وافقت وزارة الكهرباء ممثلة في جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، على السماح لهيئة الطاقة المتجددة ببيع جزء من الطاقة المُنتجة من المحطات المملوكة لها إلى القطاع الخاص، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتوفير كميات من الطاقة النظيفة لتوجيهها إلى مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر المقرر تنفيذها الفترة القادمة.
القرار، الذي بدأ تنفيذه بالفعل، طرح عدة أسئلة، منها، لماذا قررت “الكهرباء” السماح ببيع القدرات المولدة من المصادر النظيفة إلى القطاع الخاص رغم أنه من حق هذا الأخير إنشاء محطاته الخاصة للطاقة الشمسية؟، ومدى تأثير الكميات المُباعة على تدبير احتياجات مشروعات الهيدروجين الأخضر من الطاقة المتجددة؟، وهي المشروعات التي يمكنها أن تدر على مصر عوائد أكبر بكثير حال تصديرها للخارج بدلا من بيعها لشركات القطاع الخاص في الداخل. الأمر الذي بدوره أثار ويثير تساؤلات بشأن الأولويات والبدائل الأكثر أهمية وأولوية للبلاد وأوضاعها الاقتصادية.
وشهد الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، في نوفمبر الماضي مراسم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم بين هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وثلاث شركات بقطاع الاتصالات وذلك لتحويل جميع محطات المحمول التابعة لتلك الشركات المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية، إلى العمل بالطاقة الجديدة والمتجددة لمواجهة الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية.
ويأتي القرار الذي يُمكِن شركات القطاع الخاص -الاتصالات وغيرها– من شراء جزء أو كامل استهلاكها من الكهرباء من هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، في وقت تسمح فيه الدولة للقطاع الخاص بإنشاء محطات الطاقة الشمسية وإعفائها من رسوم الدمج حتى قدرة 10 ميجا وات.
إنتاج الطاقة المتجددة
خلال الـ 8 سنوات الماضية، استطاعت الحكومة المصرية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المختلفة، حتى بلغ الإنتاج قرابة الـ 58 ألف ميجا وات، في حين يتراوح الاستهلاك في متوسط 27 لـ 30 ألف ميجا وات، وبالتالي هناك فائض يقارب الـ 40% على الشبكة القومية.
وكان للطاقات المنتجة عبر المصادر الجديدة والمتجددة دورًا محوريًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء خلال السنوات الماضية، فقد بلغ إجمالي القدرات التي تم إنتاجها من محطات الطاقة المتجددة حوالي 6 آلاف ميجاوات بنهاية عام 2022، والذي يمثل 10% من الحمل الأقصى، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تصل القدرات المركبة من الطاقات المتجددة إلى حوالي 10 آلاف ميجاوات بنهاية عام 2025.
ويواصل إنتاج الطاقة المتجددة في مصر الصعود، مع سعي الدولة نحو تنويع مصادر توليد الكهرباء، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخفض فاتورة الاستيراد، ومواجهة الانبعاثات، ما دفع وزارة الكهرباء للتوسع في طرح مشروعات الطاقة البديلة “شمس ورياح” لمضاعفة حجم القدرات المولدة من المصادر النظيفة.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة، إلى الوصول بإجمالي مشاركة مصادر الطاقة البديلة إلى أكثر من 42% بحلول عام 2035، والجاري تحديثها حالياً حتى عام 2040.
كما أظهر تقرير صادر عن هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، أن إنتاجية الطاقة الكهرومائية، خلال الربع الثاني من العام المالي 2022/2023 حوالي 3237 جيجاوات بزيادة عن العام الماضي بحوالي 19%، بينما سجلت مشروعات طاقة الرياح حوالي 1311 جيجاوات بزيادة عن العام الماضي بحوالي 16% فيما بلغت الطاقة المنتجة من الخلايا الشمسية المتصلة بالشبكة حوالي 952 جيجاوات بزيادة عن العام الماضي بحوالي 4% ، هذا فضلاً عن حوالي 22 جيجاوات ساعة مولدة من مشروعات الوقود الحيوي.
أسباب البيع
وفق مصادرمسئولة، فإن القرار يٌعد بداية لاستهلاك الطاقة النظيفة التي استغرقت وزارة الكهرباء سنوات لتوليدها. فجميع الشركات بمختلف القطاعات تستطيع الآن تحديد القدرات التي تحتاجها لتقوم بعدها بالتعاقد مع هيئة الطاقة المتجددة على الحصول على تلك الطاقات عبر المصادر النظيفة فقط دون أي اهتمام بتلك التي ستولد من المحروقات التي قد يهجرها الجميع دون أي طلب عليها لاحقًا.
ووفق المصادر التي تواصل معها “مصر 360″، فإن اتخاذ قرار ببيع الطاقة النظيفة للقطاع الخاص كان يحتاج إلى توافر كميات أكبر منها بالسوق قبل تفعيل قرار بيعها فعليًا، بحيث لا يتم استهلاك الجزء الأكبر من القدرات المولدة من الشمس والرياح عبر مستثمرين وشركات خاصة دون أن تستغلها الحكومة. فالأولى هنا أن تتجه الدولة لإقامة صناعات مختلفة تعتمد عليها وتقوم هي باستغلالها لتحقيق عائد لصالح الدولة.
ولفتت المصادر إلى أن الحكومة تسعى من خلال قرارها إلى تحرير سوق الكهرباء وهو ما دفعها لاتخاذ قرار البيع للقطاع الخاص، باعتبار أن القرار سيدفع كثير من المستثمرين للتعاقد على الطاقات النظيفة وإقامة مشروعات تعتمد عليها.
وقال حافظ السلماوي خبير الطاقة، إنه في حالة تحرير سوق الكهرباء، وفتح باب المنافسة بين عدد من منتجي الطاقة المتجددة على توريد الكهرباء بشكل مباشر للمستهلكين باستخدام الشبكة القومية للكهرباء، فإنه يجب عدم تحديد سعر الكهرباء من قِبل الدولةوإنما يجب وضع آلية شفافة للتسعير وترك المنتجين يقومون بتحديد السعر حسب تكاليفهم وهامش الربح الذي يحتاجون إليه وفقًا للآليات المحددة من قبل جهاز تنظيم مرفق الطاقة وحماية المستهلك.
كما نصح السلماوي بضرورة طرح إنتاج هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مزايدات بحجم الكهرباء الخضراء المتاحة أمام الشركات الراغبة في شراء الطاقة المتجددة واختيار أنسب العروض مع مراعاة معايير الشفافية والتنافسية العادلة بين كل المنتجين للطاقة المتجددة في السوق المحلي.
فيما أشار إيهاب إسماعيل نائب رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة إلى أن الهيئة تلقت منذ فترة عروضا لشراء قدرات من الطاقة النظيفة، الأمر الذي دفع جهاز مرفق تنظيم الكهرباء لاتخاذ قرار بالسماح لهم بالتعاقد على القدرات التي يحتاجونها. موضحًا أن بيع الطاقة النظيفة سيعزز من استغلال فائض الكهرباء المتاح بالشبكة القومية.
أوضح إسماعيل أن الشركات التي تقدمت بعروض إلى الهيئة لشراء الكهرباء النظيفة هي شركات الاتصالات الثلاثة بالسوق والتي خططت منذ فترة للتحول الأخضر والاعتماد على خطط تُعزز برامج الاستدامة التي اعتمدتها بعض الشركات ضمن خططها للسنوات القادمة خاصة بعد قمة المناخ cop27 التي تبنت برامج التحول الأخضر والاعتماد على مصادر أقل انبعاثًا للكربون.
ومن المقرر أن تشهد الفترة القادمة إقبالا من شركات عدة بمجالات عمل مختلفة للتعاقد على شراء احتياجاتها من الكهرباء عبر الطاقات المتجددة، وهو ما دفع وزارة الكهرباء إلى إتاحة الفرصة لشركات القطاع الخاص بإقامة محطات طاقة متجددة وبيعها إلى شركات قطاع خاص أخرى عبر الشبكة القومية للكهرباء -وفق إسماعيل-.
ماذا عن مشروعات الهيدروجين؟
ومنذ بداية توقيع اتفاقيات إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، اتجهت الأنظار نحو كيفية توفير الطاقات المتجددة التي ستعتمد عليها تلك المشروعات لتشغيلها -تعمل بالطاقة النظيفة والمياه- لذا كان الاعتبار القائم حينها هو الاعتماد على القدرات المتاحة حاليًا من المصادر المتجددة التي تم تنفيذها السنوات الماضية، وفق مصادر مطلعة.
تابعت المصادر أن مشروعات الهيدروجين الأخضر ستحتاج إلى كامل إنتاج الدولة من الطاقة النظيفة في ظل الكميات الكبيرة المستهدف إنتاجها من الهيدروجين الأخضر، وبالتالي بعد بيع الكميات المتاحة حاليًا سيكون القطاع مُطالبًا بتوليد كميات أخرى أكبر لمشروعات الهيدروجين.
وأضافت المصادر، أن مشروعات الهيدروجين ستتأثر حال عدم توافر طاقة نظيفة فهي المشغل الرئيسي لها، وبالتالي قد يتم التعاقد مع شركات استثمارية لتنفيذ محطات طاقة شمسية مرفقة بمشروعات الهيدروجين لإمدادها بالطاقة النظيفة.
كما لفتت إلى حتمية استغلال الطاقة المتجددة المتاحة في مشروعات استثمارية تحقق عائدا اقتصاديا جيدا أعلى من العائد الذي قد يتحقق من بيعها إلى القطاع الخاص.
وتقول المصادر أن شركات مثل السياحة والفنادق بجانب الاتصالات وغيرها من القطاعات سترغب في جعل طاقتهم الأساسية هي النظيفة بدلًا من تلك المولدة من الوقود الأحفوري، وبالتالي ستكون الدولة بحاجة إلى طاقة متجددة تمثل نحو 50% من المتاحة بالشبكة القومية.
تحديد مصدر الكهرباء
يبين إيهاب إسماعيل نائب رئيس هيئة الطاقة المتجددة، أن جميع شركات القطاع الخاص بما فيهم شركات الاتصالات مرتبطة على الشبكة القومية للكهرباء وكل شركة لها معدل استهلاك للكهرباء يختلف عن الأخرى وعند تنفيذ قرار السماح لشركات القطاع الخاص بشراء الطاقة النظيفة من الشبكة القومية للكهرباء فإنه سيتم إبرام تعاقد بين الشركة وهيئة الطاقة الجديدة من خلال جهاز تنظيم مرفق الكهرباء حسب الاستهلاك الشهري.
أشار إلى أنه سيتم ذلك من خلال تغيير التوصيلات القائمة من قبل شركة توزيع الكهرباء التابع لها الشركة التي تريد شراء الطاقة النظيفة. على أن يتم تحديد مصادر الطاقة النظيفة من خلال مراكز التحكم لتوصيلها للشركات التي ستتعاقد على شرائها.
اشتراطات شراء الطاقة
وسمحت القواعد التنظيمية التي أقرها جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، لشركات القطاع الخاص بشراء الطاقة الجديدة والمتجددة من محطات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.
وجاءت القواعد التنظيمية المُنظمة لعملية البيع كالتالي:
1- عقد بيع طاقة كهربائية بين الهيئة وكل شركة بكمية طاقة محددة وفترة زمنية مدتها سنة قابلة للتجديد بموافقة الطرفين.
2- عقد بيع طاقة كهربائية بين الهيئة والشركة المصرية لنقل الكهرباء لاستخدام شبكة الشركة المصرية لنقل الكهرباء.
3- عقد بين الهيئة وشركة توزيع الكهرباء لاستخدام شبكة التوزيع.
– تستمر شركات توزيع الكهرباء المتعاقد معها الشركات الطالبة لشراء الطاقة المتجددة في إصدار وتحصيل فواتير الكهرباء الشهرية مع تغير شكل الفاتورة حسب النموذج المرفق وفقا للسعر الذي سيحدده جهاز مرفق الكهرباء وحماية المستهلك ومنح كل جهة ما يخصها من هذا السعر على أن تشمل الفاتورة 3 أجزاء:
– قيمة الطاقة المنتجة ويتم تحويل تلك القيمة لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.
– مقابل استخدام شبكة النقل ويتم تحويل تلك القيمة للشركة المصرية لنقل الكهرباء.
– مقابل استخدام شبكات التوزيع وتحصل شركة توزيع الكهرباء تلك القيمة لصالحها.
مستقبل الطاقة الخضراء
يقول رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة محمد الخياط، إن الطاقة النظيفة ستساهم بقدر أكبر في مزيج الطاقة بالبلاد، في ظل ما تمتلكه الدولة من إمكانات كبيرة لتوسيع إنتاج الطاقة المتجددة بالموارد الطبيعية المتاحة، لافتا إلى أن إنتاج مصر حاليًا يقارب الـ 1.4 جيجاوات من طاقة الرياح سنويا، بينما بلغت الطاقة المولدة من محطة الكريمات للطاقة الشمسية الحرارية 140 ميجاوات العام الماضي.
تابع الخياط، أن شركات القطاع الخاص أنتجت في مجمع بنبان للطاقة الشمسية نحو 1.5 جيجاوات من الكهرباء العام الماضي، في حين أن محطة كوم أمبو الشمسية قادرة على توليد نحو 26 ميجاوات. هناك أيضا نحو 217.2 ميجاوات من الطاقة الكهربائية الموجودة في المرافق غير المتصلة بالشبكة القومية والمولدات الاحتياطية في جميع أنحاء البلاد، وتسعى الحكومة إلى أن تشكل الطاقة المتجددة 42% من مزيج الطاقة في البلاد بحلول عام 2030.
ولفت إلى أن مصادر الطاقة الخضراء والمتجددة هي المستقبل، فقطاع الكهرباء ينتج الآن أكثر من 7 جيجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية سنويا، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 10 جيجاوات خلال الفترة القادمة.
ويقول الخياط إن هناك بالفعل الكثير من الطلب من الشركات الأجنبية التي تتطلع إلى الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة بالبلاد. وتزداد أيضا جاذبية إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث وقعت مصر بالفعل ما يزيد عن 20 مذكرة تفاهم لإنشاء مصانع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يشير إلى أن هذا المصدر يمكن أن يصبح جزءًا مهما من مزيج الطاقة في المستقبل.