خلال الأيام الأخيرة بدأ الجدل يشتد بين الصحفيين داخل مجموعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

الجدل الصحي والطبيعي سببه اقتراب انتخابات نقابة الصحفيين التي ستجرى على موقع النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة في شهر مارس المقبل.

اقرأ أيضا.. النقابة والصحافة.. “تكفين” المبنى والمهنة

جدل الصحفيين وحواراتهم تراوحت بين الحديث عن المرشحين والتصويت لهم ومطالبة البعض بالترشح للانتخابات، وبين النقاش المهم والحيوي عن الأزمات التي تعيشها مهنة الصحافة منذ عدة سنوات  وعلى رأسها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومستوى معيشة الصحفيين التي تراجعت بشدة، ثم الحريات الصحفية والحصار الكبير المفروض على الصحافة، ثم دور النقابة في تقديم خدمات حقيقية تليق بالصحفيين وتساعد في رفع الضغوط والأعباء عنهم.

المؤكد أن انتخابات الصحفيين المقبلة ربما ستكون هي الأهم في تاريخ نقابة الرأي، فسيجري اختيار النقيب الجديد ونصف أعضاء المجلس وسط أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية طالت الصحفيين بدرجة كبيرة، وأثرت على قدرتهم على العيش الكريم، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة بين الصحفيين خاصة الشباب بدرجات لم نشهدها من قبل، بالتزامن مع قيود كبيرة مفروضة على المهنة، فلا حرية للنشر ولا حرية لإصدار الصحف والمواقع، ويضاف إلى كل هذه المشكلات قضية لا تقل خطورة عن غيرها وهي قضية الفصل التعسفي وإغلاق الصحف والمواقع، والتي دفع وما زال يدفع ثمنها العشرات من الزملاء الصحفيين.

المؤكد في تقديري أن انتخابات الصحفيين المقبلة تمثل مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن كل مراحل التي مرت بالمهنة، فالأزمات التي تحاصر الصحافة والنقابة على السواء باتت تحتاج إلى حلول مختلفة ومبتكرة، وخيال مختلف بشكل جذري عن الخيال.

الحاكم طوال السنوات الفائتة، ثم قبل كل هذا وبعده تحتاج إلى شخصيات مستقلة لا تبغي سوى صالح المهنة، لا تخضع لسيف المعز ولا ذهبه، ولا تفضل الشخصي عن العام، شخصيات متفرغة بدرجة كبيرة للعمل النقابي تستطيع بالصحفيين ولهم أن تضغط وتتفاوض وتنتزع حقوق باتت مهمة في سبيل قدرة أبناء مهنة البحث عن المتاعب على العيش بكرامة، وبلا قلق من مستقبل غامض بات يخشاه الجميع.

ثلاث قضايا أظنها الأجدر بكل نقاشات تدور الآن بين الزملاء الصحفيين انتظارا لانتخاباتهم التي باتت وشيكة:

أولا: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، والأجور الهزيلة التي لا تكفي لعدة أيام، والأهم من تشخيص المشكلة هو وجود حلول جادة وقابلة للتنفيذ، تحد من هذا التردي غير المسبوق، وأظن أن المجلس القادم يقع على عاتقه مهمة لا تقبل التردد ولا الخوف ولا التأجيل، وهو البدء في التفاوض مع الدولة على لائحة جديدة للأجور، ترفع المرتبات بدرجة مناسبة ومعقولة بداخل المؤسسات الصحفية لتساعد في تخفيف الأعباء عن الصحفيين، وما يجعل هذا الحديث جادا وواقعيا وجود واقعة في تاريخ العمل الصحفي نتذكرها جميعا، ففي وقت النقيب الأستاذ جلال عارف تفاوضت النقابة من أجل وضع لائحة للأجور، ووصلت المفاوضات بين النقابة والحكومة إلى مراحل متقدمة، إلا أنها توقفت ولم تكتمل لأسباب يطول شرحها، وعلى المجلس القادم استكمال الخطوات التي قطعتها النقابة في السابق بمفاوضات جديدة بات الصحفيون في أمس الحاجة إليها مع الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي يعانون منها الآن.

ثم بالتوازي مع الخطوات المطلوبة في سبيل لائحة الأجور هناك تفاوض آخر لا يقل أهمية، يرتبط ارتباطا مباشرا بزيادة مقبولة في قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا، والذي أصبح بحكم المحكمة جزءا من أجر الصحفي، فليس كافيا ولا مقبولا نسبة الـ 10% الموسمية المرتبطة بالانتخابات التي تجرى كل عامين، بل بات من الضروري أن تكون هناك قفزة معقولة في البدل ليصل خلال العام الحالي إلى خمسة آلاف جنيه، ثم زيادة سنوية بقيمة لا تقل عن 15% ليتناسب مع نسب التضخم في المجتمع.

ثانيا: بات على المجلس القادم العمل بجدية لرفع القيود المفروضة على الصحافة، وانتشال المهنة من الحصار الكبير الذي يتحكم في المحتوى الصحفي بدرجة لم تحدث من قبل، والأهم هنا هو التأكيد على أن حرية الصحافة ليست قضية نخبوية، ولا هي مجرد أحاديث تعبر عن الترف في ظرف اقتصادي صعب، بل المؤكد أن حرية الصحافة ترتبط ارتباطا وثيقا ومباشرا بلقمة العيش، فبدون محتوى صحفي حر ومهني ومعبر عن المجتمع وأهله ليس هناك قارئ، وبالتالي ليس هناك معلن ولا تسويق ولا إعلانات وبالتبعية لا يجب أن ينتظر الصحفي المرتب الجيد يستطيع نهاية كل شهر.

حرية الصحافة هي قضية مهنية بامتياز، بل هي في قلب قضايا الصحافة، والمدخل الأول للمعيشة الكريمة، والمقصود بحرية الصحافة هنا: هي حرية النشر بدون قيود إلا القانون ومواثيق الشرف التي تنظم عمل الصحافة، ثم حرية إصدار وإطلاق الصحف والمواقع دون عوائق مادية أو إدارية لنستطيع أن نزيد من فرص العمل لشباب الصحفيين، فعلى النقابة أن توفر لهؤلاء مناخا يسمح بالعمل ثم عليهم أن يجتهدوا من أجل أن تتحول المؤسسة الصغيرة التي أصدروها إلى مؤسسة كبيرة توفر لهم الدخل المباشر، هذه هي تجرية الدول التي تتمتع بصحافة حرة، فقد استطاعت أن توفر المزيد من فرص العمل والدخل المادي المناسب عندما سهلت شروط إصدار الصحف وتركت لأبناء المهنة حقهم في إبداع أفكار جذابة وقيمة ومربحة في نفس الوقت.

ثالثا: التصدي للفصل التعسفي، تلك الظاهرة التي انتشرت خلال السنتين الأخيرتين بدرجة لم تحدث من قبل، ودفع ثمنها المئات من الصحفيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة وبلا مقدمات بلا عمل، وحاصرتهم الضغوط الحياتية بدرجة كبيرة للغاية، وهنا يبدو أن المجلس المقبل عليه تفعيل دور النقابة بشكل أكبر، واستخدام نصوص القانون بشكل واضح وجاد ضد كل من يمارس الفصل التعسفي في حق الصحفيين، ويتركهم فريسة للحياة الصعبة هم وأسرهم، فدور النقابات الأصيل هو تحسين شروط العمل والدفاع عن أعضائها ضد الفصل أو انتهاك الحقوق تحت أي مسمى.

تتعدد قضايا مهنة الصحافة، وتتقاطع بشكل كبير، لكن أظن أن المرحلة الجديدة التي بدأت بالفعل بالتزامن مع الانتخابات النقابية هي الأخطر، وهي التي يمكن أن تدفع بمهنة الصحافة والعاملين فيها إلى الأمام، أو أن تعيدهم سنوات أخرى إلى الوراء، بإمكان المجلس المقبل، وبآليات وأفكار جديدة أن يدفع بدماء جديدة في شرايين العمل النقابي، وأن يحيي حالة الموت “والتكفين” التي تعاني منها النقابة منذ سنوات، أو عليه أن يختار أن نبقى في نفس مربع الأزمات الذي لا ينتهي والذي يدفع ثمنه شباب المهنة أكثر من غيرهم، إما تفكير جديد وخيال جديد ونقابة مستقلة ولكل أبنائها تفتح كل الملفات المسكوت عنها بجرأة وبلا تردد أو تهاون، أو مزيد من المعاناة والتراجع، وأظن أن مهنة الصحافة العظيمة تستحق كل جهد وعمل من أجل مستقبل أفضل، فهي مهنة الدفاع عن الحقيقة ونشر التنوير وكشف كل صور الفساد والانحراف، وهي صوت الناس “لما يحبوا الدنيا سكوت”، هكذا تعلمنا وهكذا نتمنى أن يرسم المجلس القادم خريطة طريق جديد لمستقبل أفضل يستحقه الصحفيون المصريون بكل تأكيد.