يعاني المجتمع المدني التونسي، الذي كان قويًا، من الانقسامات، منذ أن بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد تعزيز حكمه في يوليو/ تموز 2021. وكانت قوته السابقة نتاج فترة ما بعد الربيع العربي، عندما برزت تونس كنموذج للانتقال الديمقراطي، وانتشرت المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك النقابات العمالية وجماعات حقوق الإنسان والجمعيات. الأمر الذي أثار مسألة الدعم الغربي له، على أساس أنه يساعد في دفع انتقال الدولة بعيدًا عن الحكم الاستبدادي.
وفي مذكرة سياسية صادرة عن معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى“، تنظر الخبيرة في شمال إفريقيا، سابينا هينبيرج، إلى معضلة المجتمع المدني/ الدولة في تونس. وكيف يمكن لمجتمع السياسة الأمريكية أن يستجيب بشكل أفضل.
وفي هذا الصدد أيضًا، تؤكد “هينبيرج” أن تقليص الدعم للمجتمع المدني لا يعني بالضرورة التخلي عن التونسيين أو عن التحول إلى الديمقراطية.
أوجه الدعم
تشير المذكرة إلى أنه يمكن أن يتضمن الدعم توجيه أموال محدودة، مع التركيز على الحفاظ على قانون الجمعيات في الدولة لما بعد 2011، وإعطاء الأولوية لجهود مكافحة الفساد، ودعم جهود مكافحة الإرهاب مع البقاء على دراية بشكوك المجتمع المدني بشأن قمع الدولة لها، وتعزيز الفرص التعليمية للششباب التونسي.
لقراءة المذكرة كاملة.. اضغط هنا
تحديات كثيرة
في بداية مذكرتها المتعمقة في المجتمع المدني التونسي، تتناول “هينبيرج” بالعرض أهمية مؤسسات المجتمع المدني بالنسبة لصانعي ومحركي السياسات في الولايات المتحدة، مستعرضة عددا من أبرز المؤسسات التونسية التي وجهت لها واشنطن الدعم طيلة أعوام.
وفي ظل الحكومات الاستبدادية للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فإن منظمات المجتمع المدني تم رصدها عن كثب وغالبًا ما تم اختراقها من قبل الدولة. لكن، كان نشاطهم مهمًا بدرجة كافية لوضع أسس المجتمع المدني الناشئ.
وتشير المذكرة، إلى أنه رغم إنجازات المجتمع المدني التونسي، منذ عام 2011، فإنه يواجه العديد من التحديات. من بينها التراجع من قبل الدولة التي يشكل ملامحها الرئيس قيس سعيد، والذي “أصبح يشكل تهديدا وشيكا”، حسب تعبيرها.
لقراءة المذكرة كاملة.. اضغط هنا
كما أن المجتمع المدني يواجه انقسامات جديدة داخليًا -حتى داخل المنظمات- وأحيانًا مقابل مموليها الأجانب. وكذلك “عدم وجود علاقة بناءة مع الدولة، الأمر الذي قلص قدرة المجتمع المدني في تحقيق الديمقراطية وتعزيز العملية التعليمية أو الثقافية أو غيرها من الاهتمامات لدى التوانسة.
تقول هينبرج إنه لا تزال منظمات المجتمع المدني تعتمد على المانحين الأجانب لتمويلهم، وعلى الرغم من الجهود الجبارة لانتشار الموارد بالتساوي بين قطاعات المجتمع المدني في أنحاء تونس، لا يزال تركيز التمويلات بشكل أكبر في المناطق الساحلية.
إغلاق الفضاء العام
تؤكد “هينبيرج” أنه في البيئة الحالية، المجتمع المدني في تونس يواجه تهديدًا لا يمكن إنكاره من الرئيس، الذي سبق أن تولى السيطرة الشاملة على المؤسسات الرئيسية والحرجة في البلاد مثل القضاء.
تقول: “نشطاء المجتمع المدني يبلغون عن إحباطهم من محاولات تسجيل منظماتهم، وهي مماثلة للمشاكل التي حدثت بين عامي 2015 و2019”. وتضيف: “مع التباطؤ الحالي في التسجيلات، تواجه منظمات المجتمع المدني مضايقات تتجاوز هذا الأمر، ومن هذه المنظمات “أنا أرى، الفرع المحلي لمنظمة الشفافية الدولية، منظمة مكافحة الفساد، والذين أبلغوا عن مضايقات شملت قادتها وعائلاتهم”.
وقد تحدث ناشطون آخرون عن المضايقات المستمرة التي يواجهها نشطاء حقوق المثليين، وآخرون تمت مداهمة مكاتبهم أو إغلاقها بشكل تعسفي من قبل السلطات، وتعرض النشطاء لمرات عديدة للاعتقال التعسفي والاحتجاز.
اقرأ أيضًا: الإيكونوميست: انتخابات تونس بدون ناخبين ومتنافسين.. “الاختيار طبقا لقصة شعر المرشح”
أشكال التطوير المؤسسي
أيضا، تشير المذكرة إلى أهمية الحفاظ على اتصالات بين الولايات المتحدة وتونس، كما دعت، الدبلوماسية الأمريكية في تونس لأن تظهر التزام واشنطن تجاه نشطاء الديمقراطية داخل البلاد، مع المساعدة في الحفاظ على قدرتهم على العمل.
أضافت: تشجيع الدبلوماسية الفرنسية وغيرها على فعل الشيء نفسه سيعطي الشركاء الأوروبيين ثقة للانضمام، ما يمنح وزنا أكبر لحملة الدعم، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت تونس مركزًا إقليميًا مهمًا لمحترفي التنمية العاملين في بلدان شمال إفريقيا، خاصة مصر وليبيا.
لذلك وكما تقول المذكرة، يجب الحفاظ على أي شيء من شأنه تجنب أي تشديد في الفضاء الدولي والشمال الإفريقي على عمل المنظمات غير الحكومية.
لقراءة المذكرة كاملة.. اضغط هنا
مكافحة الفساد
أكدت المذكرة أيضا على أهمية إعطاء الأولوية لبرامج مكافحة الفساد في تونس، والذي يشهد مستويات عالية، صارت بمثابة عائق أمام التنمية وأمام المؤسسات الديمقراطية التي يمكن أن تكون بخلاف ذلك شريك حقيقي للمجتمع المدني” لأن الفساد أيضا يقوض الثقة داخل المجتمع التونسي بشكل عام.
وقالت: سواء اختارت الحكومة التونسية أم لا، مبدأ الحد من الدعم الأجنبي للمجتمع المدني عن طريق استبدال القوانين الموجودة، فإنه يجب أن يستمر صناع السياسة في واشنطن في البحث عن طرق فعالة للتصدي للفساد. ستكون هذه مساعدة يصعب على الرئيس سعيّد الاعتراض عليها.
لقراءة المذكرة كاملة.. اضغط هنا
توصيات للمانحين
تقول خبيرة شمال إفريقيا بمعهد واشنطن: حيث أن تونس تعاني من حالة عدم يقين أكبر من أي وقت مضى، والمكاسب الديمقراطية منذ عام 2011 تتلاشى. سيواجه صناع السياسة في الولايات المتحدة تحديًا متزايدًا لإيجاد طرق للانخراط بشكل بناء.
علاوة على ذلك، المجتمع المانح المهتم بدعم الديمقراطية سوف يحتاج إلى البحث عن طرق جديدة للتمويل المباشر. وشددت: “الجهات المانحة، وخاصة الولايات المتحدة، يجب أن تنظر لطرق بديلة لدعم تونس”.
تؤكد هينبيرج: “إن تقليص دعم المجتمع المدني لا يعني التخلي عن التونسيين أو “عملية الدمقرطة” في تونس”.
بدلًا من ذلك، سوف تحتاج إدارة بايدن إلى الاستخدام المستهدف لمواردها المحدودة. توضح هينبيرج: يجب التأكيد على أن واشنطن ليست مرتبطة بأي شكل بقمع منظمات حقوق الإنسان، أو غيرها من الأنشطة المناهضة للديمقراطية. وأن أي دعم للمجتمع المدني يعمل بالتوازي مع الإصلاحات الديمقراطية التكميلية وغيرها.