في الرابع من يناير/ كانون الثاني الحالي، زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد. ما أثار ردود فعل متباينة، واعتبر بعض الخبراء الزيارة ضمن “لعبة الإمارات الطويلة بشأن سوريا”، ربما في مواجهة منافستها الإقليمية إيران، بينما تكهن آخرون بشأن محاولات الأسد إيجاد بديل لروسيا الخاضعة للعقوبات.

تعتبر الإمارات الدولة الخليجية الوحيدة التي زارها الرئيس الأسد في مارس/ آذار 2022. والحقيقة أن كلا البلدين يشهدان أكبر عدد من الزيارات المتبادلة على مستوى سياسي رفيع. وقد قدمت الإمارات نفسها كشريك أقرب لسوريا بين بقية دول الخليج العربي، ويُنظر إليها على أنها تمتلك القدرة على إحداث تأثير إيجابي على حل الصراع السوري وإعادة إعمار البلاد.

تطرح تلك التطورات أسئلة منطقية: لماذا أصبحت سوريا بهذه الأهمية بالنسبة للإمارات العربية المتحدة؟ وما الذي يدفع سياسة أبو ظبي لتطبيع العلاقات مع دمشق؟ والإجابة على مثلها يستدعي التطرق لعدة عوامل دفعت الإمارات إلى اتخاذ هذا المسار المستجد، بحسب تقرير حديث للمركز الروسي للشؤون الخارجية.

مكاسب التقارب مع سوريا

وفق التقرير، فإن العامل الأول الذي يدفع أبو ظبي نحو دمشق “سياسي”، فقيادة الإمارات تعتبر سوريا أحد الأصول القيمة عبر استخدام العلاقات معها كورقة مساومة لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية، بجانب ردع النفوذ المتزايد لتركيا، وإيران في سوريا أو على الأقل مراقبته عن كثب.

أما العامل الثاني فأيديولوجي، إذ أن قيادة الإمارات وجدت حليفًا أيديولوجيًا في الرئيس بشار الأسد، الذي كان على غرار رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، يخوض حملة معادية ضد الإسلاميين، وبينما دعمت السعودية وقطر المتطرفين في سوريا، كانت أبو ظبي قلقة من تمكين الحركات الإسلامية وتأثيرها السلبي المحتمل على بلاد الشام ومنطقة الخليج بشكل غير مباشر، بما في ذلك الإمارات نفسها.

العامل الثالث عسكري، فالإمارات تعتبر سوريا حصنًا قيمًا ضد التوسع التركي والإيراني بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علاوة على ذلك فإن التعاون الاستخباراتي بين دمشق وأبو ظبي يساعد في القتال المشترك ضد “داعش”.

اقرأ أيضًا: الإمارات الفاعل الأكبر.. خريطة النفوذ الخليجي في دول الصراعات العربية

العامل الرابع اقتصادي فالإمارات دعمت المعارضة السورية لسنوات حتى أدركت الطبيعة غير الواقعية لسياسة “تغيير النظام” في سوريا، وبالتالي، سعت للتحوط من المخاطر وتقليل خسائرها من خلال المصالحة مع دمشق.

وبعد إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، أصبحت أبو ظبي “البوابة” الرئيسية لدخول عملية إعادة الإعمار في سوريا، ومنذ عام 2020 يستخدم مجتمع الخبراء السوريين مصطلح “الانفتاح الخليجي” بقيادة الإمارات التي أصبحت الشريك التجاري المحوري لسوريا، وسرعان ما حولت جهودها الرئيسية من “الانفتاح” الاقتصادي إلى دبلوماسية كورونا والمساعدات الإنسانية.

التحول الخليجي إزاء سوريا اتسم بالهشاشة رغم إعادة البحرين فتح سفارتها بدمشق في ديسمبر 2018. فدول الخليج تقدم مبادرات مع دمشق الرسمية وتشمل هذه مجموعة متنوعة من الخطوات لكن بالنسبة للإمارات كان هناك ترحيب حار ببشار الأسد أثناء زيارته لها في مارس 2022. ذلك إلى جانب الزيارات المنتظمة لكبار المسئولين والاجتماعات السرية للخبراء الأمنيين والاحتفال بيوم الاتحاد الإماراتي الذي نظمته السفارة الإماراتية بدمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحضره عدد من أعضاء الحكومة السورية، بمن فيهم وزير الدفاع.

العداوة تسقطها المصالح

استعداد الحكومة السورية للمصالحة مع الإمارات رغم سنوات العداء ودعم الأخيرة للمعارضة السورية يُمكن تفسيره بعدة عوامل رئيسية. فالانفراج الناجح مع الإمارات وسيلة للتغلب على عزلة سوريا في العالم العربي، والتي يمكن أن تساعد في نهاية المطاف في استعادة عضويتها في جامعة الدول العربية وإعادة دمجها.

تعمل الإمارات أيضًا كوسيط لتواصل دمشق مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (مثل السعودية وقطر) والغرب، كما تنظر الحكومة السورية إلى الإمارات على أنها قوة موازنة محتملة للنفوذ الإيراني المفرط في سوريا.

اقرأ أيضًا: تقرير استخباراتي: الإمارات تلاعبت بالنظام السياسي الأمريكي

كما أن التعاون مع الإمارات مفيد أيضًا لأسباب اقتصادية ، مثل التحايل على العقوبات الغربية على دمشق وإعطاء رواد الأعمال السوريين فرصة لاستغلال مركز دبي المالي كـ “مركز” للوصول إلى الأسواق العالمية ومراكمة الثروة الشخصية ، كما فعلوا قبل الصراع السوري.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ، اتفقت الإمارات وسوريا على تعزيز التعاون الاقتصادي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تم انتخاب محمد كسوان المصري، الرئيس السابق لمجلس الأعمال السوري الإماراتي، لمنصب بارز كرئيس لمجلس إدارة غرفة صناعة دمشق، ويرى الخبراء المحليون أن هذه الخطوة يتم تنسيقها مع السلطات وتهدف إلى توسيع الحوار بين الشركات مع الإمارات العربية المتحدة.

مرت خمس سنوات تقريبًا منذ بدء الانفراج بين دمشق وشركائها العرب في عام 2018. تمتلك الإمارات والبحرين الآن سفارات عاملة في دمشق (لم تغلق عُمان سفارتها في سوريا أبدًا) ، ولا تزال الزيارات والأنشطة الاقتصادية مستمرة.. بعد أكثر من عقد من الحرب وعدم الاستقرار في سوريا ومع فشل واضح لسياسات “تغيير النظام”، بدأ معظم الفاعلين الإقليميين في إدراك الحاجة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق.