اتسعت دائرة الجدل حول جدوى مجموعات “الدعم” تزامنًا مع اقتراب إطلاق المشروع الوزاري خلال النصف الثاني من العام الدراسي، بعد أن وضعت وزارة التربية والتعليم تصورها النهائي لتنفيذ المقترح كبديل لما يسمى بـ”مراكز الدروس الخصوصية”، ودافع لانضباط الطلاب في المدارس.

ومنبع الجدل هنا أن تشككًا يتنامى لدى أولياء الأمور من جدوى هذه المجموعات ومدى استفادة الطلاب منها، بما يصل إلى حد تفضيل الدروس الخصوصية باهظة التكلفة في كثير من الأحيان -لكنها ذات جودة معقولة- على مثيلتها التي أعلنتها الوزارة، وتشرف عليها شركة خاصة، ولم تحدد تكلفتها بعد.

كان رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، استهل العام الدراسي الجديد 2022/2023 بإعلان تدشين مجموعات الدعم بالمدارس. على أن تشرف عليها شركة خاصة، ويتقاضى بموجبها المعلم أجره بعد انقضاء الحصة. إذ قال الوزير وقتها -أمام مجلس النواب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: “إن فاتورة الدروس الخصوصية تصل إلى 47 مليار جنيه (2.3 مليار دولار)، لا تعلم الحكومة عنها شيئا”، معلنًا عن خطة لمكافحة الدروس الخصوصية بالتنسيق مع الجهات المعنية.

يقدر بحث الدخل والإنفاق (2019-2020) الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إجمالي إنفاق المصريين على التعليم بنحو ​482.2 مليار جنيه (24 مليار دولار) بينها أكثر من 136.4 مليار جنيه (حوالي 7 مليارات دولار) تنفق على الدروس الخصوصية سنويًا، رغم المحاولات التي تعلن عنها الوزارة لتحجيم هذه الظاهرة.

اقرأ أيضًا: تعليم “في الحضيض”.. زيادة مصروفات ودروس وسناتر مرخصة.. الحصيلة تسرب وأزمات نفسية “حارقة”

لماذا الآن؟

لم تبدأ مجموعات “الدعم” المقترحة في الفصل الدراسي الأول -حسب تصريحات حسن شحاتة الخبير التربوي- بسبب عدم الانتهاء من الدراسة العلمية الخاصة بها، والتي استغرقت فصلًا دراسيًا كاملًا.

خلال هذا الفصل الدراسي، تلقى ديوان عام الوزارة مقترحات المعنيين بالشأن التعليمي لبلورة الفكرة وتنظيمها من حيث سعر الحصة، واختيار الأماكن، والتجهيزات المناسبة، وطريقة محاسبية واضحة في التكلفة، والأجر.

واعتبر مراقبون أن مجموعات التقوية القائمة بالفعل داخل المدارس الحكومية لم تغن شيئًا عن انتظام الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية على وجه الخصوص داخل المدارس.

يأتي ذلك لسيطرة “مراكز الدروس الخصوصية” على مجريات الأمور في المدن الكبرى، وجذب قطاعات واسعة من أولياء الأمور.

أولياء أمور يخشون التجريب

“ن. س” -ولية أمر ومعلمة بإحدى الإدارات التعليمية في نطاق محافظة الجيزة- لم تقنعها فكرة مجموعات “الدعم” بالمدارس، والتي من المقرر إطلاقها في الفصل الدراسي الثاني.

ورغم كون ابنتها في المرحلة الثانوية، وتنفق ما يزيد عن 5 آلاف جنيه شهريًا على الدروس الخاصة، إلا أنها لا تثق سوى في “السنتر”، على حد قولها. “لن أنقل ابنتي لتلقي دروسها في مجموعات مدرسية، حتى وإن قلت نفقة الحصة، لأن ثمة اهتمام ومتابعة جيدة داخل “سنتر” الدروس الخصوصية، واختبار يومي بعد كل حصة دراسية.. المدرسة لن توفر هذا النسق”.

ولم تعلن الوزارة بعد أسعار مجموعات “الدعم” بشكل رسمي. ومن المقرر أن يحدد القرار الوزاري المزمع صدوره الحد الأقصى لثمن الحصة، حسب المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمناطق التي تقع فيها المدارس المقرر تطبيق التجربة بها.

صورة من أحد مراكز الدروس الخصوصية في مصر (وكالات)
صورة من أحد مراكز الدروس الخصوصية في مصر (وكالات)

خطة التطبيق

حسبما أفاد الخبير التربوي، حسن شحاتة، فإن تجربة “مجموعات الدعم” ستطبق في بعض المناطق ابتداءً، وبعد فترة ليست بالقليلة سيجرى تعميمها. لافتًا إلى أن الوزارة ترغب في اختبار التجربة، والتعرف على الصعوبات التي ستواجهها لمعالجتها، قبل تعميمها.

الخبير التربوي حسن شحاتة
الخبير التربوي حسن شحاتة

يضيف “شحاتة”، لـ”مصر360″، أن متابعة ميدانية دورية ستجرى عبر شركة متخصصة لضمان حصول المعلمين على حقوقهم من ناحية، والاطمئنان على جودة المنتج الدراسي، واطمئنان الطلاب، وأولياء الأمور من ناحية أخرى.

وتترقب الإدارات التعليمية القرار الوزاري المنظم لمجموعات التقوية المسماة بـ”مجموعات الدعم”، لتجهيز المدارس التابعة لها. على أن تستعد لجذب أشهر المعلمين بالمناطق المختلفة للعمل بتلك المجموعات، وبنفس آليات عمل “مراكز الدروس الخصوصية”. على رأسها تسليم المعلم المشارك المقابل المادي فور انتهاء حصته مباشرة، بشرط تجنيب 15% من إجمالي الحصيلة لتوريدها إلى وزارة المالية، حفاظًا على حقوق الدولة، في حين تحدد نسبة المعلم بـ 80% من المبلغ الإجمالي.

وتخصص نسبة 5% من إجمالي الدخل المتبقي لصالح نقابة المعلمين، و5% أخرى لصالح صندوق دعم المعلمين. بينما يورد ما قيمته 3% للإدارة التعليمية، و2% لأعمال صيانة القاعات المخصصة، ويوزع 5% تحت بند مكافآت للعاملين المشرفين على تنظيم المجموعات من إدارة المدرسة، والعمال، وغيرهم.

تفاؤل بالمقترح الجديد

تامر شوقي أستاذ مساعد علم النفس التربوي بجامعة عين شمس
تامر شوقي أستاذ مساعد علم النفس التربوي بجامعة عين شمس

وفيما يصف تامر شوقي، أستاذ مساعد علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، مقترح “مجموعات الدعم” المدرسية بأنه “ممتازة”. لكنه دعا في الوقت ذاته إلى إعادة الثقة للمعلم، وإقناعه بجدواها ماديًا، من حيث نسبته، وتوقيت الحصول عليها.

يقول: “إن حسن انتقاء المدارس التي ستعقد بها هذه المجموعات، من حيث سهولة الوصول إليها، واختيار التوقيتات المناسبة، سببان مهمان لإنجاح التجربة، حفاظًا على دور المدرسة الأصلية، ومنعًا من تسرب الطلاب مثلما يحدث لدى مراكز الدروس الخصوصية”.

من ذات المنطلق، اعتبر عصام مختار، مدير مدرسة الجيزة الثانوية، مقترح مجموعات الدعم حلًا جادًا للسيطرة على موجة “سناتر” -مراكز الدروس الخصوصية. لافتًا إلى أن الفترة الراهنة، ومع بداية الفصل الدراسي الثاني سيلجأ أولياء الأمور إليها نظير وضع اقتصادي مرهق لميزانيات الأسر المهتمة بالتعليم.

وأضاف لـ”مصر350″ أن الأمر ينقصه توعية أولياء الأمور بضرورة الإقبال على مجموعات الدعم بالمدارس، وإبراز تكلفتها الأقل مقارنة بمراكز الدروس الخصوصية، وجديتها في الحرص على تطوير مستوى التحصيل الدراسي، وربط الطالب بالمدرسة.

وحسب القرار الوزاري المرتقب، فإن تنظيم مجموعات الدعم متاح لكل الصفوف الدراسية داخل المدارس الحكومية “العربي، واللغات”، بجانب المدارس الخاصة، بنفس القواعد المقررة.

لا يضمن الانضباط

في السياق ذاته، تضيف “ع. أ” -ولي أمر- ومعلم بإحدى إدارات الجيزة التعليمية لـ”مصر 360″: “المجموعات المدرسية القائمة حاليًا داخل المدارس تسمى “مجموعات تقوية”، ويتقاضى المدرس مقابلها شهريًا، بعد أن تمر المبالغ المحصلة بدورة كاملة، من جمع المقابل إلى توريده للسكرتير، ثم إلى الوزارة، ثم يعود نصيب المدرس بنهاية الشهر.

ويستطرد: “هذا نظام معقد جدًا. ولذلك لجأت بعض المدارس إلى تطبيق نظام “السنتر”. بما يعني تحول المجموعات المدرسية إلى محاضرات. ثم تحول نسبة مقتطعة إلى الوزارة، ويتم حساب المقابل وفق عدد الحضور”.

ورغم هذا لا يضمن نظام مجموعات التقوية القائم حاليًا انضباط التلاميذ في المدارس -على حد تصريحات “ع.م” مدير بإحدى مدارس الجيزة الثانوية. لافتًا إلى أن الطلاب يثقون في منظومة مراكز الدروس الخصوصية، وكذلك أولياء الأمور، نظير آليات عمل داخل هذه المراكز لا تتسم بالصرامة المدرسية والانضباط.

لذلك، فإن مقترح “مجموعات الدعم” بالصورة التي تنتوي وزارة التربية والتعليم إطلاقها قد تقضي على منظومة “السناتر”، إذا اتخذت إجراءات أكثر حيوية لجذب الطلاب إلى المدرسة، وإعادة الثقة في المدرسين المتخصصين، على حد قوله

وحسب مصادر مطلعة، فإن الوزارة ستتيح فرصة أمام مدرسي “مراكز الدروس الخصوصية” من غير العاملين بالتربية والتعليم بشرط حصولهم على دورات تدريبية مكثفة، ومنحهم شهادة صلاحية ممارسة المهنة من الأكاديمية المهنية للمعلمين قبيل بدء عملهم بالمدارس.

حسب مصادر مطلعة، فإن الوزارة ستتيح فرصة أمام مدرسي "مراكز الدروس الخصوصية" من غير العاملين بالتربية والتعليم بشروط (الصورة - وكالات)
حسب مصادر مطلعة، فإن الوزارة ستتيح فرصة أمام مدرسي “مراكز الدروس الخصوصية” من غير العاملين بالتربية والتعليم بشروط (الصورة – وكالات)

نفق الروتين المتوقع

وأبدى معلمون وخبراء تخوفهم من دخول مقترح “مجموعات الدعم” نفق الروتين الحكومي، واتباع نفس أدوات، وآليات مجموعات التقوية القائمة بالمدارس.

وحذر الخبير التربوي تامر شوقي من تكرار آليات مجموعات المدارس، مؤكدًا أن ذلك لن يفي بالغرض منها، كبديل عن الدروس الخصوصية، وأداة لتخفيف الضغط المادي على أولياء الأمور.

ومن زاوية مغايرة دعا الخبير التربوي إلى تغيير فلسفة المجموعات المدرسية بغض النظر عن “المسمى”، لافتًا إلى أن المجموعات يجب أن توجه إلى الطالب المتفوق للحفاظ على مستوى تحصيله الدراسي، وتطويره، إلى جانب العمل على رفع مستوى الطالب ضعيف التحصيل الدراسي.

ووصف الحديث عن نقل تجربة التعليم بمراكز الدروس الخصوصية بـ”الخطأ الفادح”، مشيرًا إلى أن هذا يعني فشل المنظومة، يأتي ذلك –على حد قوله- لأن كثافة “مراكز الدروس الخصوصية” في الأغلب أكثر عددًا من الفصول الدراسية بالمدارس، ومستوى تحصيل الطلاب لم يتغير.

واستطرد قائلًا:”آليات “مراكز الدروس الخصوصية” تختلف عن نظيرتها في المدارس من ناحية الشكل الخارجي، وفقط، ولعل أدوات التكنولوجيا، وكثرة الاختبارات، ووجود مساعد للمعلم، وغيرها من الأشياء هي وسائل الإبهار للطلاب، وأولياء الأمور، وهي أمور يمكن تطبيقها داخل المدارس”.

اقرأ أيضًا: الطبقة الوسطى تهبط لأحزمة الفقر.. دون دعم تواجه التضخم بالتكيف والتنازل

ولم تعد القضية مجرد إطلاق مسمى “مجموعات دعم” على المقترح الوزاري الجديد فحسب، وإنما لا بد أن يراعى إبان التطبيق تقليل كثافة القاعات المجهزة لهذا الإجراء، على ألا تزيد حسب تصوره عن 20 طالبًا.

“ع. ع” -ولي أمر- يقول: “لدي 3 أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، ويحرصون على جميعًا على حضور مجموعات التقوية المدرسية، ومقابل ذلك أدفع مبلغًا شهريًا، لكني لا ألحظ تحسنًا كبيرًا في مستوى تحصيلهم الدراسي”.

ويضيف لـ”مصر360″:”رغم أن راتبي الشهري لا يتجاوز 4 آلاف جنيهًا، وأقيم في قرية بمدينة أطفيح جنوب الجيزة-، ولا توجد لدينا مراكز دروس خصوصية، لكنني مضطر لإرسال الأبناء إلى مدرسين خصوصيين لتحسين مستواهم في بعض المواد الدراسية”.

ويستطرد:”لذلك، سأكون سعيدًا جدًا إذا أقرت مجموعات “الدعم” بالمدارس، بشرط أن تضمن تحسن مستوى الأبناء دراسيًا، وإذا لم ألحظ هذا التحسن خلال الشهر الأول من تطبيقها سألجأ مرة أخرى إلى الدرس الخاص”.

ويبلغ متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية الواحدة على التعليم ما قيمته 18 ألفًا و549 جنيهًا سنويًّا، في حين يصل الإنفاق السنوي للأسرة المصرية بالريف على قطاع التعليم وملحقاته 5 آلاف و720 جنيهًا، بنسبة 9.2% من إجمالي الدخل السنوي للأسرة في الريف.

إصلاح ما أفسدته “السناتر”

يقول “أ. م” -مدرس ثانوي: “إن مراكز الدروس الخصوصية أفسدت قطاعًا من المعلمين”. لافتًا إلى أن ذلك ينعكس على معاملة الطلاب الذين يرفضون الالتحاق بالدرس الخاص بجفاء متعمد.

لذلك، لا يمكن تطبيق مقترح “مجموعات الدعم” بمعزل عن ضرورة انتقاء المعلم الذي سيتصدى لمهمة تطوير مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب، مراعيًا في ذلك الظرف الاقتصادي الراهن، وتسرب عدد كبير من حواضن الدروس الخصوصية- على حد قوله.

وسبق أن حددت الوزارة في الجداول الاسترشادية لمجموعات التقوية، أسعار المواد في المراحل التعليمية المختلفة والتي جاءت على النحو الآتي:”المرحلة الابتدائية-الصفوف “الأول والثاني والثالث” ابتدائي من 30 – 40 جنيها للمنهج كله، والصفوف “الرابع، الخامس، السادس” من 20 – 25 جنيهًا لكل مادة على حدة، باستثناء  اللغة الإنجليزية من  35 – 40 جنيها.

أما المرحلة الإعدادية، الصفان “الأول والثاني” الإعدادي من 40 – 45 جنيهًا لكل مادة في القرى، ومن 45 – 50 جنيهًا في المدن، والصف الثالث الإعدادي، و50 جنيهًا للمادة في القرى، و60 جنيهًا للمادة في المدن”.

بينما المرحلة الثانوية: “الصفان الأول، والثاني الثانوي-من 70 – 75 جنيهًا للمادة الواحدة في القرى، ومن 75 – 80 جنيهًا للمادة في المدن، والصف الثالث الثانوي، 80 جنيهًا للمادة في القرى، ومن 85 – 90 جنيهًا في المدن”.

ضوابط لا بديل عنها

ويطالب تامر شوقي بضرورة دراسة طلاب الفصل الواحد الملتحقين بـ”مجموعة الدعم”، مع مراعاة التجانس، والتعرف على نقاط القوة، والضعف لدى كل طالب لتقديم الدعم المناسب لحالته، بشكل مستقل.

دون ذلك، يفقد “الدعم” معناه -وفق رؤية الخبير التربوي- يأتي ذلك بمحاذاة رفضه للبحث عن استقطاب “المعلم المشهور” -طبقًا لآليات مراكز الدروس الخصوصية- والتي اعتمدت خطة تدريس المادة العلمية بـ”طريقة المهرجانات”.

وفق رؤيته، فإن المدارس يجب أن تبذل جهدًا في إضافة أساليب الدعم النفسي والأسري، مشيرًا إلى أن الضعف الدراسي لا يرجع فقط إلى مستوى التحصيل. مشددًا على ضرورة تقديم طرق إبداعية، بشكل أفضل مما يحدث داخل مراكز الدروس الخصوصية، مع إتاحة الفرصة للإرشاد التربوي.

ويردف قائلًا: “إن اختيار المعلمين الذين سيتم الاستعانة بهم في التدريس لابد  أن يتم على أساس الكفاءة، القدرة، والإبداع، مع مراعاة حصول المعلم الخارجي –ممن لا يعملون في القطاع الحكومي- على مؤهل تربوي، حتى لا تضيع الفرصة على التربويين”.

ويستنكر تبرير “أباطرة الدروس الخصوصية” استعمال طريقة “أغاني المهرجانات” في التدريس باعتبارها تساعد الطلاب على استيعاب دروسهم، وتثبتها في أذهانهم، وتحول بعض المدرسين إلى نجوم شباك بشكل مبالغ فيه، لدرجة أن بعضهم يقدم الدروس الخصوصية في قاعات الأفراح، والساحات الرياضية.