تحديات كبرى تواجهها مصر في إفريقيا، التي تشهد تنافسًا دوليًا شديدًا بين روسيا والدول الأوروبية. لا سيما في منطقة الساحل وغرب القارة. فضلًا عن تنامي التنافس الإقليمي بين دول الخليج وإيران وتركيا في شرق وغرب القارة. هذا إلى جانب صعود بعض الدول الإفريقية للعب أدوار أكبر، خاصة إثيوبيا في منطقة شرق إفريقيا.

هذه التحديات تتطلب تعزيز الدور الدبلوماسي المصري، وإعادة صياغة العلاقات المصرية الإفريقية، وإطلاق إمكانات التعاون الاقتصادي والعسكري. وهو ما يمكن قراءته من خلال استراتيجية مصر لتنمية العلاقات مع القارة الإفريقية.

أهداف الاستراتيجية المصرية

تؤطر السياسة الخارجية المصرية تجاه دول شرق إفريقيا على وجه التحديد، مجموعة من المحددات. منها الحفاظ على الأمن المائي المصري، وتأمين المصالح المصرية في البحر الأحمر، والعمل مع القوى الدولية في تعزيز الأمن الإقليمي.

وقد شكلت سياسة تفعيل مشروعات الربط والتكامل الإقليمي أحد أوجه السياسة الخارجية المصرية مع الدول الإفريقية. لا سيما مشروع ربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط.

المصدر: موقع مجلس الوزراء
المصدر: موقع مجلس الوزراء

كما استهدفت مصر تعميق الهوية الإفريقية للدولة، والاهتمام بحشد التأييد السياسي، وتكوين حاضنة قوية من الدول الإفريقية الداعمة، إزاء التحديات المصرية الراهنة، خاصة ما يتعلق بأزمة مياه النيل. لذا برز الدور المصري بوضوح في نطاق دول حوض النيل ودول القرن الإفريقي. ذلك فضلًا عن تعزيز التعاون الاقتصادي مع هذا المحيط.

العودة المصرية لإفريقيا

يرى د. سعيد ندا، المختص بالشؤون الإفريقية، أن مصر تنتهج استراتيجية العودة إلى إفريقيا. بينما يشير إلى أدلة ذلك في تحول العلاقات المصرية الإفريقية، وأن هذا التطور لا تخطئه العين في الآونة الأخيرة. ووضح ذلك خلال فترة رئاسة مصر الاتحاد الإفريقي عام 2019، على حد قوله.

صاغت مصر -وفق هذه الرؤية- استراتيجية العودة إلى الفضاء الإفريقي، على أسس من التنسيق والتعاون المشترك. فضلًا عن  توحيد الجهود المبذولة في مواجهة أزمات ومشكلات القارة. يقول “ندا” إن العلاقات المصرية-الإفريقية باتت تستند إلى عدة مبادئ أهمها: مبدأ حلول إفريقية لمشكلات القارة، ومبدأ الكل رابح، ومبدأ التعاون جنوب-جنوب.

ويشير ندا إلى أن مصر من خلال استراتيجيتها الجديدة، استهدفت عموم القارة، وانعكس ذلك على زيارات بعض زعماء الدول الإفريقية للقاهرة. ذلك فضلًا عن زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي لعدد كبير من الدول الإفريقية. إذ لم تقتصر الزيارات علي إقليم بعينه دون غيره. لكن وبحكم المصلحة الوطنية، ركزت مصر على تمتين علاقاتها في المدى القريب، ومد جسور التعاون مع دول إقليم شرق إفريقيا والقرن الإفريقي ودول حوض النيل، بما يتسق مع قضايا الأمن القومي المصري.

آليات التعاون

حرصت مصر في صياغة سياستها الخارجية تجاه الدول الإفريقية على التركيز على التحديات التي تواجه دول القارة، وأهمها التهديدات الأمنية والأزمات الاقتصادية وسوء إدارة الثروات الطبيعية. وحاولت نقل الخبرات ودعم الاستقرار والتنمية في دول القرن الإفريقي خاصةً.

من الناحية الاقتصادية، يشير “ندا” إلى جهود تنمية التبادل التجاري مع دول القارة، وإزالة كل المعوقات التي تواجه حركة التجارة وضمنها استراتيجية تنمية الصادرات المصرية للقارة الإفريقية، وتقديم دعم للمصدرين المصريين إلى إفريقيا، واستضافة المعرض الإفريقي الأول للتجارة البينية، أما في مجال الاستثمار المباشر قدمت مصر دعما  للشركات التي تستثمر في إفريقيا.

ترتكز الاستثمارات المصرية في إفريقيا على مجالات البنية التحتية والاتفاقيات العسكرية والمساعدات الطبية والإنسانية.

وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الإفريقية إلى نحو 6.3 مليار خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2022 مقابل 5.5 مليار دولار خلال نفس الفترة العام الماضي. محققة زيادة بنسبة 14.5%.

تستهدف الاستراتيجية المصرية زيادة صادراتها إلى إفريقيا إلى نحو 10 مليارات دولار بحلول عام 2025.

إنشاء مناطق تجارية

في فبراير/ شباط 2022، أعلن الرئيس السيسي عن إنشاء أول منطقة تجارة لوجستية مصرية حرة في جيبوتي، أثناء استقباله نظيره الجيبوتي عمر جيلي في القاهرة.

كما أعلن وزير الاقتصاد الكاميروني الأمين عثمان ماي، خلال الاجتماع الثالث لمجلس إدارة برنامج جسور التجارة العربية الإفريقية في مارس/ آذار 2022، أن بلاده مهتمة بإنشاء مجلس أعمال مصري كاميروني لبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين البلدين.

واستضافت مصر أول منتدى اقتصادي للاستثمار بين مصر وموريشيوس، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بمشاركة أكثر من 25 شركة من موريشيوس في 6 قطاعات اقتصادية مختلفة بهدف رفع معدلات التبادل التجاري بين البلدين.

الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي (وكالات)
الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي (وكالات)

الصومال

يشير د. سعيد ندا إلى أن إقليم شرق إفريقيا والقرن الإفريقي ودول حوض النيل من أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا.

على سبيل المثال وبالتزامن مع استقرار السلطة الجديدة في الصومال، استقبلت القاهرة الرئيس حسن شيخ محمود، وتم توقيع حزمة من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم من أجل توسيع وتعميق التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية والثقافية.

أما عن دول حوض النيل فلا تزال مصر تمد جسور التعاون معها كافة، بما فيها إثيوبيا، من خلال التمسك بمسار التفاوض وتحقيق المنفعة لكل الأطراف. وهذا المسار لم يلغ الحق في التصعيد باعتبار أن مياه النيل تمثل قضية مصرية.

اقرأ أيضًا: مصر وأزمات “حوض النيل”.. أولويات وسيناريوهات المستقبل

تنزانيا وجنوب إفريقيا

افتتحت مصر منذ أسابيع مشروع سد جوليوس نيريري في تنزانيا، بهدف إنتاج الطاقة الكهرومائية. وهو المشروع الذي تولت تنفيذه مصر بموجب عقد بقيمة 2.9 مليار دولار.

كما وقع وزير الخارجية سامح شكري، ووزيرة العلاقات الدولية والتعاون بجنوب إفريقيا ناليدي باندور، بيانًا مشتركًا بعد انعقاد الجولة التاسعة للجنة المشتركة بين البلدين في مايو/ أيار 2022، يتضمن الاتفاق على إنشاء مجلس أعمال مصري – جنوب إفريقي، وإزالة الحواجز غير الجمركية التي تقوض التجارة بين البلدين، استكمالًا لجهود التعاون التي أسفرت عن مشروع طريق القاهرة – كيب تاون كحلقة وصل بين البلدين.

الجانب العسكري

صنف موقع Global Firepower مصر في المرتبة 14 عسكريًا لعام 2022. هذه الإمكانات تحاول مصر استغلالها عبر نقل الخبرات العسكرية للدول الإفريقية في ظل التحديات الأمنية والتهديدات الأمنية المحيطة بالقارة.

فخلال مؤتمر رؤساء أركان الدفاع الأفارقة الذي عقد في فبراير/ شباط العام الماضي، أكد رئيس أركان القوات المسلحة المصرية أسامة عسكر، على الحاجة إلى تعزيز التعاون العسكري بين الدول الإفريقية.

بوروندي

وعقدت مصر خلال عام 2022 مجموعة من الاتفاقيات العسكرية مع جاراتها الإفريقيات، من بينها اتفاق التعاون العسكري بين مصر وبوروندي في ديسمبر/ كانون الأول 2022 خلال اجتماع اللجنة العسكرية المصرية البوروندية.

كما التقى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أسامة عسكر في سبتمبر/ أيلول رئيس أركان الجيش الملاوي فنسنت نوندوي في إطار الاجتماع الأول للجنة العسكرية المصرية الملاوية لبحث أوجه التعاون وتبادل الخبرات بين الجانبين، ووقع الجانب العسكري المصري مع نظيره لجزر القمر مذكرة تفاهم عسكري بين البلدين في أغسطس/ آب 2022.

الكونغو ورواندا

يٌضاف إلى ما سبق 5 اتفاقيات عسكرية تم توقيعها في 2021، منها اتفاقية تعاون عسكري مع الكونغو الديمقراطية. وكذلك اتفاقية تبادل المعلومات العسكرية مع أوغندا في إبريل/ نيسان الماضي.

إلا أن ذروة العلاقات العسكرية جاءت مع كينيا في مايو/ أيار 2021، بتوقيع اتفاق للتعاون الدفاعي. هذا فضلًا عن الاتفاقية الدفاعية مع السودان وأخرى مع رواندا.

أيضًا، اهتمت مصر بتعميق العلاقات الأمنية المصرية الإفريقية. ذلك عبر إطلاق سلسلة من المناورات العسكرية، من بينها التمرين العسكري المشترك “حراس الجنوب 2” بين مصر والسودان، والذي نُفذ للمرة الثانية في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

كما أجرت 41 تمرينًا عسكريًا مشتركًا في عام 2021 مع دول في المنطقة وخارجها.

التمرين العسكري المشترك "حراس الجنوب 2" بين مصر والسودان، ديسمبر/ كانون الأول 2022 (وكالات)
التمرين العسكري المشترك “حراس الجنوب 2” بين مصر والسودان، ديسمبر/ كانون الأول 2022 (وكالات)

التنافس في القرن الإفريقي

ويتوازى هذا الاهتمام بعودة التأثير المصري في إفريقيا، مع تزايد التنافس الدولي والإقليمي على القارة. فقد جذبت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي القوى الدولية والإقليمية، باعتبار أن البحر الأحمر والقرن الإفريقي محطات أساسية في السيطرة على طرق شحن البترول، وحركة الأساطيل البحرية، ما جعلها موطئًا لـ 19 قاعدة عسكرية.

ولقيمته الاستراتيجية، عينت الصين مبعوثًا خاصًا لشؤون القرن الإفريقي. هذا فى الوقت الذي بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا رقمًا قياسيًا، بقيمة 254 مليار دولار في 2021.

وتعتبر الصين الفاعل الرئيسي في المنطقة، بنشرها سلسلة من مشروعات البنية التحتية، أبرزها مشروع الحزام والطريق. فضلًا عن امتلاكها قاعدة عسكرية في جيبوتي.

اقرأ أيضًا: ورقة سياسات| رأس المال الخليجي في شرق إفريقيا وتأثيره “الضار” على مصر

ومن ناحية أخرى، تمثل المنطقة رقمًا هامًا في موازين القوة بين الخليج وإيران. وقد لعبت دورًا رئيسيًا في حرب اليمن. حيث حصلت السعودية على حق استخدام قاعدة عسكرية في جيبوتي لدعم عملياتها العسكرية. كما أقامت الإمارات قاعدة في ميناء عصب الإريتري. وكذلك، وقعت شركة مواني دبي DB World الإماراتية امتيازًا لمدة 30 عامًا مع حكومة أرض الصومال لميناء بربرة، بالإضافة إلى اتفاقية أخرى مدتها 30 عامًا لتطوير ميناء بوساسو في بونتلاند “منطقة انفصالية في الصومال أعلنت نفسها دولة”.

وكلا الدولتين، السعودية والإمارات، توسطتا في اتفاق المصالحة الإثيوبية الإريترية.

إيران وتركيا

وقد كشفت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تنزانيا وزينجبار في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن أهمية منطقة المحيط الهندي في أولويات إيران تجاه القارة، باعتبارها مركز الاهتمام الدولي، كبديل محتمل لطرق الشحن والتجارة في البحر الأحمر.

وفي 2022، سجلت صادرات إيران إلى إفريقيا نموًا بنسبة 120%، بإجمالي يصل إلى 1.2 مليار دولار. وتستهدف إيران زيادة التبادل التجاري السنوي مع الدول الإفريقية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2025.

كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا إلى 34.5 مليار دولار في نهاية عام 2020. واستضافت تركيا قمة الشراكة التركية الإفريقية الثالثة في 2021 في اسطنبول، تحت شعار “الشراكة المعززة من أجل التنمية المشتركة والازدهار” ذلك  بمشاركة 38 دولة إفريقية.

وحتى نهاية 2021، نفذت شركات المقاولات التركية حوالي 1686 مشروعًا بقيمة إجمالية 78 مليار دولار في جميع أنحاء القارة. وقادت وكالة المعونة التركية “تيكا” جهود تعميق الوجود التركي في شرق إفريقيا. كما ظهر التحرك نحو الوجود العسكري مع افتتاح قاعدة عسكرية في مقديشو بالصومال في 2017.

مصر والتحديات الراهنة

يتوقف مدى وصول مصر إلى أهدافها  الاستراتجية في القارة على قدرتها مع التعامل والتكيف مع التحديات الراهنة، ذلك في ظل الإمكانات المتاحة. كما أن هناك ضرورة للانخراط في بناء شراكات اقتصادية وعسكرية مع الدول المنافسة، وكذلك تنشيط الدبلوماسية المصرية.

وإضافة إلى خطوات التعاون الاقتصادي والعسكري، هناك ضرورة إلى تفعيل دبلوماسية المساعدات والمؤسسات الخيرية، لأن لها دور فعال. وقد ساهمت في ترسيخ موطئ قدم لبعض القوى المنافسة مؤخرًا، لا سيما تركيا وإيران.