في 22 و23 يناير/ كانون الثاني، انطلقت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني في مهمة إلى الجزائر، للقاء الرئيس عبد المجيد تبون ونظيرها أيمن بن عبد الرحمن. وهي زيارة يمكن قراءتها من أهمية الجزائر لروما، إذ لعبت الأولى باحتياطاتها الوفيرة من الغاز الطبيعي دورًا محوريًا في تقليل اعتماد إيطاليا على الطاقة الروسية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تمثل 40% من واردات روما من الغاز قبل اندلاع الصراع.
إلا أن لهذه الزيارة أيضًا أبعاد أخرى، يكشفها استطلاع رأي أجراه “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI” لعدد من محلليه، من أهمها أن روما إلى جانب سعيها لتأمين مصدر دائم للطاقة، ترغب في تعزيز نفوذها داخل البحر الأبيض المتوسط. إذ أن هدفها ليس فقط أن تصبح مركزًا لوجستيًا للطاقة لأوروبا في السنوات القادمة. ولكن أيضًا أن تتحول إلى لاعب ذي أهمية متزايدة في الجغرافيا السياسية للبحر الأبيض المتوسط. وهو ما تبرزه سلسلة الزيارات التي أجراها كبار المسئولين الحكوميين الإيطاليين في المنطقة خلال الفترة الماضية.
فخلال زيارتها الأخيرة، شهدت رئيسة الوزراء الإيطالية توقيع مجموعة جديدة من الصفقات تهدف إلى زيادة صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا. بما يشمل وقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وكذا بناء خط أنابيب لنقل الهيدروجين إلى إيطاليا. فضلًا عن تعزيز التعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الجزائرية والإيطالية. وفي الوقت نفسه، سعت الحكومة الإيطالية للحصول على ضمانات بالتزام الجزائر بتعهداتها، وسط مخاوف من ضعف البنى التحتية للطاقة في البلاد.
اقرأ أيضًا: إيران وتركيا ورسائل نوفمبر المصرية للخليج وشرق المتوسط
إيطاليا وحلم جسر الطاقة
يقول الدكتور أومبرتو بروفازيو، محلل الشؤون المغاربية في مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو، إن إيطاليا كغيرها أسيرة جغرافيتها. بينما يمثل البحر الأبيض المتوسط، بعدها الطبيعي والاختبار الحقيقي لسياستها الخارجية، التي من خلالها يمكن تقييم أهداف روما ونتائجها.
لذا، فإن حكومة جورجا ميلوني لا تختلف عن سابقاتها، وفق “بروفازيو”، وهي تسير على خطى سلفها ماريو دراجي فيما يتعلق بالجزائر.
دراجي زار الجزائر في يوليو/ تموز الماضي، والتقى الرئيس عبد المجيد تبون، حيث عقدا القمة الجزائرية-الإيطالية الرابعة، ووقعا خلالها عددًا من الاتفاقيات، لا سيما لزيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما.
يضيف “بروفازيو” أنه في سياق عالمي تغير بشكل كبير بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، يظهر جليًا تطلع إيطاليا للعمل كجسر بين شمال إفريقيا وأوروبا القارية. وهو سعي قد يؤدي إلى ممر للطاقة تشتد الحاجة إليه في الوقت الحالي. إلا أن الطريق -رغم ذلك- لا يزال طويلًا لمواجهة التحديات الهيكلية لبلد مغاربي (الجزائر) “متقلب ومنقسم”، على حد قوله.
محلل في مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو. يكتب بانتظام عن التطورات السياسية والأمن والإرهاب في منطقة شمال إفريقيا، ويركز على الصراع في ليبيا والسياسة والجغرافيا السياسية في المنطقة المغاربية ودور الجهات الفاعلة غير الحكومية.
هل يمكن المضي قدمًا؟
تعد الجزائر الشريك التجاري الأهم لإيطاليا داخل إفريقيا. وهي المورد الأول للغاز الطبيعي إليها، وبالتالي أحد الأقطاب الرئيسية لأمن الطاقة في روما.
ومع ذلك ورغم متانة علاقات إيطاليا والجزائر، فإن ألدو ليجا، زميل باحث في مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ISPI، يرى أن متانة وتطوير هذه العلاقة المميزة سيعتمد على عدة عوامل. منها على سبيل المثال، اختلالات الصناعة الهيدروكربونية الجزائرية، وقيود القدرة الإنتاجية. بينما أبرز هذه العوامل ضعف الاستثمار في البنية التحتية، الذي أعاق الجزائر بالفعل عن الامتثال الكامل لتصدير كمية الغاز الموعودة لعام 2022.
زميل باحث في مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ISPI. حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من “Cesare Alfieri” (جامعة فلورنسا) وماجستير في الأمن الدولي من Sciences Po Paris.
بين الطاقة والسياسة
يربط الباحث في جيوبوليتيك الطاقة والأسواق فرانشيسكو ساسي بين الحديث عن الطاقة والسياسة. فيقول إنه رغم الاختلاف حول “خطة ماتي” التي أعلنتها رئيسة الوزراء للتعاون مع دول شمال إفريقيا، ما بين مؤمن بقدرة روما أن تصبح مفصل الطاقة بين إفريقيا وأوروبا من خلال الغاز والكهرباء، ثم الهيدروجين لاحقًا، وآخرون يرونها خطة لا تحمل مضمونًا، يعوقها ضعف البنية التحتية، وحتى التاريخ الاستعماري لروما تجاه إفريقيا. تبقى إيطاليا بالنسبة للدول الإفريقية هي بوابة التفاعل مع أوروبا، وهذا بفضل قربها الجغرافي.
لكنه، يعود فيؤكد أنه لا يمكن النظر إلى الجغرافيا وحدها باعتبارها قناة كافية لتأسيس أو الحفاظ على الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة. وهو يرى أن تجارة الطاقة لإيطاليا -كما هو الحال للجميع- ليست سوى أداة سياسية للوصول إلى أهداف أخرى.
ومن ثم، فإن روما أثناء محاولتها احتلال مركز مهم للطاقة في البحر الأبيض المتوسط، قد تجد نفسها في منافسة متزايدة مع دول إقليمية أخرى، اكتسبت نفوذًا أكبر بكثير مما كان متوقعًا من خلال موارد الطاقة القيمة هذه.
باحث في علم السياسة الطبيعية وعلاقتها بالطاقة والأسواق. حاصل على درجة الدكتوراة في الجغرافيا السياسية – العلوم السياسية في جامعة بيزا. تغطي اهتماماته البحثية الديناميكيات الجيوسياسية الأوروبية الآسيوية، والآثار السياسية والاقتصادية لعولمة السوق وإزالة الكربون من قطاع الغاز، والعلاقات بين الحكومات والشركات المملوكة للدولة والأسواق. والصين وروسيا هما الدولتان الرئيسيتان اللتان تهتمان بأبحاثه.
طريق روما الوعرة
تقول فيديريكا سايني فاسانوتي، باحث مشارك أول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ISPI، إن سلسلة الزيارات الإيطالية الأخيرة إلى دول حوض البحر المتوسط. وكذا زيارة ميلوني الأخيرة إلى ليبيا تمثل تأكيدًا على خطة حكومتها لتولي دور متزايد الأهمية في منطقة شديدة الصلة بروما.
وتضيف “فاسانوتي” أن إيطاليا وبسبب جزئيًا السياسات غير المدروسة للحكومات السابقة هي الآن في حاجة ماسة لاستيراد الطاقة. بينما تمثل دول شمال إفريقيا المنفذ الأكثر طبيعية والأقل تكلفة.
ومع ذلك، فإن حكومات شمال إفريقيا لديها نزعة استبدادية عميقة الجذور وتخضع لحالة عدم استقرار سياسي قوية. وهذان عنصران يجعلان المسار الإيطالي وعرًا ومحفوفًا بالمخاطر بلا شك.
والاتفاقية الأخيرة بين شركة ENI الإيطالية والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية خير مثال على ذلك.
اقرأ أيضًا: نشاط روسي أمريكي مباشر في ليبيا ينذر بتوسيع أزمة الشرق الأوسط
فيديريكا سايني فاسانوتي، باحث مشارك أول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ISPI، متخصصة في مكافحة التمرد. وهي مؤرخة عسكرية خبيرة في المستعمرات الإفريقية، غطت دراساتها ليبيا والقرن الإفريقي، وكذلك أفغانستان. وعملت محاضرة متكررة في مؤتمرات التاريخ العسكري، وهي محاضرة ضيف في الأكاديمية البحرية الأمريكية في أنابوليس. نُشرت مقالاتها العديدة في المجلات التاريخية والجيو سياسية.
لا معارضين سوى فرنسا
يقول الباحث الليبي الإيطالي كريم مزران إن سياسة روما التي طال انتظارها تجاه منطقة البحر الأبيض المتوسط، وعرّفها البعض بأنها “نشاط متجدد” لا تخاطر بالتصادم مع لاعبين إقليميين بارزين آخرين.
وعلى سبيل المثال، فإن قواسم مشتركة تجمع إيطاليا بتركيا فيما يتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية في شمال إفريقيا وكذلك في مناطق أخرى مثل القرن الإفريقي. بينما مع مصر، ستساعد المزايا الاقتصادية المتبادلة ووسائل الراحة، عاجلًا وليس آجلًا، في حل القضايا السياسية الحالية بين البلدين.
ويرى مزران أن الزخم الذي أعطته حكومة ميلوني لسياستها الخارجية يسير في اتجاه إدارة الصراعات القائمة ونزع فتيل النزاعات الجديدة المحتملة. وأن الاستثناء الوحيد هنا قد يكون فرنسا، التي قد يضعها غموضها وسياستها الخارجية غير المنتظمة في مواجهة أشد قسوة مع إيطاليا.
مدير مبادرة شمال إفريقيا وزميل أول مقيم في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي. شارك في تأليف كتاب عن ليبيا باللغة الإيطالية بعنوان ليبيا: بخير rinascita di una nazione؟ مع د. فارفيللي (Donzelli Editore 2012). وهو مؤلف كتاب باللغة الإنجليزية عن أزمة الهوية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعنوان التفاوض وبناء الهويات الوطنية. (دار نشر مارتينوس نيجهوف 2007).