منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلنت مجموعة الطاقة الإيطالية (إيني) وشركة الطاقة الأمريكية (شيفرون)، بشكل رسمي، عن كشف جديد للغاز الطبيعي في حقل بحري شرقي البحر المتوسط “نرجس 1″، والذي تسعى الشركة القابضة للغاز “إيجاس” للإسراع بوضعه على قائمة الإنتاج، بالتعاون مع الشركاء الأجانب. إلا أنه ومع حقيقة حصص الملكية الكبيرة في الحقل لعملاقي الغاز “إيني وشيفرون”، يبقى التساؤل حول مدى استفادة مصر من هذا الاكتشاف.

كشفت شيفرون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الاحتياطي الأولي للحقل يدور حول متوسط 3.5 تريليون قدم مكعب من الغاز. وهو رقم ذكرت وزارة البترول، الأسبوع الماضي، أنه غير نهائي. إذ لا يزال تقييم التقديرات الكلية للاحتياطي جاريًا. وبالتالي، فإن الرقم المؤكد ليس نهائيًا، وإن كان المتوقع يتراوح ما بين 3 و4 تريليون قدم مكعب، حسب أسامة كمال وزير البترول الأسبق.

أسامة كمال وزير البترول الأسبق
أسامة كمال وزير البترول الأسبق

90 % للشريك الأجنبي

يرى “كمال” في تصريح لـ “مصر 360” أن أهمية الكشف الجديد بالنسبة للدولة ليس في حجم الاحتياطي فقط، ولكن في كون المسئول عن تحقيق الاكتشاف هو شريك أجنبي، يعمل حديثًا في مجال التنقيب بمصر؛ “شيفرون”، التي أصبحت لاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة بشرق المتوسط، عقب استحواذها في 2020 على شركة نوبل إنرجي.

ووفقًا للبيانات الصادرة عن الشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس”، فإن نسبة الشريك الأجنبي ستنقسم بين 45% لشيفرون ومثلها 45% لصالح شركة إيني الإيطالية. بينما تبلغ حصة الشريك المصري المتمثل في شركة ثروة للبترول نحو 10%. وهو تفاوت كبير في النسب، يرجعه الخبراء، إلى تحمل الشريك الأجنبي نفقات عمليات البحث والتنقيب. في وقت لا تتحمل الحكومة المصرية أية تكاليف.

يوضح خبراء أيضًا أنه يبقى للدولة عقب انتهاء الشريك الأجنبي من عمليات التنقيب خيارين في مسألة الاستفادة من الاكتشاف؛ الأول هو عدم سداد أية نفقات للمستثمر إذا لم يتوصل لأية حقول، والثاني هو سداد كامل نفقات التنقيب إذا توصل الشريك الأجنبي إلى حقل فعلي. إذ تتضمن الاتفاقيات التي توقع بين الحكومة والشريك الأجنبي “صاحب حق الامتياز” بنودًا خاصة باسترداد النفقات، من خلال الحصول على حصة معينة من إنتاج البئر المُكتشف، على أن تظل هذه الحصة مملوكة للشريك وحتى الانتهاء من استراداد كامل نفقاته، ثم تؤول بعد ذلك إلى وزارة البترول.

وبالتالي، فإن وزارة البترول لن تحصل على كامل إنتاج حقل “نرجس” من الغاز الطبيعي. وستذهب نسبة كبيرة للشريك الأجنبي -شركتي شيفرون 45% وإيني 45%-.

اقرأ أيضًا: الغاز المسال إلى ذروة الإنتاج.. كيف استفادت القاهرة من الصراع الروسي-الأوكراني؟

أي استفادة لمصر؟

على صعيد احتياطي الغاز التقريبي في “نرجس”، فإنه يقارب نحو 10% فقط من حقل “ظهر”. وبالتالي لن يُحدث طفرة على صعيد صادرات الغاز المسال مثلما فعل “ظهر”. فالمقدر حتى الآن حوالي 3.5 تريليون قدم مكعب غاز، في حين يحتوي “ظهر” على 30 تريليون قدم، وفق مدحت يوسف الخبير البترولي.

مدحت يوسف الخبير البترولي
مدحت يوسف الخبير البترولي

وقد حوّل حقل “ظهر” مصر -بفضل احتياطاته- من دولة تستورد شحنات من الغاز بما يوازي ملياري دولار شهريًا، عندما كانت الأسعار 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، إلى مصدرة للغاز المسال. ولكن هنا وضع مختلف مع “نرجس”، لأنه في الأغلب لن يفيد التصدير بالكميات المطلوبة. وإن كان الحكم النهائي على هذا متروك للتقدير النهائي لاحتياطي الحقل.

يشير يوسف في حديثه لـ”مصر 360” أيضًا، إلى أن الحقل لن يُؤتي ثماره على المدى القريب. فبدء الإنتاج لا يكون عقب اكتشاف الحقل مباشرة، وهناك خطوات عدة ومنصات يتم إنشائها على أعماق تأخذ فترة طويلة لحين بدء استخراج الغاز، خاصة في مناطق الامتياز البحرية. في حالة “ظهر” مثلًا، أعلن الاكتشاف في عام 2015، وبدأ الإنتاج في ديسمبر/ كانون الأول 2017.

ومع ذلك، فإن “يوسف يلفت إلى اكتشافات أخرى قد تعقب كشف “نرجس” في الفترة القادمة. خاصة في ظل تزايد عدد مناطق الامتياز المطروحة من خلال مزايدات هيئة البترول والشركة القابضة للغاز “إيجاس”، سواء في البحر المتوسط أو بالمياه الاقتصادية في البحر الأحمر، التي شهدت بدء عمليات التنقيب بعد إعادة ترسيم الحدود مع السعودية.

حوّل حقل "ظهر" مصر من دولة تستورد شحنات من الغاز إلى مصدرة (الصورة - وكالات)
حوّل حقل “ظهر” مصر من دولة تستورد شحنات من الغاز إلى مصدرة (الصورة – وكالات)

احتياطي مصر من الغاز

وفق مصادر مسئولة بالشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس”، فإن احتياطي مصر من الغاز في الحقول التي سترتكز عليها السنوات القادمة في تلبية حاجة السوق، وكذلك دعم صادرات الغاز المسال، يتمثل في 5 حقول يقوم على تشغيلها 5 شركاء أجانب، بحجم إنتاج يتراوح بين 40 و45 تريليون قدم مكعب غاز.

– حقل “ظهر” بحجم احتياطي 30 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي والمشغل الرئيسي للحقل هي شركة إيني الإيطالية.

– حقول “شمال الإسكندرية” بحجم احتياطي 5 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي والمشغل الرئيسي للحقول هي شركة بريتش بتروليم.

– “نرجس” بحجم احتياطي أولي 3.5 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي والمشغل الرئيسي للحقل هي شركة شيفرون.

– “نورس” بحجم احتياطي 2 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي والمشغل الرئيسي للحقل هي شركة أيوك.

– حقل “أتول” بحجم احتياطي 1.5 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي والمشغل الرئيسي للحقل هي شركة بريتش بتروليم.

عجز يتحول إلى فائض

بفضل تلك الاحتياطات احتلت مصر في 2020 المركز 14 عالميًا والخامس إقليميًا والثاني إفريقيًا في إنتاج الغاز. ذلك بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار م3، وفقًا لـ”بريتش بتروليوم“.

وفي عام 2020/2021 وصل حجم الإنتاج إلى 66.2 مليار م3. وكان الاستهلاك 62.9 مليار م3 والفائض 3.3 مليار م3. بينما سجل الإنتاج 63.2 مليار م3 في 2019/2020 والاستهلاك 59.6 مليار م3 والفائض 3.5 مليار م3.

ووصلت مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر/ أيلول 2018. وعادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال. حيث سجلت عام 2018/2019 إنتاجًا بحجم 66.1 مليار م3. في مقابل استهلاك 61.8 مليار م3. وفائض وصل إلى 4.3 مليار م3.

اقرأ أيضًا: هل تتحول بوصلة الغاز الأوروبية في اتجاه القاهرة؟

وكانت مصر قد تحولت إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام 2014/2015. حيث وصل العجز إلى 0.2 مليار م3. بعدما سجل حجم الإنتاج 46.8 مليار م3. والاستهلاك 47 مليار م3. كما بلغ العجز 7.1 مليار م3 في عام 2015/2016. حيث سجل حجم الإنتاج 41.6 مليار م3، والاستهلاك 48.8 مليار م3. بينما بلغ العجز 8.9 مليار م3 في عام 2016/2017. حيث سجل حجم الإنتاج 46.3 مليار م3 والاستهلاك 55.2 مليار م3.

وتراجع هذا العجز -وفق تقارير حكومية- مع بدء تشغيل حقل “ظهر”. حيث سجل 4.9 مليار م3 في عام 2017/2018. وبلغ حجم الإنتاج 54.6 مليار م3 والاستهلاك 59.5 مليار م3.

وكان الإنتاج عام 2013/2014 سجل 52.2 مليار م3 والاستهلاك 50 مليار م3 والفائض 2.2 مليار م3. في حين سجل الإنتاج 58.8 مليار م3 في عام 2012/2013 والاستهلاك 52.1 مليار م3 والفائض 6.7 مليار م3. بينما سجل حجم الإنتاج 61.3 مليار م3 في عام 2011/2012 والاستهلاك 51.8 مليار م3 والفائض 9.5 مليار م3.

وخلال 2021 ارتفعت صادرات قطاع البترول (نفط وغاز والبتروكيماويات) بنسبة 84.28% لتصل إلى 12.9 مليار دولار. ذلك مقابل 7 مليارات دولار خلال عام 2020. فيما قفزت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال العام الماضي بنسبة 550% لتصل إلى 3.9 مليار دولار. ذلك مقابل 600 مليون دولار خلال 2020. حيث ارتفعت صادرات مصر من المنتجات البترولية والبتروكيماوية خلال 2021 بنسبة 42.5% لتصل إلى 5.7 مليار دولار مقابل 4 مليارات خلال 2020.