رغم الأزمة العنيفة التي يعيشها الاقتصاد المصري، تشهد الشركات الناشئة المصرية، قفزات كبيرة على مستوى النمو والتمويل الخارجي ونسب الاستثمار. بما يؤكد أن الفكرة الناجحة، ودراسة الجدوى الجيدة تجذب التمويل بسهولة. فالعائد في النهاية سيكون مضمونًا.

ارتفع عدد الشركات الناشئة المصرية المتخصصة في التكنولوجيا المالية والشركات المغذية إلى حوالي 112 شركة في 2021 من أصل شركتين فقط عام 2014، بمعدل نمو تجاوز 178%. بينما ارتفع عدد الشركات الناشئة المصرية بوجه عام ليبلغ 677 شركة بمتوسط عدد 45955 فرصة عمل وفرتها هذه الشركات، بحسب مبادرة رواد 2030.

وتعد الشركة الناشئة هي مؤسسة ذات تاريخ تشغيلي قصير، غالبًا، وفي طور النمو والبحث عن الأسواق. وأصبح هذا المصطلح متداولًا على نطاق عالميّ بعد انتشار الانترنت. وتعتمد هذه الشركات على وجود فكرة رائدة وخطة تمويل وعمل محكمة، وفريق عمل يساعد على التنفيذ، إضافة إلى تواجد معايير الأداء لضمان استغلال الوقت.

حققت الشركات المصرية الناشئة نموًا سنويًا مركبًا على مستوى الربحية بنحو 84% خلال السنوات الخمس الماضية، بقيمة استثمارات إجمالية تعادل 1.5 مليار دولار، لتتصدر المرتبة الأولى بمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. ذلك رغم معاناة تلك النوعية من الشركات من مشكلات صعبة على مستوى العالم.

رغم فشل “كابيتر”

قامت الشركات المصرية الناشئة بجذب تمويلات ضخمة رغم قيامها بنحو 710 جولات تمويل فقط خلال العام 2022. واستطاعت جمع 45.7 مليون دولار عبر 11 صفقة متجاوزة الإمارات والسعودية اللتين جذبتا تمويلًا يدور في فلك الـ 37 مليون دولار لكل منهما، رغم الفارق الكبير بين اقتصاديات الدول الثلاثة.

ارتفاع النمو في الشركات الناشئة المصرية جاء رغم أزمة شركة “كابيتر” منصة التجارة الإلكترونية المتخصصة في مجال السلع الاستهلاكية، التي احتلت المرتبة الثالثة، ضمن أهم الشركات الناشئة بمصر، قبل أن تواجه مشكلات مالية معقدة، واتهامات مؤسسيها بتضييع أموالها.

اقرأ أيضًا: كابيتر “فشل” الأخوين نوح.. آفة شركاتنا غياب دراسات الجدوى

تعد الشركات الناشئة بمصر مساهمًا رئيسيًا في التوظيف. إذ فتحت 562 شركة ناشئة مجال العمل لنحو 13 ألف فرد، وأغلبية تلك الشركات بقطاع التجارة الإلكترونية بنحو 2718 وظيفة تمثل 21% من الإجمالي، تليها التكنولوجيا المالية (2037 موظفًا)، وتكنولوجيا التعليم (1572 موظفًا).

ووفق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيًا وعالميًا في تأسيس الشركات الناشئة، بسبب تنفيذ مجموعة من الإصلاحات مثل منظومة الشباك الواحد وإصلاحات تشريعية وتطبيق منظومات عمل مدعومة تضمن إعفائها من وجود مقر فعلي، لتحصل على شكل قانوني أثناء عملية التأسيس، ما يفتح المجال أمام تأسيس شركات افتراضية للشركات المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات.

التكنولوجيا الزراعية والتقنية

قطاع التكنولوجيا الزراعية يحتل المرتبة الأولى في جمع التمويلات للشركات الناشئة بمصر. ذلك بعدما اجتذب 38 مليون دولار. يليه قطاع التكنولوجيا المالية، بتمويل 32 مليون دولار. ثم قطاع الموارد البشرية بتمويل 25 مليون دولار. وقطاع التكنولوجيا الغذائية بتمويل 22.5 مليون دولار في 2022.

سجل متوسط الجولة التمويلية في الشركات الناشئة المصرية 6.8 ملايين دولار عام 2022، مقارنةً بـ 4.2 ملايين دولار عام 2021. وقد وصل عدد الشركات الناشئة العاملة بمصر حاليًا 677 شركة، توسعت منها محليًّا ودوليًّا نحو 6.2%.

طبيعة التمويل الذي جذبته الشركات المصرية يظهر بوضوح أفكار الممولين الذين يقرأون الاقتصاد العالمي بعناية. إذ تم التركيز في التمويل على الأفكار المتعلقة بالتقنيات الزراعية أو المرتبطة بالأمن الغذائي والتكنولوجيا المالية. وهي أمور مضمونة النجاح في اقتصاد يضم 100 مليون مستهلك.

الصورة - وكالات
الصورة – وكالات

شركات متخصصة

ميزة الشركات الناشئة في مصر أن غالبية هذه الشركات يقوم على تنفيذها أصحاب الفكرة ذاتها الذين يملكون المعرفة. مثل “فارمينال” العاملة بمجال تكنولوجيا الزراعة، التي استخدمت برمجيات لقياس حرارة الأبقار، للتنبيه المبكر عن حالات التهابها، ومنع انتشار المرض في قطاع الأبقار الحلوبة.

في القطاع ذاته، توجد شركة “سي يو بي” التي طورت آلات لتعبئة الألبان، و”أجريماتيك فارمز” التي طورت نظامًا في المزارع السمكية يعمل على توفير حوالي 90% من المياه. ذلك إلى جانب نقل الفضلات من خزّانات الأسماك إلى أحواض الزرع لتصبح الشركة عاملة بمجال الأسماك والخضروات العضوية معًا.

في قائمة “فوربس” توجد العديد من الشركات المصرية الناشئة الواعدة مثل (Lucky App) الذي يتيح لمستخدميه الدفع على أقساط، والاسترداد النقدي الفوري، والحصول على خصومات من أكثر من 25 ألف متجر، و”تريلا” هي منصة تقنية وسوق لشاحنات النقل، تربط الشاحنين بالناقلين. وتدير عملياتها في مصر والسعودية وباكستان، وBreadfast العاملة في توصيل المخبوزات، وPaymob الخاصة بالمدفوعات الرقمية، وHomzmart الخاصة بتوزيع الأثاث، وFoxPush هي منصة سحابية لإدارة الإعلانات.

التكنولوجيا المالية تتربع على العرش

بحسب تقرير صادر عن “فينتك إيجيبت“، التابع للبنك المركزي، قفز حجم الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المالية (Fintech) في مصر من مليون دولار فقط بعدد 3 صفقات عام 2017 إلى أكثر من 159 مليون دولار بعدد 32 صفقة خلال 2021. كما شهد العام الأخير ارتفاع الاستثمارات بنسبة تزيد عن 300%.

ارتفع عدد الشركات الناشئة التي تدعم التكنولوجيا المالية والعاملة من شركتين ناشئتين فقط في 2014 إلى 112 شركة بنهاية عام 2021 في أكثر من 14 قطاعًا فرعيًا من قطاعات التكنولوجيا المالية المبتكرة مثل المدفوعات والتحويلات، وأسواق الأعمال التجارية، والإقراض والتمويل البديل، وأغلب شركات التكنولوجيا المالية المصرية تم تأسيسها من قبل شباب تتراوح أعمارهم ما بين الـ 25  و35 عامًا.

وأطلق البنك المركزي، أخيرًا، أكاديمية رقمية في مصر”DigitalAcademy”، متخصصة في تنمية المهارات التقنية والفنية والتكنولوجية، موجهة للعاملين في القطاع المصرفي والمالي، وشركات التكنولوجيا المالية الناشئة، وبهدف مواكبة التحول الرقمي والتطور التكنولوجي المتسارع، وما يتبعه من تَغّيُّر نماذج الأعمال وسلوك العملاء.

هل يفيد التعويم الشركات الناشئة؟

محمد الحارثي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ساندكس” للاستشارات والحلول المتكاملة، اعتبر تحريك سعر الدولار مقابل الجنيه في صالح الشركات الناشئة التي لديها حلول رقمية قابلة للبيع في الخارج. فالتصدير يعد الملاذ الآمن للشركات الناشئة للخروج من عنق الزجاجة ومواجهة المتغيرات الاقتصادية الصعبة، وتغير أسعار الصرف أظهر أمام المستثمرين فرصة للتوسع في التصدير بجانب الشركات المعتمدة على الاستيراد.

بحسب خبراء التقنية، فإن مصر لديها فرصة واعدة تؤهلها لكي تصبح في مصاف الدول التي تقدم خدمات التعهيد للأسواق العالمية فحجم تلك الصناعة عالميًا يناهز 251 مليار دولار، تزيد إلى 294 مليار دولار خلال الـ4 سنوات القادمة، بحسب توقعات الخبراء.

الحارثي يشدد على ضرورة استجابة الشركات الناشئة للتطورات والتحديث، فالتاريخ يؤكد اختفاء بريق نحو %90 من شركات التكنولوجيا التي كانت رائدة فترة التسعينيات لعجزها عن التحديث والتطوير مع الإصرار على نموذج واحد للأعمال.

التعهيد هو استخدام واستئجار كفاءات وأفراد من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة (أجنبية أو محلية)، وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت بإعطاء الجهة المُستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسؤوليات وصلاحيات وهيكليات معينة وأنشطه كانت عادة تقوم بها ذاتياً المؤسسة الأصلية.

خلال تعاملات الأربعاء الماضي ارتفع سعر الدولار إلى حدود 32 جنيهًا في مستويات تاريخية ثم عاد للهبوط مرة أخرى عند مستوى 29 جنيهًا (الصورة - وكالات)
خلال تعاملات الأربعاء الماضي ارتفع سعر الدولار إلى حدود 32 جنيهًا في مستويات تاريخية ثم عاد للهبوط مرة أخرى عند مستوى 29 جنيهًا (الصورة – وكالات)

من أين يأتي التمويل؟

بحسب البنك المركزي، فإن التمويل الذاتي يأتي في المقام الأول ويمثل 42% من الشركات الناشئة بينما تتوزع النسبة المتبقية بين المستثمرين الملائكيين للمشروع  (29%)، والاستثمار المباشر (27%)، وحاضنات ومُسرعات الأعمال (16%)، التمويل عبر الديون (4%)، والبنوك وإدارة الأصول (4%)، وصفقات الدمج والاستحواذ (2%).

المستثمر الملاك هو شخص ثري يقدم رأس المال للشركات الناشئة غالباً مقابل سندات قابلة للتحويل أو حصص في المشروع، وهي فئة تختلف عن المستثمرين في رأس المال المخاطر، الذين يديرون أموال الآخرين لتمويل المشاريع الناشئة بطريقة احترافية تضمن تحقيق عوائد للمستثمرين وغالبا لا يستثمرون في الشركات التي لا تقل عن مليون دولار.

تنشط حاضنات الأعمال في مصر بالفترة الأخيرة، وهي كيان ومؤسسة تنموية تهدف بالدرجة الأولى إلى احتضان أفكار مشاريع وشركات ناشئة بكافة التخصصات والمجالات عن طريق تزويدها بحزمة من الخدمات والموارد مثل التسويق والاستشارات والتدريب والتمويل، كما تهدف الحاضنات من ناحية أخرى إلى تقليل البطالة وتنمية الاقتصاد.

من أهم حاضنات الأعمال بمصر “Start IT ” التابعة لوزارة الاتصالات وهي متخصصة بالجانب التكنولوجي في المقام الأول، ومبادرة رواد النيل التي بدأت عام 2019 بدعم من البنك المركزي المصري والقطاع المصرفي المصري بجانب شراكات مختلفة مع القطاع الحكومي والخاص.

يقول محمد كمال، الخبير الاقتصادي، إن أهم حاضنات الأعمال بمصر هي حاضنات مبادرة الأعمال التي تقدم مبادرة النيل الممولة من البنوك المحلية، وتدعم في ريادة الأعمال بمجالات التقنية والتحول الرقمي والتصنيع والزراعة، وقدمت 42 مليون جنيه دعما لشركات في 21 محافظة.

اقرأ أيضًا: لماذا تفشل الشركات الناشئة في مصر؟

ووفق “كمال”، فإنه لتأسيس شركة ناشئة، يجب أن تتبع الآتي: يجب أن تجهز خطة عمل للشركة الناشئة، وتحصل على تمويل مناسب، وتختار فريق عمل مؤمن بالفكرةـ، وتؤسس هوية رقمية، وتطور منتج أو خدمة، وتسوق نفسك جيدًا، وتكون قاعدة عملاء.

يضيف كمال أن التمويل بالديون أو الاقتراض لا يتجاوز 8% من إجمالي تمويل الشركات الناشئة وهو ما يجنبها كثيرا مشكلات ارتفاع سعر الفائدة الحالية، خاصة بعدما رفع البنك المركزي عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملة الرئيسية للبنك المركزي 16.25%، 17.25%، 16.75%، على الترتيب.

في قمة “تكني 2022” الأخيرة قدم شباب صغير السن عشرات الأفكار الواعدة التي كان في مقدمتها تطبيقات لحل مشكلات البرامج الإلكترونية بشكل مبسط، وأدوات تساعد ضعاف البصر على استخدام أجهزة الحاسب، وتصنيع خيوط معينة وتوفيرها للسوق المحلي بدلاً من استيرادها من الخارج

بحسب خبراء اقتصاد فإن أهم درس يمكن للمسئولين عن الاقتصاد الكلي تعلمه من تجربة الشركات الناشئة في مصر أن التقنية والتصنيع والأفكار المبتكرة قادرة على جذب استثمار مباشر وشراكات قوية، وأن المقرض الخارجي يقبل على التمويل عن طريق الشراكة وليس الدين حال ما إذا كان المشروع واعد وقابل للتنفيذ ومضمون الربحية.