في الأيام القليلة القادمة، تبدأ جلسات الحوار الوطني. والمعروف أن عمل الحوار يتركز في ثلاثة محاور، في 19 لجنة، محور سياسي وآخر اقتصادي وثالث مجتمعي. سيبدأ المحور السياسي بقضيتين مهمتين هما التمثيل النيابي، والحبس الاحتياطي، باعتبارهما حسبما اتفق داخل الجلسة الـ18 المنعقدة في 25 ديسمبر الماضي، من أكثر القضايا الساخنة على الساحة السياسية.
في قضية التمثيل النيابي عديد القضايا الشائكة، لكن أهمها قاطبة والتي ستأخذ الكثير من الوقت قضية النظام الانتخابي الأمثل لمصر في المرحلة المقبلة.
اقرأ أيضا.. أزمة الأحزاب المصرية.. آليات للمواجهة
والمعروف أن مصر تسير اليوم وفق أسلوب الكتلة الحزبية المسمى إعلاميا بالقوائم المطلقة وذلك بنسبة 50% من عدد المقاعد، أما النسبة الباقية فهي تسير وفق الأسلوب الفردي. والأسلوبين السابقين ينتميان إلى النظام الأغلبي، أي نظام الرابح يحصل على 50%+1. ووفقًا للنظام البريطاني، فإن الرابح في هذا النظام يفوز من الجولة الأولى، ويسمى هذا الأسلوب بأسلوب الفائز الأول أو الفوز من الجولة الأولى. بالمقابل هناك أسلوب 50%+1، يليه جولة إعادة يفوز فيها من يحصل على الأكثرية وليس الأغلبية، وهذا الأسلوب تقره غالبية النظم الانتخابية التي تنتهج النظام الأغلبي بالأسلوب الفردي.
المشكلة الكبرى في النظام الذي نتبعه اليوم، سواء في مجلس النواب، أو مجلس الشيوخ (الذي لا يعد دستوريا غرفة ثانية أو سلطة تشريعية أو ضمن البرلمان، وهي المسميات الثلاثة للمجلس الثاني الواردة في الدساتير والتعديلات الدستورية للأعوام 1923،1936،1980، 2005،2007،2012)، هو أن هذا النظام يعيبه ما يلي:
- انه نظام يسمح بفوز الخاسر، أو بالأحرى فوز الخاسرين، فإذا كان لدينا حزبًا حصلت قائمته على مستوى الجمهورية، أو قوائمه في أكثر من دائرة بالجمهورية، على 50+1% فإن كل القائمة تعتبر فائزة. إذ يمنع هذا النظام منعًا باتًا أن تفوز تلك القائمة بذات نسبة الأصوات التي حصلت عليها. وبالمقابل، فإن قائمة أو قوائم الحزب المنافس الحاصلة على 49% من الأصوات، تحرم من التمثيل بشكل كامل، ولا يمثل منها أيه نسبة، حتى لو كان ذلك يخص قائمة واحدة منافسة كانت على شفى الفوز، أي حصلت على النسبة كلها (49%). ومن ثم تعد الأصوات التي حصلت عليها أصوات منقولة آليا لقائمة الحزب الأول، وكأنه حصل على نسبة 100%. ومن ثم فإن هذا الأسلوب من النظام الأغلبي يعتبره الكثيرون تزويرًا بالجملة، وتلاعبًا بإرادة الناخبين عن عمد وبالقانون، وهو أشبه بالتعيين المقنع، وتقريبا هو فوز بالتزكية، دون أي اتهام للسلطات المشرفة على العملية الانتخابية بالتدخل في العملية الانتخابية.
- إن نظام الكتلة الحزبية (القائمة المطلقة) هو نظام غابر، كان يعمل به في الماضي عديد الدول حديثة العهد بالديمقراطية وبالانتخاب، وكان عندئذ يسن من قبل مراسيم يصدرها الحكام، أو يسن من قبل سلطات تشريعية جاثية أمام الحكام، وكان الغرض منه تضخيم الأغلبية للأحزاب الحاكمة، والتي كان يرأسها في الأغلب الأعم حكام متسلطين، وكان الهدف منه الوصول بالبرلمانات لحد الإجماع في عدد النواب، حتى يكون الظاهر للعيان شكلا ديمقراطيًا، رغم أنه زائفًا ومصطنعًا.
- في مصر، كان للمحكمة الدستورية العليا وتفاعل السلطة وقتئذ معها -فى العقود الثلاثة الأخيرة ونيف- نصيب فى الحكم بعدم دستورية نظام القوائم المطلقة، إذ حلت أحكامها المجالس المحلية عام 1988 المنتخبة على أساسها، لعدم دستورية هذا الأسلوب. كما حكمت في فبراير1996 بعدم دستورية الانتخابات المحلية التى جرت بأسلوبى القائمة المطلقة والمقعد الفردى الواحد. وحكمت بعدم دستورية انتخابات القوائم المطلقة لمجلس الشورى منذ تأسيسه عام 1980، وقد حلت السلطة المجلس عقب الحكم، وأجرت انتخابات جديدة له عام1989. وهكذا، أعجزت وأهرمت أحكام عدم الدستورية قوانين الانتخابات المصرية منذ عدة عقود، بسبب أسلوب القائمة المطلقة. بالطبع قد يقول قائل إن الأحكام السابقة جرت وفق دستور1971، وهو دستور غير قائم، وأن ما يحكم البلاد اليوم هو دستور 2012 المعدل عام2014 و2019. لكن الرد على تلك الحجة هو أن القاضي الدستوري –ومن واقع حيثيات تلك الأحكام- قد حكم بعدم دستورية تلك المواد القانونية لمخالفاتها للمبادئ العامة للتمثيل النيابي، وللمنطق والعقل، وليس لمخالفتها بالضرورة لمواد بعينها في دستور1971. كما أن الحكم بعدم الدستورية جاء من منطلقات حكمتها روح كل من دستور 1971 و2012 المعدل، وهما دستوران نصا على ذات المبادئ. فدستور2012 المعدل أكد هو الآخر على صيانة حرية الرأي واحترام صوت المواطن وتمثيله بشكل مشروع (م5)، فالسيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويحكمها مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم (م4وم9) لا تمييز بينهم على أي أساس(م53) ولكل مواطن الحق في المشاركة في الحياة العامة، وله حق الانتخاب والترشح، وتضمن الدولة حيدة الانتخابات ونزاهتها(م87).
- إن أسلوب القائمة المطلقة بسبب تجاوزه التمثيل الحقيقي للشعوب، فقد شعبيته لدى عديد النظم الانتخابية، وقد أشار أحد الأبحاث المهمة التي أجرتها المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بالسويد، ونشر في كتاب بعنوان “أشكال النظم الانتخابية (مترجم)” عام2005، إلى أن هناك أربعة نظم سياسية لا زالت تأخذ بهذا النظام، وهي تشاد وجيبوتي وسانغافورة والكاميرون. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يشير إلى أن هذا النظام الانتخابي أصبح مهجورًا.
- إن الحجة الرئيسة التي يسوقها مؤيدو القائمة المطلقة، هي أن الدستور وضع في أكثر من مادة كوتات لا يمكن أن يقوم أحد بوضع نظام انتخابي، إلا ويقر بهذا الأسلوب، ومن ثم فإن هناك ما يشبه العذر لدى المشرع القانوني للأخذ بهذا الأسلوب، لأنه لم يجد غيره ليطبقه، ويكون في ذات الوقت دستوري، لكونه نجح في تمثيل الكوتات التي جاء بها الدستور. لكن تلك الحجة يمكن عمليًا دحضها بالمقترح التالي ذكره. وبذلك يمكن التغلب على تلك العقبة التي جاء بها الدستور، الذي حرص بشكل غريب في تمثيل عدة كوتات اجتماعية داخل أهم مؤسسة سياسية (البرلمان)، بدلا من اهتمامه بتمثيل الأحزاب كتنظيمات سياسية، تفترض كل النظم السياسية المتمدينة في العالم، بأنها التنظيمات الوحيدة المعنية بالتواجد داخل البرلمانات.
- إن الأسلوب النسبي هو أسلوب يعتمد على القوائم، ورغم أنه أسلوب قد يعطي المستقلين الحق في تشكيل قوائم، إلا أن اللاعب الرئيس في هذا الأسلوب هو الأحزاب السياسية سواء مؤتلفة أو غير مؤتلفة. والمؤكد أن هذا الأسلوب أفضل سماته غير كونه يمثل الأحزاب السياسية في البرلمانات بشكل نسبي، مما يحقق العدالة، فهو يقضي على ظاهرة الاستقلال في المجتمع، وينعش عمل الأحزاب السياسية، ويحي السياسة، عوضًا عن حال الموت التي يحكم بها على المجتمع سياسيًا حال الأخذ بالأسلوب الأغلبي. صحيح أن معظم النظم السياسية في أوروبا اليوم تأخذ بالنظم الأغلبي في انتخاباتها، إلا أن الأخذ بهذا الأسلوب جاء بعد الأخذ لعقود طويلة بالنظام النسبي، حيث عرفت وألفت المجتمعات الأوروبية الأحزاب، وأصبح النظام الأغلبي الذي تتبناه الغالبية العظمى من تلك الدول تديره الأحزاب السياسية.
7- إن ترجيح النظام النسبي على الأغلبي عامة وأسلوب القوائم المطلقة، يرجع إلى أن بنيه النظام السياسي المصري دستوريا بنية حزبية، فالنظام السياسي يقوم على التعددية الحزبية (م5)، وللمواطنين فيه حق تأليف الأحزاب (م74)، والأهم هو أن الحكومات تشكل من قبل الأحزاب (م146). هذا الأمر ينفي أن يكون للنظام الأغلبي الغلبة كما هو قائم اليوم.
والأن يبقى السؤال ما هو البديل عن أسلوب القائمة المطلقة؟
اعتادت مصر على نظام الأغلبية منذ أن عرفت أسلوب الانتخابات لاختيار أعضاء البرلمان، وذلك في العام 1866، فيما يتصل بمجلس شورى النواب، وظل هذا النظام بالأسلوب الفردي هو الوسيلة الوحيدة لاختيار النواب حتى يومنا هذا باستثناء بعض السنوات. إذ أخذت مصر بالنظام النسبي عبر القوائم النسبية عام 1984، وجمعت بين هذا الأسلوب ومقعد فردي واحد في كل دائرة من الدوائر الـ48 المقسمة للجمهورية في عام1987، ثم جمعت بين الأسلوب النسبي والأغلبي بنسبة الثلثين إلى الثلث عام 2012. ثم عادت في انتخابات 2016 للأخذ بالنظم الأغلبي لكن بأسلوبي القائمة المطلقة والمقعد الفردي، وذلك لمقاعد البرلمان المنتخبة وعددها 568 مقعدًا بعدد 120 للقوائم المطلقة والباقي للفردي، أي بنسبة 21.12% للقوائم المطلقة و78.87% للفردي. وفي انتخابات 2020 أصبحت النسبة مناصفة بين أسلوبي الفردي والقائمة المطلقة.
لكل ما سبق من تاريخ نظم الانتخاب المصرية منذ العام 1866، يصبح من الصعوبة بمكان الانتقال مرة واحدة إلى الأخذ بالأسلوب النسبي، خاصة وأن المجتمع المصرى اعتاد النظام الأغلبي بالأسلوب الفردي. لذلك يصبح من الأهمية الأخذ بالنظامين النسبي والأغلبي. جدير بالذكر، إن لكل نظام إيجابياته وسلبياته، من هنا بات من المهم الجمع بين النظامين. فالنظام الأغلبي يولد علاقة مباشرة بين الناخب والنائب، وهو في ذات الوقت يولد العصبيات والنعرات القبلية وربما الطائفية. ورغم كون النظام الأغلبي سهل حساب الأصوات فيه عن النظام النسبي الأكثر تعقيدًا، إلا أن الأخير يمثل الآخر مقارنة بالأول الذي يستبعد 49% من أصوات الناخبين. ورغم دراية النائب بحاجات الناس مباشرة في الدوائر الانتخابية في النظام الأغلبي، إلا أن النظام النسبي يركز على حاجات الأمة بأسرها، وينقل حاجات الناس بالجهويات إلى نواب المجالس المحلية.
هنا نطرح بديلا للنظام الانتخابي وهو النظام النسبي والأغلبي بأسلوبه الفردي معًا بنسبة النصف لكل واحد منهما، مع أخذ كل التحوط بحيث تمثل الكوتات الاجتماعية التي جاء بها الدستور، وذلك عبر تعديل القرارات بقوانين 46 لسنة 2014 في شأن لمجلس النواب، 45 لسنة 2014 في شأن مباشرة الحقوق السياسية، 88 لسنة 2015 في شأن تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، والقانون 198 لسن ة2017 في شأن الهيئة الوطنية للانتخابات:
1- تأسيس عدد 12 دائرة انتخابية على مستوى الجمهورية للنظام النسبي، يخصص لكل منها 20 نائبًا بمجموع 240 نائبًا. وتأسيس دوائر النظام الأغلبي بعدد 240 دائرة على مستوى الجمهورية، يخصص لكل منها نائب واحد بمجموع 240 نائبًا.
2- وضع متوالية محددة لترتيب القوائم الانتخابية في النظام النسبي، بشكل محدد وقصري، وكذا توزيع المقاعد، وذلك كله لضمان تمثيل الكوتات وفق الدستور. أي ربع عدد مقاعد المجلس للمرأة جبرًا (دون أي قيد على ترشيحها على المقاعد الفردية) ما يستلزم أن تكون نصف مقاعد القائمة للمرأة وتمثيل باقي الكوتات بالقائمة بشكل “ملائم”. بحيث يكون الترتيب كالتالي: شاب فامراة فمسيحي فإمراة فعمال وفلاحين فامراة فذوي إعاقة فامراة فمصري مقيم بالخارج فامراة وهكذا نهاية القائمة.
3- فيما يخص الحاجز الانتخابي، أو ما يسمى إعلاميا بالعتبة الانتخابية، تقرر نسبة 5.% على مستوى الجمهورية، ما يتيح تمثيل أكبر للأحزاب الصغيرة في البرلمان.
4- في الشق الأغلبي يقر الاقتراع على جولة واحدة، أي الانتخاب بالأكثرية العددية، وليس بالأغلبية المطلقة، أو ما يسمى علميا بـ”نظام الفائز الأول”، وذلك توفيرًا لنفقات خوض جولات أخرى للانتخاب، وتأكيدًا أن الفائز بالأكثرية هو نفسه في الأغلب الأعم من سيفوز في الجولة الثانية.
5- يقترح وضع طريقة أكثر ديمقراطية لحساب الأصوات وتقرير المقاعد لكل مترشح على القائمة النسبية، وذلك بطريقة منح كسور المقاعد الزائدة في القائمة للقائمة الحاصلة على أكبر البواقي.
6- بخصوص تحقيق الكوتات، فإن القائمة الأقل فالأكثر تتحمل وجود المرأة بنسبة نصف مقاعد الدائرة أي 10 سيدات، يليها تحمل باقي الكوتات كما ورد ترتيبها الجبري والقصري في القائمة وفقا للقانون (الشباب فالمسيحيون فالعمال والفلاحين فذوي الإعاقة فالمصريون المقيمين بالخارج) ونصيبهم مجرد “ملائم” وهو مقعد واحد على الأقل في كل دائرة. على سبيل المثال:
في إحدى الدوائر كان عدد الناخبين 250 ألف ناخب، شارك في الانتخابات 175 ألفا، وكانت الأصوات الصحيحة 167 ألفا، توزعت على ثماني قوائم مشاركة، فكان نصيبها على الترتيب 14 ألفا، 15 ألفا، 17 ألفا، 18 ألفا، 20 ألفا، 25 ألفا، 30 ألفا، أولا، نحصل على القاسم الانتخابي، أو نصيب المقعد في الدائرة، وهو عدد الأصوات الصحيحة مقسومًا على عدد المقاعد الممثلة (20)=8350. أما الأصوات الناقصة فتوزع على أكبر البواقي. ثانيًا، نرصد النتائج على مستوى الجمهورية، فنجد أن القائمة الأخيرة (ح) وحدها هي التي حصلت على 3.% من عدد الأصوات، فبناء عليه يتم استبعادها هي والأصوات التي حصلت عليها.