الوجع الذي ينبت في العمق، مثل نبت كُتب عليه أن يكون تحت السطح، نوعًا من الوجع لا يُصرح به لكنه يولد حين يبذل أحدهم جهدًا أو يفعل شيء وينتظر شكرًا أو تقديرًا ولا يجده.
لكنه لن يُعاتب ولن يطلب من الآخرين أن يشكروه فالأصل في الفعل أنك ستفعله والمفترض أن صاحب الفعل لا ينتظر المقابل فلماذا إذن يشرخ الحزن قلوبنا؟
اقرأ أيضا.. مقادير عمل سي السيد
“التقدير خسرنا كتير”
انتشر هذا المثل مع جمل مأثورة أخرى في إشارة لتغير قيمي ومجتمعي لا نلحظه لكنه يسري بيننا، دون أن يقف أحد لاستيضاح المعنى وهل حقًا نحن نخسر؟
في مقابل هذا القول والذي تغنى به بعض مطربي المهرجانات هناك قول آخر “افعل الخير في أهله وفي غير أهله فإن صادف أهله فهم أهله وإن لم يُصادف أهله فأنت أهله” ما بين العبارتين فارق كبير منحنى قيمي هابط، يعزز التجاهل وانعدام التقدير أو على الأقل الحذر عند فعله خوفًا من خسارة مرتقبة.
لا ننكر أن قيمًا سلبية عِدة انتشرت، وأن كثير لا يجدون ما يستحقون سواء المقابل المادي أو المعنوي وهو الأمر الذي يصنع خبرات سيئة تساهم في تمرير مفهوم التقدير خسرنا كتير وحقيقة الأمر أن هذه عبارة غير صحيحة مهما كانت الخبرات السيئة التي يحصدها البعض.
المعاملة بالمثل
مبدأ سليم نظريًا ولكنه يحتاج شروحات وتفسير، فلو أن أحدهم شتمك، فرددت عليه بمثل ما فعل ستجد نفسك بعد فترة تسب وتتصادم وأصبحت شخصا غير الذي كُنته، فإذا كان مبدأ المعاملة بالمثل مبدأ سليم لكنه غير مطلق، وإذا تعاملت مع السيء بسوئه سوف تُصبح أنت أيضًا سيء وربما أسوأ لأنك لن تتعامل مع سيء واحد، بل مع سيئين كُثر.
وعندما يتلوث الحليب من ذا يعيد إليه صفائه؟
هنا علينا أن نقف ونتفهم ونصنع كل منا نسخة خاصة به، نتعامل بالمثل في ماذا؟ الإيجابي والجيد فلا نفرط، اللإفراط هو الذي يضعنا على طريق الخسارة، الافراط في أي شيء وكل شيء، الإفراط في العطاء يحوله من فعل جيد إلى قبر يدفن أي جمال يحدث، المعاملة بالمثل حين نواجه الخير، وليس في المطلق.
التقدير كطريق للمكسب
يقول التون مايو أخد خبراء الإدارة، إن الحافز المعنوي أعلي أثرًا علي الموظفين ويرفع من نسب الرضا الوظيفي لديهم، هذا التحفيز المعنوي الذي نُسميه نحن التقدير، فالتقدير فعليا السحر الذي يذلل الطرق ويخلق روحًا إيجابية وحالة من الود فلنتخيل أن الزوج دخل البيت في نهاية اليوم وشكر زوجته علي ما فعلته خلال اليوم، حتي لو كان رد فعلها سلبي مرة فهل سيتكرر الرد سلبي؟ لا أعتقد.
لو أن الزوجة شكرت زوجها علي جهده وتعبه من أجل الأسرة وأجلت سرد قائمة التقصير.
ماذا لو أن أحدهم اصطدم بك دون قصد ثم اعتذر وقدم من الاعتذار والتقدير لُحسن ردك ما يليق بك؟ لو أن مُديرك في العمل قدّر ما تبذله من جهد.
كلها مواقف متكررة في حياتنا للتقدير فيها فعل السحر فهو يخفف من حدة الغضب ويتسبب في خلق مشاعر إيجابية ويمنح الآخر إحساسًا بالقوة لأن ما يفعله يراه الآخرون.
التقدير يؤصل لقيمة الجهد والعطاء ويدعم الود. ما يجعلنا نخسر هو الإفراط وليس التقدير