حالة من الاحتقان شهدتها أوساط المحامين مؤخرا بعد اندلاع ما عرف إعلاميا بـ”أزمة محاميّ مطروح” زادت حدتها أول أمس عندما أعلنت النقابة العامة للمحامين وعدد من شيوخ المهنة التوجه إلى مدينة مطروح لحضور جلسة الاستئناف الخاصة بزملائهم، خاصة بعد أن وصلت أعداد المحامين المسافرة إلى عدة آلاف أثبتوا حضورهم جميعهم أمام محكمة مطروح للدفاع عن زملائهم الستة.

اقرأ أيضا.. أزمة محاميي مطروح: حبس ومراقبة وإضراب.. ماذا يحدث في محاكم مصر؟

قرار محكمة جنح مستأنف مطروح، الصادر مساء أمس بتأجيل نظر القضية رقم 444 لسنة 2023 إلى 5 فبراير المقبل والإفراج عن المحامين الـ6 المحكوم عليهم بالحبس لمدة عامين ومراقبة لمدة سنتين، بتهم التعدي على المال العام واستخدام العنف والبلطجة والتطاول على موظفين عموميين أثناء تأدية أعمالهم، أنهى حالة الاحتقان التي امتدت لأسبوع بين جموع المحامين والقضاة.

اتهامات متبادلة

عبدالحليم علام نقيب المحامين
عبد الحليم علام نقيب المحامين

كانت النقابة العامة للمحامين قررت تعليق العمل في المحاكم إلى أجل غير مسمى احتجاجا على حبس 6 من زملائهم، ما اعتبره نادي القضاة –في بيان نُسب له ثم تم حذفه لاحقا- تعليقا على أحكام القضاء معلنا أنه يتابع الموقف عن كثب وسيتخذ الموقف المناسب في حينه مع رصده لأي تجاوز في حق القضاء والعاملين به.

رد على بيان نادي القضاة، النائب بمجلس الشيوخ، المحامي سامح عاشور، وقال إنه يلهب المشاعر ويصب الزيت على النار ويبحث عن الفتنة.

“عاشور” أضاف في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “حتى الآن لا أصدق أن قضاة مصر يمكن أن ينسب إليهم مثل هذا البيان، ولا أن ينسب إليهم ما يصر البيان على تأكيده لتتبعه لقضية بعينها تخص المحامين وترصدا لما يسفر عنه الحكم أو تسفر عنه ردود أفعال المحامين، انتظارًا لا ينبئ عن الحياد الذي يجب ان يتحلى به القاضي في نادي القضاة و في غيره”.

كما أكد: “لا يجوز لقاضي أن يغضب ولا أن يشمت ولا أن يهدد، فنحن لا نعرف إلا القضاء العالي”.

وعلى مدار الأيام الماضية استمرت المشاورات لإجراء صلح بين الطرفين لإنهاء الأزمة لكن جموع المحامين أبدوا رفضهم الصلح الذى تم بوساطة رئيس نادى قضاة الإسكندرية وأقره أعضاء المجلس الحاليين، فيما أعلن النقيب السابق سامح عاشور، المشاركة في الدفاع عن محاميي مطروح، بدون تنسيق مع أعضاء مجلس النقابة. وهنا يتبدى تنافس داخل أوساط المحامين أنفسهم بين نقيب المحامين السابق ومجلس النقابة الحالي وفي صدارته النقيب عبد الحليم علام.

الحشد وأجواء المحاكمة

تقدم هيئة الدفاع بالمحكمة 161 محاميا، تضاما مع زملائهم المحكوم عليهم. وبدأت جلسة الاستئناف أمس الأحد بترافع النقيب العام عبدالحليم علام، ثم تقدم النقيب السابق سامح عاشور للمرافعة والذي دفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى الجنائية وطالب بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون.

بعد سماح المحكمة لبعض المحامين المحبوسين بالخروج من القفص والدفاع عن أنفسهم، ترافع المحامون المحبوسون، منهم وائل رشدي المحامي صاحب الواقعة الأولى في الخلاف، عن أنفسهم لمدة 7 ساعات.

وفي تغيّر لمسار القضية، حضر محامي المجني عليهم من الموظفين وقدم حافظة مستندات حملت إقرارهم بالعدول عن الاتهام الموجه للمحامين، وصفت المستندات الأزمة بأنها لا تتعدى مشادة كلامية، كما لم توجه اتهاما للمحامين.

وأكد حسين الجمال الأمين العام للنقابة لـ”مصر 360″ “أن الموظفين غيروا أقوالهم ونفوا تعدي المحامين عليهم، كما أقر الحاضر بتوكيل عن الموظفين بالمحكمة أن الواقعة مجرد مشادة كلامية وأن (الموظفين) يقرون بالعدول عن أقوالهم، وتم التوقيع من الموكل على ذلك في محضر الجلسة”.

أجواء ما قبل الجلسة

قبل الجلسة، كان نقيب المحامين عبد الحليم علام وأعضاء مجلس النقابة عقدوا جلسة صلح في نادي قضاة الإسكندرية بحضور المستشار سعد السعدني رئيس النادي، وتم عمل توكيلات بالتصالح وتوثيق الصلح، ودعا علام قبل الجلسة بيوم جموع المحامين بالعدول عن الاحتشاد أمام محكمة مطروح.

لكن جموعا من المحامين لم تستجب واعتبروا هذا المسلك انتقاصا من كرامتهم وحقوق المهنة لأن القضاء والمحاماة يمثلان جناحي العدالة ويعملان على تحقيقها، وأن المحامين والقضاة عائلة واحدة، وبدون القضاء لا تتحقق العدالة وبدون المحاماة لا تستقيم المحاكمة العادلة، واحتشد أكثر من 5 آلاف محام أمام مجمع محاكم مطروح تضامنا مع المتهمين.

وقال أحمد العجمي محامي بالنقض والدستورية العليا لـ”مصر 360″ أن الحكم جانبه الحيادية لمحاباة موظفي المحكمة على حساب حق المحامي في مباشرة مهنته، مشيرا إلى أن النيابة العامة تسببت في توريط القضاة في الحكم على محامي مطروح ولخلاف شخصي، تم تفسيره بالخطأ باعتبار ما حدث تعدٍ على موظف أو تجمهر واستعمال القوة وهو شيء لا تقبله العدالة ومخالف للدستور.

وقال حسين الجمال الأمين العام للنقابة، إن المسئولين في الدولة تعاملوا مع الأزمة بحرص ولم تتوقف المشاورات على مدار الأيام الماضية بين النقابة ومجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة، وأنهم درسوا الأزمة بموضوعية بتدخل من رئيس محكمة النقض بشكل مرضٍ لكل الأطراف، مؤكدا عمق العلاقة بين القضاة والمحامين بما أنهم شركاء في العدالة.

كواليس ليلة السبت

النقيب السابق سامح عاشور
النقيب السابق سامح عاشور

في وقت سابق للجلسة دعا النقيب السابق سامح عاشور للقاء مع محاميّ مطروح بمقر إقامته بأحد الفنادق هناك، للترتيب لحضور الجلسة وسماع مطالب المحامين. حدث هذا دون تنسيق مسبق مع مجلس النقابة. فأثارت دعوته غضب عدد كبير من أعضاء النقابة بمطروح بسبب طلب اللقاء خارج مبنى نقابتهم، قائلين: “من يرغب في لقاء أعضاء النقابة عليه أن يحترمهم ويذهب إليهم”.

في مقابل دعوة عاشور، دعت النقابة الفرعية بمطروح، إلى اجتماع طارئ آخر مواز في السادسة من مساء السبت الماضي، شارك فيه عدد كبير من المحامين من عدد من المحافظات الأخرى، بينهم وكيل النقابة مجدي سخي.

بداية الأزمة

كان المستشار جمال عبد الناصر قاضي يسار محكمة جنايات مطروح، تقدم بمذكرة إلى مجلس القضاء الأعلى، اتُهم فيها 6 محامين بالتعدي بالضرب على 3 موظفين بالمحكمة، وإتلاف ممتلكات عامة، وممارسة البلطجة، والتعدي على موظفين عموميين خلال عملهم، وبناء عليه تم إلقاء القبض على المتهمين وحبسهم احتياطيا 4 أيام ثم التجديد لهم 15 يوما.

وحُددت لهم جلسة بمحكمة جنح مطروح الابتدائية يوم 18 يناير/كانون الثاني الجاري، وصدر ضدهم الحكم بالحبس لمد عامين مع الشغل والنفاذ في القضية 444 لسنة 2023 جنح مطروح، ومراقبة مدة مساوية للعقوبة.

الرقمنة كحل ضروري

الرقمنة أحد حلول التقاضي
الرقمنة أحد حلول التقاضي

ووصف مصطفى رمضان وكيل نقابة المحامين بمحافظة أسيوط الحكم بـ”المتصدع” لأنه تسرع في الحكم الصادر ضد المحامين حيث تم استبعاد روح القانون واستخدام نصوصه بشكل حرفي للعصف بالمتهمين في التهم الموجهة إليهم من تعد على المال العام واستخدام أعمال البلطجة واقتحام مقر عمل، في حين أن قيمة التلفيات قُدرت بـ50 جنيها حسب تقدير مجلس المدينة بمطروح.

أرجع رمضان تكرار هذه الأحداث إلى التوترات الدائمة بين الموظفين والمحامين نتيجة ضغوط العمل اليومية وكثرتها داخل المحاكم، مبينا أنه لم يتم تعيين موظفين جدد بالمحاكم منذ عشرة سنوات فأصبح ما يقوم به موظف واحد من مهام كان يقوم به أربعة موظفين على الأقل، ما أنتج ضغوطا كبيرة على العاملين بالمحاكم لدرجة أنهم يقومون بالاستعانة بالخريجين الجدد ممن يؤدون الخدمة المدنية لتخفيف ضغط العمل.

وتوقع رمضان استمرار التوتر بين المحامين والموظفين في حال بقاء الوضع كما هو، بهذا الشكل الروتيني.

وأضاف رمضان أنه لابد من إيجاد حلول بديلة، برقمنة العدالة وإتاحة التقاضي عن بعد، لأن عمليات سحب مستند من المحكمة قد تستغرق شهرا بسبب عجز عدد الموظفين ما يعطل أعمال المحامين ويؤدى إلى زيادة توترات.

وأعلن حسين الجمال الأمين العام للنقابة لـ “مصر360” عودة العمل بالمحاكم بكافة درجاتها لإنهاء الأزمة.