في أكتوبر 2020 -أعقاب جائحة كورونا وقبل الحرب الأوكرانية بـ15 شهرا- نشرت مبادرة الإصلاح العربي دراسة انتهت فيها إلى: “لقد تم بناء استقرار الأمن والاقتصاد الكلي في مصر مؤخرا على أسس ضعيفة، كشفت عن هشاشتها جائحة كوفيد-19. وبالتالي عادت البلاد الآن إلى نُقْطَة البِدَايَة، في موقفٍ يشبه إلى حد بعيد ما كانت عليه قبل ثورة 2011: مستقرة في الظاهر، ولكن في الداخل ثمّة مشكلات بنيويّة عميقة ومظالِم اجتماعيّة محتدمة، مع استنفاد كل ما يمكن أن يخفّف من حدّتها.”
دفعتني هذه الحقيقة وقتها -موقف يشبه ما كانت عليه مصر قبل 2011- إلى صياغة مفهوم “فخاخ الاستقرار“، ويقصد به تلك الساحة التي تتراكم فيها تناقضات ومهددات مرتكزات الاستقرار التي تتغذي أساسا من مخاطر التقلبات الجيوسياسية والمظالم الاجتماعية والسياسية، ولا يتم معالجتها.
إن السعي لتحقيق هدف الاستقرار قصير الأجل قد يأتي في بعض الأحيان على حساب الهدف طويل الأجل لتعميق الاستقرار، وحينئذ فإن الأنشطة التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتلبية الاحتياجات العاجلة غالبًا ما تفشل في معالجة القضايا الهيكلية، بل إنها تؤدي إلى تفاقم هذه القضايا الأساسية التي تسبب المظالم وتفاقم المخاطر.
انتهى صندوق النقد الدولي في اتفاقه الأخير مع مصر -يناير 2023-إلى نفس النتيجة وهي وجود خلل هيكلي لم تتم معالجته في الاقتصاد أدى إلى هذه الظاهرة: “بينما اكتسب الانتعاش الاقتصادي زخمًا في عام 2021، بدأت الاختلالات أيضًا في النمو وسط استقرار سعر الصرف، وارتفاع الدين العام، وتأخر الإصلاحات الهيكلية”، ولم يكن دور الحرب الأوكرانية إلا إظهار الاختلالات الهيكلية التي عانى منها الاقتصاد المصري.
يزعم كاتب هذه السطور أنه على مدار السنوات العشرة الماضية، فإن النظام قد صاغ وامتلك سردية حكمت نظرته إلى ما جرى في انتفاضة يناير 2011، ووفق هذه السردية رسم اتجاهات بناء الاستقرار المنشود التي كان جوهرها ليس استعادة لحظة ما قبل يناير بمعالجة تداعياتها على الدولة المصرية، ولكنه امتلك رؤية نقدية لما قبل يناير جوهرها: ضرورة القضاء ومنع كل المقدمات التي أدت إليها لأنها تمثل تهديدا خطيرا على الدولة المصرية واستمرارها، وساعده في ذلك تسرب شعور بالفوضى لدى فئات اجتماعية متسعة بما أوجد دعما شعبيا لسرديته، وهنا يجب التنبه إلى أن الفوضى هي عدو الزمن الانتقالي، وعندما يضطر الناس للاختيار بين الفوضى وأي شيء آخر، فسيختارون أي شيء آخر.
من هنا تكتسب مناقشة مفهوم الاستقرار أهمية كبيرة، فهو أحد مرتكزات الشرعية للنظام الحالي والتي تستند إلى لحظة التأسيس الأولى التي قامت على الحفاظ على الدولة المصرية ومنعها من الانزلاق إلى الفوضى التي طالت بعض دول المنطقة في أعقاب الانتفاضات العربية الأولى.
مرتكزات الاستقرار وفخاخه
أولا: نمو اقتصادي سريع برأسمالية ذي طبعة نيوليبرالية تقودها مؤسسات الدولة، ويرتكز على تحالف ضيق مكون من أطراف ثلاثة: نخبة أجهزة الدولة التي يطلق عليها سيادية، ومانحين خليجيين، ومجموعة مختارة من نخبة رجال الأعمال الذين يستفيدون من العقود مع الدولة.
تمنح الامتيازات -في هذا التحالف- دون أي أهداف تنموية محددة معلن عنها بخلاف توسيع المكانة السياسية لأجهزة الدولة السيادية وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة.
أغلقت أيضا قنوات الاتصال التقليدية بين الدولة والمجتمع والتي اعتمد عليها مبارك لاستيعاب المظالم الاجتماعية وتهدئتها قبل أن تتصاعد أو كلا الأمرين معا. فقد كان الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم آنذاك والمجالس المحلية المنتخبة من أبرز هذه القنوات التي استغلها مبارك. وبعد أن حُلت هاتين المؤسستين بسبب فسادهما -وهو ما يعكس في جانب منه على الأقل المطالب “الثورية” التي نادى بها الثوار في ميدان التحرير- لم يحل محلها أية مؤسسات أخرى منذ ذلك الحين.
ونتيجة لهذا فإن النظام الحالي لا يملك سوى مجموعة محدودة من الأدوات للنظر في المظالم واتخاذ إجراءات بشأنها، ولا يوجد في الواقع سبل لتخفيف الصدمات يُمكن الاستعانة بها، إضافة إلى أن أيّ انتقادات ينظر إليها سريعا باعتبارها تهديدات أمنية ويتم التعامل معها بناءً على ذلك.
وإذا تبنى النظام نهج النيوليبرالية الاقتصادية الذي تقوده مؤسسات الدولة وتحالف ضيق مختار من رجال الأعمال هنا نصبح إزاء ظاهرتين بالغتي الخطورة:
1- أجهزة دولة تبدو أمام مواطنيها شرسة متوحشة، خاصة أن تخلي الدولة المصرية عن وظائفها التي ورثها المواطن عن دولة يوليو 52 وغذت مخيلته لها قد جرت بسرعة (من 2016- 2019) وامتدت إلى مجالات كثيرة، والأخطر أن سياسات الحماية الاجتماعية كان المحدد الأساسي وراءها هو طلب مؤسسات التمويل الدولية -في إطار التحول عن الدعم العيني إلى النقدي المستهدف- وليس تطلع أجهزة الدولة لمعالجة الآثار العميقة لاعادة رسم وظائفها -كما انتهت عديد الدراسات.
2- تهميش للقطاع الخاص الكبير والصغير على حد سواء، وتطلب ذلك كما نشهد اليوم إصدار وثيقة ملكية الدولة التي من مستهدفاتها أن يحتل القطاع الخاص 65٪ من مجمل الاقتصاد على مدار السنوات الأربع القادمة.
ويحسن أن نناقش لماذا جرى صياغة العلاقة مع القطاع الخاص بهذا الشكل ويجري الآن إعادة التفكير فيها؟
المطروح سابقا من النظام هو الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في ظل هيمنة وتحكم أجهزة الدولة، ويعزي البعض هذه العلاقة لخيبة الأمل في استجابة القطاع الخاص لتوقعات السيسي في مراحل الحكم الأولى، وأطرح أنه بالإضافة لهذا السبب أن الوزن النسبي الذي أخذه هذا القطاع في عهد مبارك (1981- 2011) وأدواره المتعددة وصراعات رموزه ونفاذيته للقرار الاقتصادي – بخاصة في العقد الأخير من عهد مبارك، كانت أحد المقدمات الأساسية ليناير. يزعم كاتب هذه السطور أن جوهر مشروع جمال مبارك ولجنة السياسات كانت بالإضافة إلى دمج الاقتصاد المصري في هيكل الاقتصاد العالمي، هو تحجيم دور الفيتو الذي كان يضطلع به الجيش في الاقتصاد -خاصة من خلال سيطرته على مجمل الأراضي المصرية.
أدت الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية التي أجريت منذ أوائل التسعينات إلى تغيير جذري في الاقتصاد السياسي المصري وغيرت علاقات القوى الطبقية داخل المجتمع المصري. أولا، كان هناك تحول داخل الكتلة الحاكمة، حيث مكنت الإصلاحات النخب الموجهة نحو الخارج وريادة الأعمال على حساب الأقسام المحافظة الأخرى من الكتلة الحاكمة. وثانيا، تفاقمت محنة صغار المزارعين والعمال ومعظم قطاعات الطبقة الوسطى داخل المجتمع ككل، مما أدى إلى توسيع الانقسام بين الكتلة الحاكمة وهذه الطبقات المتفرقة.
النيوليبرالية -أواخر عهد مبارك- فتحت مكانًا اجتماعيًا للصراع على السلطة. وقامت بتسيس رجال الأعمال والفئات الاجتماعية الأخرى.. قدمت التسعينات شرطا أساسيا لانهيار النظام الاستبدادي بقيادة حزب الدولة. كان نمط التطور النيوليبرالي مفتوحًا عن غير قصد، ومحلا للتأثيرات المجتمعية المتعددة. وبالتالي، فقد جمع مراكز الصراع على السلطة داخل المجتمع الذي غير توزيع السلطة داخل الكتلة الحاكمة وبين الدولة والمجتمع وأدى في نهاية المطاف إلى تمزق في هيمنة الحزب الواحد -وفق ما انتهت إليه دراسة مبادرة الإصلاح العربي.
تخلي النظام الحالي عن هذا النهج نحو اقتصاد تتحكم فيه أجهزة الدولة ثبت فشله في تحقيق التنمية، وسرعان ما عاد إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص -خاصة الكبير- ويعتمد علي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر والتصدير للخارج، وهو ما يعيدنا إلى التفكير مرة أخرى في علاقة هذه الصيغة بالاستقرار.
ثانيا: تغذية غريزة الخوف لدى المصريين
وجد النظام في الفترة الناصرية عددا من المقولات السياسية التي يمكن باستدعائها أن يحرك خيال فئات اجتماعية من الطبقات الوسطى والدنيا فتكون قاعدته الداعمة، يضاف إليها لحظة الانتفاضات العربية وما أحدثته من تداعيات على السلم الأهلي، وأخيرا كان الضلع الثالث لهذه الأيديولوجية هو المواجهة مع الإخوان وسياساتهم الخلافية تحت عنوان “الحرب على الارهاب” والذي قصد به القضاء على جميع مظاهر الإسلام السياسي دون تمييز بين معتدل ومتطرف.
قام العقد الاجتماعي إبان الفترة الناصرية على مقايضة بسيطة ولكنها وجدت قبولا اجتماعية وخلقت قاعدة النظام المساندة له: المسألة الاجتماعية في مقابل الديموقراطية السياسية، أما مع النظام الحالي فقد قامت المقايضة على الحماية بالمعنى الهوبزي مقترنة بحديث عن الرفاهية الاقتصادية التي ضربت لها آجال عديدة دون تحقق.
كان الخطاب قوميا في زمن الاندماج في العالم اقتصاديا قبل الثقافي. تمحور حول شعار “تحيا مصر” وإعادة بنائها، علاوة على ذلك، فإن الجيش هو منقذ مصر من الإرهاب، وهو ما يسميه أحد الباحثين ميثاق الحماية، والذي يشير إلى أن العقد الاجتماعي للأغلبية قد تم تجريده من العقد الاجتماعي الأساسي إلى مبدأ هوبز الأساسي المتمثل في توفير القانون والنظام. ومع ذلك، فإن بعض التوزيع للموارد من أجهزة الدولة إلى الجمهور يتم في شكل منح، كما لو كان المستفيدون يتلقون إحسانا بدلا من الخدمات الممولة من الضرائب.
الاضطرابات الإقليمية المستمرة والحرب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن تنظيم الدولة (داعش) في سوريا والعراق 2015 سمح للنظام بترسيم الحدود السياسية من خلال لعب دور المدافع عن السيادة الوطنية وحفظ الدولة، وأظهرت أجهزة الدولة السيادية نفسها على أنها الحكم الوحيد لخلافات القوى الاجتماعية الجديدة وكذا القوى السياسية، والرئيس منقذ الأمة من الصراع الأهلي والنزاع الطائفي من جهة أخرى.
سهل المنطق الجيوسياسي استنساخ سلاسل العدو والتهديد في السياسة المحلية لاستعادة الدعم الاجتماعي للحكم غير الديمقراطي.
تقدم لنا بعض الدراسات ثلاثة تفسيرات لتراجع اهتمام بعض الفئات الاجتماعية العربية بالديموقراطية مدعومة بنتائج الباروميتر العربي: تراجع تصورات السلامة والأمن وخاصة على المستوى الشخصي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتصور متزايد لعدم المساواة بسبب تزايد الطائفية والفساد.
وأتساءل مع هذه الدراسات عن أثر توفير النظام للبعد الأول مع غياب البعدين الأخيرين على تحقيق الاستقرار على المدى الطويل؟
تحقيق الأمن دون التنمية الاقتصادية قد يؤدي إلى نوع من الاستقرار على المدى القصير فقط، ولكنه لن يعالج المطالب الشعبية بالحصول على الفرص الاقتصادية والمساواة في توزيعها والكرامة -خاصة في بعدها الاقتصادي، وعلى العكس من ذلك، فإنه من دون ضمان الأمن تكون المبادرات الاقتصادية للحكومة عُرضة لتهديدات متزايدة من العنف خارج نطاق القانون– ومثال على ذلك ليبيا وسوريا واليمن.
ثالثا: تصحير المجال العام
يدرك النظام أن المجال العام المقيد الذي سمح به مبارك بعد 2005 -أو أجبر على السماح به – هو الذي أنتج انتفاضة يناير، لذا يصبح المطلوب هو تصحير هذا المجال تماما، أي جعله صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء: فلا مجتمع مدني ولا أحزاب ولا صحافة حرة ولا قطاع خاص ولا نقابات عمالية مستقلة أو حكومية، ولا مجال ديني تعددي، ولا جامعات ولا بحث علمي حر، حتى السوشال ميديا -التي لم يستطع منعها- تصير تكلفة الرأي فيها مرتفعة جدا.
والمؤسسات التشريعية المنتخبة صوريا تتم هندستها كاملة من الأجهزة بما يحول دون أن تلعب دورا في إدارة الصراعات الاجتماعية والسياسية وتحويلها من المجتمع إلى داخل هذه المؤسسات.
غاب عن النطام صمام الضغط والمساحة السياسيّة اللازمة لاستيعاب الظروف الاجتماعيّة المتدهورة وتصاعد مستويات السخط.
يُخيم على المشهد العام في مصر صورة مجتمع تتعرض فيه معظم أشكال التنظيم والتمثيل للقمع، وبالتالي فإنها عاجزة عن الدفع باتجاه إجراء إصلاحات داخلية لازمة، وهو مجتمع تشعر فيه السلطات العامة على الدوام بعدم الأمان -بالرغم من سحق كل أشكال المعارضة- وبالتالي فإنها تعتمد على القوة لمواجهة التحديات.
خطورة التصحير ليس فقط مصادرة الصراع الاجتماعي بالقمع، ولكن الأخير يتحرر من أية اعتبارات سياسية، فيصير حرا طليقا من الاعتبارين الاجتماعي والسياسي على السواء.
أما منظومة السيطرة والتحكم في المجتمع باستخدام التكنولوجيا وبناء قواعد البيانات فيحتاج إلى مقالة مستقلة تتبع المجالات التي يبني فيها ذلك، لكن الملمح الهام في هذا القبيل أنه تحت دعاوى تحديث الدولة المصرية ومحاربة الإرهاب يجري بشكل متصاعد إدخال المجالات كافة تحت المظلة الرسمية، ويمكن ملاحظة ذلك في ازدياد استخدام الكاميرات، والتعامل مع الاقتصاد غير الرسمي، والإجراءات المتعلقة بالقطاع المصرفي، وفي قطاع المرور، وعمل ملف كودي لكل شقة …إلخ.
رابعا: شبكة مصالح دولية وإقليمية
من اللحظة الأولى لتدشين النظام الحالي كان جزءا من محور إقليمي اجتمعت فيه مصالح أطراف عدة كان يهمها القضاء على الانتفاضات العربية واحتواء تداعياتها، لذا فقد تلقى من الدول الخليجية الداعمة الثلاثة -السعودية والإمارات والكويت- ما يزيد على 23 مليار دولار -وفق تقدير إحدى الدراسات، وقد استخدمت هذه الأموال لأغراض عدة من بينها درء عدم الاستقرار الاقتصادي بعد عام 2013.
كما وفرت له منظومة العلاقات الدولية والأقليمية القدرة على الاقتراض بما يزيد عن 150 مليار دولار، كما حمته -حتى الآن- من تداعيات الانتقادات الموجهة له في مجال حقوق الإنسان.
استثمر النظام كثيرا في بناء شبكة المصالح هذه، واستخدم فيها أدوات متعددة، كما ساعده تطورات إقليمية ودولية مثل: تشكل محور إقليمي بقيادة السعودية والإمارات للقضاء على مجمل حركات الإسلام السياسي، وصعود الدولة الإسلامية في سوريا والعراق والحرب على الإرهاب، والعداء ضد إيران الذي امتد إلى حرب في اليمن، ومجيء ترامب إلى الحكم وتبنيه ما يطلق عليه “صفقة القرن”، بالإضافة إلى تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة ورغبتها في العودة إليها، والمخاوف الأوربية من تصاعد الإرهاب والهجرة غير الشرعية… إلخ.
هكذا لعبت السياقات الدولية والإقليمية دورا بارزا في استقرار النظام الجديد في مصر بعد يوليو 2013.
أتصور أن الفخ الرئيس الذي يواجه النظام من منظور علاقاته الدولية والإقليمية يأتي من أن هذه البيئة متغيرة بأسرع مما نتخيل، ومع الحرب الأوكرانية وما بعد كورونا ستزيد عوامل التغير بشكل أسرع.
علي سبيل المثال: كيف سيتعامل النظام مع التنافس بين الصين والولايات المتحدة الذي يتعمق يوما بعد يوم، وهل يمكن أن يخلق لنفسه طريقا وسطا بين الحفاظ على العلاقات الخاصة التي تربط مصر بالولايات المتحدة وبين تحقيق مصالحه مع الصين، أم يجب عليه الاختيار بينهما؟
كما اتسمت سياسة المحاور الإقليمية والتحالفات في المنطقة بالتغير والسيولة الشديدة بما يعمق عدم الاستقرار، ويخلق بيئة تتقاطع فيها الصراعات على المستويات كافة.
حدت هذه البيئة الصراعية غير المستقرة من قدرات النظام على التعامل مع تهديدات الأمن القومي، ويمكن أن نضرب عديد الأمثلة مما يجري في ليبيا وسد النهضة. تنازعت النظام مهددات كثيرة للأمن القومي المصري في ظل هشاشة اتسمت بها أوضاع الدولة المصرية، بما حد من قدرتها على التعامل بفاعلية مع هذه المهددات.
أخيرا، فإن ما كان متاحا من أموال على المستويين الدولي والإقليمي لدعم النظام لم يعد كذلك، وهو ما يمثل ضغوطا شديدة على الاستقرار.
نختم بالقول: برغم أن الوضع الراهن قد يبدو مستقرا في الأمد القريب، لكنه استقرار يستند إلى قاعدة ضعيفة. يتطلب الوضع الاقتصادي الضعيف أصلا، وهو الذي يزداد سوءا، إجراء تغييرات استراتيجية في النهج الذي يتبعه النظام، ولا سبيل لذلك سوى البدء في عملية إصلاح تدريجي من القمة والتي من شأنها أن تسمح بالمشاركة الحقيقية من المصريين وضمان المساواة بينهم، وإلا فإن البديل هو حدوث انفجار اجتماعي في نهاية المطاف، وهو انفجار تزداد احتمالات وقوعه بسبب غياب أية مؤسسات سياسية قادرة على استيعاب المطالب الاجتماعية وبلورتها تمهيدا للتعامل معها.
من واقع التجربة، عندما يتدهور الوضع، سيتركز الدعم على إجراء إصلاحات مؤقتة ستفشل حتما في تقديم أيّة رؤية طويلة الأجل.