تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي أول اجتماعات العام الحالي في 2 فبراير/ شباط المقبل، وسط أجواء عالمية غير إيجابية فيما يتعلق بتخفيف سياسة التشديد النقدي “رفع سعر الفائدة”، وصراع داخلي بين معدلات التضخم المرتفعة -التي تجاوزت المستهدفات- ومعدلات الدين الحكومي.
ارتفع معدل التضخم الأساسي، الذي يعده البنك المركزي المصري، إلى 24.4% على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الأول 2022 مقابل 21.5% في نوفمبر/ تشرين الثاني. بينما سجل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية 21.9% مقابل 19.2% لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ونحو 6.5%، لنفس الشهر من العام السابق، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
الفارق بين مؤشر التضخم الأساسي، الذي يعلنه البنك المركزي، والتضخم العام الذي يعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يتمثل في استبعاد “المركزي” بعض السلع التي تتأثر بصدمات العرض المؤقتة والأسعار التي تتسم بالتقلبات الحادة، مثل الفواكه والخضراوات، إلى جانب السلع المحدد أسعارها مثل أنابيب البوتاجاز.
التشديد النقدي لن يتوقف
تسعى البنوك المركزية العالمية لمواصلة سياسة التشديد النقدي في 2023، التي بدأتها العام الماضي. إذ أكددت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، عزم البنك المضي قدمًا في رفع أسعار الفائدة “بوتيرة ثابتة”. وذلك لمكافحة التضخم الذي لا يزال مرتفعًا جدًا بمنطقة اليورو.
التضخم في منطقة اليورو بشكل عام يدور حاليًا في مستوى 10% مع تضخم أسعار الطاقة. ويرتفع ذلك الرقم إلى 11.6% بألمانيا، و12.8% بإيطاليا. بينما يستهدف البنك المركزي الأوروبي ألا يزيد التضخم على 2%. ما يعني رفع أسعار الفائدة في فبراير/ شباط المقبل. وعلى الأرجح في الأشهر التالية، فتراجع القدرة الشرائية الناجمة عن ارتفاع الأسعار بات مصدر قلق رئيسي للأوروبيين، بحسب لاجارد.
في أمريكا، يناقش مسئولو الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) يومي 31 يناير/ كانون الثاني و1 فبراير/ شباط أسعار الفائدة. مع إمكانية تقليل وتيرة الرفع إلى 0.25 نقطة مئوية بعد سلسلة من زيادات أسعار الفائدة هي الأسرع منذ أوائل الثمانينيات بلغ مجموعها 4.25 نقطة مئوية.
وفي المنطقة الآسيوية، لم تكن الأمور بأسعد حالٍ، مع ارتفاع أسعار المستهلكين في اليابان لأعلى مستوى منذ عام 1982 عند 3.6% على خلفية انخفاض سعر صرف الين مقابل الدولار. ما أدى إلى زيادة تكلفة الواردات وزيادة كبيرة في أسعار الطاقة.
مع إلغاء الصين القيود التي وضعتها بشأن أزمة كورونا، فإن مخططات البنوك المركزية العالمية ستوضع تحت اختبار جديد. فالصين قد تشعل الطلب العالمي على النفط إلى 101.7 مليون برميل يوميًا. ما يرفع معه سعر البرميل مجددًا لمستوى 100 دولار للبرميل.
توقعات متباينة
أجرى البنك المركزي المصري، أخيرًا، تعديلات على مستهدفات التضخم للثلاث سنوات المقبلة، ليحدد المعدلات المستهدفة للتضخم عند مستوى 7٪ (± 2) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5٪ (± 2 نقطة) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
رغم استمرار التضخم في الارتفاع، فإن البنك المركزي محكوم أيضًا في تعامله مع الفائدة بقضيتي الاستثمار والدين الحكومي، وكلاهما يواجهان تحديات. فالقطاع الخاص المصري مُنكمش للشهر الخامس والعشرين، والدين الحكومي عند مستويات كبيرة.
بحسب تقرير مدراء المشتريات الصادر عن مؤسسة “ستاندرد آند بورز جلوبال“، سجل مؤشر مديري المشتريات لمصر خلال ديسمبر/ كانون الأول 47.2 نقطة مرتفعا من 45.4 نقطة في نوفمبر/ تشرين الثاني، وفقا للتقرير. لكن نشاط الشركات، لا يزال تحت المستوى المحايد عند 50 نقطة الذي يفصل الانكماش عن التوسع والنمو.
ومع كل رفع 1% في أسعار الفائدة يرتفع عبء الدين على الحكومة بنحو 30 مليار جنيه، وتكبدت وزارة المالية أعباء ضخمة مع رفع البنك الفائدة العام الماضي بنحو 8% بإجمالي 240 مليار جنيه.
اقرأ أيضًا: بعد قفزات الدولار.. هل تجنبنا إجراءات التحوط ارتفاعات أسعار الوقود في 2023؟
المحلل المالي، نادي عزام، كان من أنصار توجه البنك المركزي لتثبيت الفائدة مع استقرار سعر الصرف نسبيًا عند مستوى 30 جنيهًا تقريبًا. مع دخول البضائع المحتجزة بالجمارك التي يفترض انعكاسها على الأسواق وأسعارها. هذا إلى جانب عزم بنكي الأهلي ومصر وقف شهادات مرتفعة العائد بنهاية يناير/ كانون الثاني الحالي.
وأعلن بنكا الأهلي ومصر، الثلاثاء، وقف بيع شهادات الـ 25% و22.5% بنهاية الشهر الحالي، بعد ما حقق البنكان حصيلة تقدر بـ 400 مليار جنيه موزعة بين 260 مليار للبنك الأهلي، و140 مليار جنيه لبنك مصر.
يقول “عزام” لـ”مصر360″ إن الـ 72 ساعة الأخيرة تظهر بداية استقرار أسعار بعض السلع وتراجع أخرى بصورة طفيفة، ويتبقى على اجتماع المركزي أكثر من أسبوع يمكن خلالها قياس أكبر لتأثير توافر السلع على مستوى الأسعار، ومدى الاحتياج لرفع الفائدة، خاصة مع إقرار المركزي أخيرًا مبادرة التمويل الصناعي بسعر فائدة 11%.
بحسب الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريح لـ”مصر 360″فإن رفع الفائدة يؤثر على الموازنة العامة للدولة. لكنه قال إن معدل التضخم قد ينخفض إلى معدله الطبيعي عند 6% بنهاية العام الجاري 2023.
يجذب الأموال.. يضر الموازنة
في المقابل، يتوقع فريق من الخبراء استمرار رفع الفائدة لجذب المستثمرين الأجانب لأدوات الدين الحكومية وعودة تدفقات الأموال الساخنة. خاصة بعد بيان البنك المركزي الأخير الذي كشف فيه عن تدفقات نقدية بقيمة 925 مليون دولار في 3 أيام.
رفع البنك المركزي، أخيرًا، سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25، 17.25و 16.75، على الترتيب.
اضطرت وزارة المالية، في عطاءات الأوراق المالية الحكومية الأخيرة، إلى رفع سعر الفائدة على عطاء لأذون الخزانة إلى 21.490% لأول مرة منذ نحو من 5 سنوات ونصف، بحسب بيانات منشورة على موقعي البنك المركزي ووزارة المالية.
تتوقع سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، رفع سعر الفائدة بين 1 و2% الاجتماع المقبل لاحتواء التضخم الذي لا يزال مرتفعًا، ولامتصاص السيولة وتوجيهها نحو الادخار، مضيفة أن لجنة السياسات النقدية تستهدف في الفترة الأخيرة استقرار الأسعار.
بحسب مصرفيين، فإن زيادة سعر الفائدة على الاقتراض إلى 17.25% (النسبة الحالية قبل الرفع) مع إضافة البنوك المصرية المقرضة 1% كرسوم إدارية بجانب 1.5% عمولة، يعني أن كلفة الإقراض سترتفع لتقترب من 20% وهو معدل يحول دون قدرة القطاع الخاص على التوسع، وأمر يجب أن يراعيه البنك المركزي.
وتقول الدماطي لـ”مصر 360″ إن طرح شهادات الـ 25% كانت تستهدف مواجهة التضخم وسحب السيولة كما تحمل شقا اجتماعيًا وهو توفير عائد للمواطنين وحماية مدخرات صغار المودعين من التآكل، وفي الوقت ذاته تم إطلاق مبادرة تمويل الصناعة ذات الفائدة المنخفضة بفائدة 11%، ما يساعد في تحقيق أهداف الدولة في دعم الصناعة.