى النقب الأول، وقال إن إسرائيل تطرح فكرة المنتدى لقطع الطريق على أية تفاهمات ممكنة قد تحدث بين إيران والسعودية. كما مثل الاجتماع محاولة أخرى لقطع الطريق على أية أدوار مصرية ممكنة إذا ما ارتفعت إلى ما تستحقه من أدوار وأوزان.  خاصة أن الاتصالات الإيرانية السعودية، وبما فيها من تفاعلات محتملة حسب “السناوي” قد توقف موجة “الاتفاقيات الإبراهيمية” وتساهم في مد خطوط التواصل السعودي مع النظامين الإيراني والسوري.

الموقف الإسرائيلي

أسماء الصفتي المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة
أسماء الصفتي المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة

تقول أسماء الصفتي المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة، إن هناك دلالات قوية وراء عقد  قمة منتدى النقب الأخير في أبو ظبي، والانعقاد الثاني المتوقع لقمة وزراء خارجية النقب في المغرب مارس المقبل، إذ أن هذه الفعاليات تعقب نجاح بنيامين نتنياهو في الوصول إلى رأس السلطة في إسرائيل مرة أخرى، وتشكيله لحكومة يمينية متطرفة.

كما يأتي اجتماع أبو ظبي في أعقاب توتر العلاقات بين الأردن وإسرائيل على خلفية اقتحام الوزير الإسرائيلي الجديد إيتمار بن جفير للمسجد الأقصى، ورفض عمّان المشاركة في القمة، في ذات الوقت شاركت الإمارات في دعوة مجلس الأمن للانعقاد لمناقشة الاقتحام الأخير للمسجد الأقصى.

وعن أهمية ودلالات اجتماع أبو ظبي لإسرائيل، تقول الصفتي: “تؤكد إسرائيل استمرار انفتاح الدول العربية على إقامة علاقات رسمية معها، رغم تبني حكومة نتنياهو لهجة أكثر تشددا، وإعلانها السعي لضم الضفة الغربية، وهو الأمر الذي لم تقدم أي حكومة سابقة على إعلانه بصورة صريحة”.

وكان “نتنياهو” قال إن التطبيع مع الدول العربية أنهى معادلة “الأرض مقابل السلام”، مشيراً إلى أن المعادلة القائمة حالياً “السلام مقابل السلام”. ساهم في ذلك حسب “نتنياهو” التحول في نظرة دول عربية إلى إسرائيل كدولة عدو إلى حليف في مواجهة ما سماه العدوانية الإيرانية.

استبعاد ناتو الشرق الأوسط

عادل ياسين المتخصص في الشأن الإسرائيلي
عادل ياسين المتخصص في الشأن الإسرائيلي

يؤكد عادل ياسين الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي أن الهدف الأساسي من هذا المنتدى سياسي بحت، حيث تسعى إسرائيل من خلاله إظهار مدى قبولها في العالم العربي والوصول إلى الشعوب العربية عبر البوابة الاقتصادية؛ لإدراكها بأن السلام مع الأنظمة لن يكفي وقد ينتهي في حال حدوث تغيير سياسي.

يضيف “ياسين”: “لن يكتب لأي اتفاقية سلام مع إسرائيل النجاح ما لم يكن هناك قبول شعبي، عدا عن ذلك، فإن اجتماع أبو ظبي يمثل محاولة لترميم صورة إسرائيل بعد خسارتها الإعلامية في مونديال قطر، حيث ظهر التفاف الجمهور العربي حول القضية الفلسطينية ونبذ إسرائيل لكونها كيان محتل”.

أما عن مواجهة طهران، يرى “ياسين” أن إيران هي الحاضر الغائب في المنتدى – باعتبارها قاسم مشترك تستفيد منه إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج وترويج فكرة تصدرها لمحاربة المشروع النووي الإيراني، والادعاء بأن إيران تشكل خطرا على دول الخليج وعلى العالم.

مخرجات القمة

توافقت الدول المشاركة في المندى بأبو ظبي على الالتزام بالاجتماع ثلاث مرات خلال العام الواحد، وتسمية المغرب كمستضيف للاجتماع المقبل لقمة وزراء خارجية دول المندى.

وتشير أسماء الصفتي، إلى أن إسرائيل لا تعول كثيرا على الخروج بخطط واتفاقيات واضحة ومحددة للتعاون في عدد من المجالات خاصة مجال تبادل المعلومات والتكنولوجيا والتعليم والتعاون الأمني، وهو ما اتضح بصورة كبيرة في التصريحات الأخيرة للمسئولين الإسرائيليين والأمريكيين تعليقا على مخرجات اجتماع ابو ظبي.

بينما يري عادل ياسين أن توصيات إسرائيل خلال المنتدى تتمثل في آلية جمع المعلومات وحشد الجهود لإقناع الدول الأوروبية بتشديد العقوبات على طهران، ويستبعد إقدام إسرائيل على العمل العسكري ضد إيران رغم كل التهديدات والتصريحات والتدريبات وتخصيص الميزانيات وتحديث الخطط، ويرجع ذلك لإدراك إسرائيل تداعيات الحرب مع إيران.

تنسيق إسرائيلي أمريكي

وتحاول الولايات المتحدة دمج إسرائيل أمنيا في المنطقة، كما تمثل في خطوة وضع إسرائيل رسميا تحت مسئولية القيادة المركزية للجيش الأمريكي في سبتمبر/ أيلول 2021 بهدف تحسين الاتصال والتنسيق بين إسرائيل وحلفاء الولايات أمريكا في المنطقة ضد إيران، لكن اجتماع النقب الأول لم يسفر عن نتائج ملموسة في هذا الاتجاه.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أنّ “منتدى النقب” الذي تأسس بمبادرة أمريكية، “عملية جديدة” للتعامل مع النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما تراهن الإدارة الأمريكية على تعزيز وتوسيع “اتفاقيات أبراهام.

وسبق وأعلن نتنياهو  بعد فوزه برئاسة الوزراء، أن أحد خططه المستقبلية، توسيع  دائرة السلام، كما أعتبر أن التطبيع مع السعودية أحد اهدافه المقبلة، والذي إذا تم سيعد إنجازا.

حضور سعودي رغم الغياب

من ناحية أخرى، يرى دافيد هوروفيتس، المحلل الإسرائليي،  خلال تحليله لقمة النقب الأولى، أن المملكة العربية السعودية ذات الوزن السياسي الثقيل في المنطقة غائبة عن القمة، لكن ستحضر بروحها وقوتها من وراء الكواليس. حيث تعمل على تعزيز الوحدة الإقليمية ضد طهران – ليس خطابيا ولكن عمليا، من خلال مشاركة معلومات استخباراتية، وتطوير أنظمة الدفاع.

بينما رأت الباحثة في الشأن الإيراني ميرفت زكريا، أن اجتماع المنتدى الأخير مثل منصة لتوجيه إدانات لإيران ودورها المزعزع للاستقرار في بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ميرفت زكريا الباحثة في الشأن الإيراني
ميرفت زكريا الباحثة في الشأن الإيراني

ومن المتوقع أن تطال هذه الانتقادات أيضاً شؤونها الداخلية وخاصة فيما يتعلق بالاحتجاجات التي تدخل شهرها الخامس، وتزايد معدل الإعدامات التى تقوم بها إيران في هذا الإطار للشباب من المحتجين.

أما عن موقف مصر، فترى زكريا إنها مازالت على موقفها السابق الذي أعلنت فيه أنها تعارض إقامة أي تحالفات أو تكتكلات أمنية ضد إيران في المنطقة، ولا سيما أن ذلك يتزامن مع تعطل مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران ومجموعة (4+1) بشكل مباشر والولايات المتحدة الأمريكية بطريقة غير مباشرة.

وتضيف “زكريا” أن دلالة توقيت اجتماع اللجنة التوجيهية في أبو ظبي تحمل انعكاسات مهمة كونها قبيل انعقاد قمة وزراء خارجية المنتدى في المغرب مارس المقبل، في إطار البرنامج الدفاعي الذي تشارك فيه مصر مع كل من تل أبيب وأبوظبي في تعزيز تأمين طريق التجارة الدولية بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب المتصل بحركة العبور في قناة السويس، والتي تعد مصدراً أساسياً من مصادر النقد الأجنبي لمصر.