خفّض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي بمصر إلى 4.5% خلال العام المالي 2022 /2023 مقابل 6.6% في العام المالي 2021/ 2022، بفعل تأثير الحرب الأوكرانية الروسية التي تتداخل مع اضطرابات التداعيات المستمرة لجائحة كورونا.
التقرير الذي صدر تحت عنوان “مرصد الاقتصاد المصري“، أعده نحو 15 خبيرا من مجموعة البنك الدولي، يرى أن القطاعات الرئيسية التي تستفيد من ارتفاع الأسعار عالميا تواصل الازدهار مثل قطاع استخراج الغاز والزراعة والتشييد والبناء والاتصالات باعتبار أن لديها قدرة على الصمود، لكن يتوقع أن يستمر أداء الأنشطة الأخرى، بما فيها الصناعات التحويلية، على نحو أقل من إمكاناتها.
اقرأ أيضا.. إدارة الدين العام والمسؤولية المالية للحكومة.. دعوة للتفكير
تحوّل الاقتصاد المصري على مدار عقدين إلى قطاعات غير تجارية أقل إنتاجية مثل قطاعات النقل والبناء وتجارة الجملة والتجزئة مع محدودية قدرة الصادرات على النفاذ للأسواق وعدم تطورها على النحو المطلوب، جعل البلاد عرضة للصدمات الخارجية المتداخلة التي تزيد من تقويض مصادر النقد الأجنبي، بحسب التقرير.
التضخم بعيد عن “المركزي”
يتوقع التقرير أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي 7 (+ أو- 2)% وأن يظل ثنائي الرقم خلال السنة المالية 2022/2023 بسبب تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم المستورد، واختناقات سلاسل الإمداد، واستمرار التعديلات في أسعار الوقود.
ولا تزال الضغوط التضخمية مستمرة بسبب الصدمة التي أحدثها ارتفاع الأسعار العالمية وخفض سعر الصرف، بالإضافة لاختناقات سلاسل الإمداد المحلية، وبالتوازي مع خفض سعر الصرف، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة الرئيسية 3 مرات في 2022 بمقدار 500 نقطة أساس تراكمية بهدف كبح الضغوط التضخمية، غير أن ذلك لم يدفع بعد بمعدلات سعر الفائدة الحقيقية نحو الأرقام الموجبة.
علاوة على ذلك، قرر “المركزي” مؤخرا زيادة نسبة الاحتياطي القانوني الإلزامي المقررة على البنوك لأول مرة منذ 2017 إلى 18% مقابل 14%، لكن في الوقت ذاته سجل التضخم في المناطق الحضرية 18.7% ومعدل التضخم الأساسي 21.2% نتيجة لارتفاع أسعار العالمية وتخفيض قيمة العملة واختناقات سلاسل الإمداد، وربما وفرة السيولة وارتفاع الطلب المحلي قبل صدمة كورونا، قد أسهما أيضا في حدوث ضغوط تضخمية.
المعاملات الجارية.. إصلاحات ضرورية
متوقع أن تتحسن حسابات المعاملات الخارجية تدريجيا على المدى المتوسط مدعومة بتعزيز مكاسب القدرة التنافسية والتمويل الدولي المحتمل، إلا أن إجراء المزيد من الإصلاحات لتعزيز إمكانات التصدير يظل ضروريا.
يرجع التدهور في حسابات المعاملات الخارجية في السنة المالية 2021/2022 إلى تدهور العجز التجاري في السلع غير البترولية، بالإضافة إلى تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى الخارج في الربع الأول من 2022.
وبحسب تقرير البنك الدولي، خففت جزئيا من الصدمة الزيادة الكبيرة في صادرات الغاز والتدفقات المالية الكبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، وإصدار سندات الساموراي اليابانية، بالإضافة إلى تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، التي ساعدت إلى جانب الإجراءات الإداريةً الجديدة المتعلقة بالاستيراد، على احتواء نمو الواردات.
يُمكن أن تشهد السنة المالية 2022 /2023 تحسنا في القطاع الخارجي المصري بفضل الدفعة التي يمكن أن يوفرها ارتفاع الأسعار العالمية لتحويلات المصريين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى صناعات استخراج البترول والغاز، بالإضافة إلى التمويل المحتمل من دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب التقرير.
من المتوقع أن يستمر الاعتماد على الإصدارات السيادية، بما فيها السندات والصكوك الخضراء المبتكرة، وشرائح صندوق النقد الدولي الذي وافق عليها في نهاية 2022 من خلال تسهيل ممدد لـ46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة لمليار دولار من الصندوق الاتئماني للصلابة والاستدامة كما يتوقع الحصول على تمويل بقيمة 5 مليارات دولار من المساندة الإقليمية والدولية على مدار عدة سنوات يشمل ذلك التمويل المحتمل من البنك الدولي.
التزامات الدين الخارجي
“التزامات الدين الخارجي كبيرة إلى حد ما”.. بتلك العبارة علق البنك الدولي على ملف الدين الخارجي المصري، موضحا أن الدين الحكومي الخارجي المستحق على مصر ارتفع إلى 155.7 مليار دولار في نهاية منتصف 2022 بما يعادل 37.2% من الناتج المحلي، مقابل 137.9 مليار دولار في نفس الفترة عام 2021.
كما أضاف التقرير أن معظم الديون الخارجية لمصر مستحقة لمؤسسات متعددة الأطراف وآجال استحقاقها مواتية، معظمها متوسط إلى طويل الأجل، لكن مع ذلك، ارتفعت نسبة الدين الخارجي قصير الأجل إلى 17.1% من الإجمالي في نهاية يونيو 2022 من 9.9% في منتصف 2021 بسبب الودائع قصيرة الأجل التي تلقتها مصر من بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبلغت 13 مليار دولار في نهاية الربع الأول من 2022، موزعة بين: 5 مليارات دولار من السعودية، و5 مليارات من الإمارات و3 مليارات من قطر. وتشمل إجمالي الدين الخارجي الودائع طويلة الأجل لدى البنك المركزي المصري من السعودية والكويت والإمارات التي بلغت في أحدث تقارير 15 مليار دولار في منتصف 2022.
أمور كثيرة على المحك
تنعكس حزمة الإجراءات الاجتماعية بالإضافة إلى تطوارت أخرى على موازنة السنة المالية 2022/2023، إذ أنه برغم انخفاض عجز الموازنة الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021 /2022 إلى 6.2% مقابل 7.1% في السنة المالية 2020/2021، سينعكس الجزء الأكبر من حزمة الإجراءات الاجتماعية التي أعلنتها الحكومة بقيمة 130 مليار جنيه أو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2022/2023 للمساعدة على تخفيف الأثر الاجتماعي لارتفاع الأسعار المحلية في موازنة السنة المالية 2022/2023.
من المتوقع أن يتسبب ارتفاع الأجور والمعاشات التقاعدية ودعم المواد الغذائية إضافة إلى مدفوعات الفائدة في تباطؤ إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، مع وفورات جزئية ناتجة بفضل صافي التدفقات المالية المتضمنة بين الخزانة العامة والهيئة المصرية العامة للبترول، بسبب الزيادات في الإيرادات المتحققة من الأنشطة المرتبطة بصناعات استخراج الغاز والزيادات المحتملة في أسعار التجزئة للوقود.
كما أنه بعد ارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنوات المالية 2020 /2021، 2021/2022، و2022/2023 من المتوقع استئناف المسار النزولي على المدى المتوسط مع مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة.
ارتفعت نسبة الدين الحكومي إلى 88.3% بنهاية منتصف 2022 مقابل 87.9 في نفس الفترة من 2021، ومن المتوقع أن تستفيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من ديناميكيات الديون المواتية، فمن المرجح تجاوز نمو الناتج المحلي الحقيقي أسعار الفائدة الحقيقية خلال العام المالي 2022/2023.
رغم ذلك، فمن المتوقع أن تؤدي تأثيرات تقييم سعر الصرف والمعاملات خارج الموازنة لمزيد من تراكم الديون، لكن في الوقت ذاته زيادة وتيرة ضبط أوضاع المالية العام على المدى المتوسط، ما يضع نسبة الدين للناتج المحلي على مسار نزولي مستدام.
الاستحقاق وتكوين العملات
وقال تقرير البنك الدولي، إن إصلاحات إدارة الديون الحكومية، حققت تحسينات جوهرية في ملف الدين، إلا أن هيكل آجال الاستحقاق وتكوين العملات يشكلان تحديات، وتعمل مصر تدريجيا على تنويع مصادر التمويل من خلال استخدام أدوات مستحدثة وفتح أسواق جديدة مثل السندات الخضراء وسندات الساموراي، ونجحت ممارسات إدارة الديون على نحو أفضل في إطالة متوسط أجل استحقاق ديون قطاع الموازنة إلى 3.1 سنة منتصف 2022 مقابل 2.8 سنة في نفس الفترة 2018، و2.1 سنة في منتصف 2016، و1.3 سنة في 2013.
مع ذلك، يظل الجزء المحلي من الدين الحكومي قصير الأجل في الغالب، وينطوي هذا الأمر على مخاطر تتعلق بأسعار الفائدة وتمديد آجال سداد الديون، علاوة على ذلك، فإن الزيادة في الجزء المقَّوم بالعملات الأجنبية 27% من الديون الحكومية تنطوي على مخاطر تتعلق بأسعار الصرف.
ما المطلوب؟
يقول “مرصد الاقتصاد المصري” إن استعادة المسار النزولي لنسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، سيتطلب في المستقبل إصلاحات متزامنة على عدة جبهات لمواصلة ضبط أوضاع المالية العامة على نحو يجمع بين ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات.
كما يتطلب أيضا: (الشفافية بشأن المالية العامة وحجم الدين لدعم الخطوات الاستباقية لتحسين رصد متطلبات التمويل للقطاع العام، والإبلاغ عن هذه الاحتياجات واحتوائها خارج نطاق الحكومة المركزية، وتحقيق النمو للمساعدة في ضمان ديناميكيات الدين المواتية، وأخيرا إصلاحات هيكلية أوسع نطاقا حوكمة القطاع العام وتحد من القيود على المالية العامة).