مع ارتفاع أسعار السلع بالأسواق، تصبح المعادلة الأهم بالنسبة للمستهلك هي السعر الرخيص وليس الجودة، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تزايد عمليات الغش التجاري، ومصانع بير السلم التي تقلد الماركات التجارية الشهيرة، وتبيعها بأسعار مخفضة، أو إعادة تدوير المنتجات منتهية الصلاحية بعد تغيير العبوات من الخارج بتاريخ إنتاج جديد.

اقرأ أيضا.. ما هي خطط الحكومة لمواجهة أزمة القمح والغذاء؟

أمام نقابتي المحامين والصحفيين بوسط القاهرة حاليا تتواجد منتجات غذائية على الأرصفة معرضة للشمس والحرارة بعضها مصنعات لحوم، يجب أن تحفظ مجمدة لكنها تظل طوال النهار تباع لجمهور يبحث عن التوفير مع ارتفاع أسعار تلك المنتجات في المحال الكبرى بنسبة تتراوح بين 100 و200% خلال الشهور الأخيرة.

ضبطت مديرية التموين بالغربية، أخيرًا، مصنعًا “تحت بير السلم” بداخله 5 ملايين عبوة شاي وقهوة سريعة ومحسنات للمخبوزات وحلويات سريعة التحضير، مقلدة لماركات شهيرة، بجانب ثلاثة أطنان من الخامات المستخدمة في الصناعة، التي يتم تحليلها لمعرفة طبيعتها.

في الفترة ذاتها كانت الضبطيات تسير على قدم وساق، فخلال يوم واحد فقط تم ضبط 1453 قضية تموينية معظمها بيع سلع مغشوشة بجانب عشرات الأطنان من السلع مجهولة المصدر التي يتم طرحها أمام الجمهور ولا تتضمن اسم مصنع ولا تاريخ إنتاج أو صلاحية.

تتركز عمليات الغش التجاري حاليا في المنتجات التي ارتفعت أسعارها بوتيرة سريعة مثل اللحوم المصنعة كـ”اللانشون” الذي وصل سعر الكيلو منه لبعض الأنواع 400 جنيه، والعصائر التي ارتفع سعر بعض أنواعها إلى 8 جنيهات لعبوبة الـ 200 ميلي.

في محافظة الجيزة على سبيل مثال، تم الإعلان عن 2373 قضية تموينية خلال الشهر الماضي، بينها 138 طن مصنعات لحوم وأسماك وكفتة وحواوشي ودهون حيوانية ومقطعات دواجن ولانشون وعصائر وشيكولاتة وجبن وموتزريلا ومنتجات ألبان غير صالحة للاستهلاك الآدمي، بجانب 8640 ألف لتر عبارة عن زيوت طعام غير مطابقة للمواصفات القياسية.

تزييف الغذاء يتوسع

كميات من الشاي والنسكافيه الفاسدة في أحد المخازن
كميات من الشاي والنسكافيه الفاسدة في أحد المخازن

لا تستأثر المدن بعمليات التزييف كالمعتاد باعتبار تلك الأماكن هي الأكثر  توطنًا بفئات الموظفين، لكنها امتدت للمناطق الريفية بالدلتا والصعيد على حد سواء، فخلال يوم واحد ضبط جهاز حماية المستهلك بمركز نقادة بالمنيا نحو 400 كيلو جرام لحوم ودجاج ومجمدات منتهية الصلاحية، وكذلك 750 كيلو جرام لحوم ببني سويف.

تعج مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا بمقاطع فيديو لأصحاب مطاعم شهيرة يحذرون من عمليات غش تصنيعية، لعبوات الشيكولاتة السريعة بزيوت رخيصة حتى أصبحت الزيوت تمثل 90% من مكونات العبوات ما يصيب متناوليها بأضرار صحية خطيرة، وكذلك غش اللحوم المفرومة بكرتون بيض ولون صناعي وبيعها للمواطنين في المطاعم الشعبية.

منذ انتشار استخدام “مكسبات الطعم” وكذلك المطابع غير المرخصة، أصبحت كثير من المنتجات الغذائية تحت تهديد التزييف، فالسمن الصناعي يمكن بيعه على أنه طبيعي، وعجينة التوابل يمكن تحويلها إلى مقطعات دواجن نصف مطهية وبيعها باسم علامات تجارية شهيرة.

ملء البطون.. أم الجودة

سلع تباع على الأرصفة
سلع تباع على الأرصفة

تقول مها محمد، موظفة أثناء شرائها منتجات غذائية من على رصيف بوسط القاهرة، إن المعادلة حاليا لم تصبح الجودة أو الفوائد الصحية ولكن “ملء البطون” فلم يعد بمقدرتها شراء الجبن الطبيعية البيضاء التي وصل فيها الربع كيلو إلى 60 جنيها لبعض الأنواع وهو ضعف ثمن المصنعة من الزيوت النباتية.

تضيف أن الأسعار ارتفعت بوتيرة سريعة والرواتب ثابتة والأسرة المكونة من 4 أفراد مثل أسرتها تحتاج من أجل العيش على الكفاف بمبلغ لا يقل عن 5 آلاف جنيه شهريًا للطعام فقط، دون حساب باقي التكاليف من إيجار وتعليم ومواصلات وغيرها.

محمود حسن، الموظف بوزارة الصحة، يؤكد على الفكرة ذاتها، فهو وزملائه يشترون يوميًا ساندوتشات كبدة وسجق من عربة بوسط القاهرة، وهم متأكدون أنها لا تتضمن لحوما وذلك من أجل سعرها الرخيص فقط الذي لا يتجاوز 5 جنيهات، مضيفا أن الأمر ينتشر أكثر مع نشاط المحال الإلكترونية عبر الانترنت للسلع الغذائية وتوصيلها للمنزل.

يضيف حسن أن الجميع يعلم سوء الغذاء المصنوع على الأرصفة أو المطاعم الصغيرة لكن تظل مشكلة الأسعار المرتفعة للغذاء الجيد معضلة أمام الحصول عليه، فمع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى 240 جنيها للكيلو والدواجن إلى 75 جنيها للكيلو، لن يبحث المواطن إلا عن أي شيء رخيص يأكله.

حماية المستهلك يشكو نقص الموظفين

يقول مسئول جهاز حماية المستهلك، لـ”مصر 360″، إن نقص عدد موظفيه يظل حائلا دون انتشاره على الأرض في جميع المحافظات ومساعدة وزارة التموين، إذ يعمل في السنوات الأخيرة على تفعيل الانتدابات من جهات أخرى من أجل مواجهة سيل الشكاوى التي ترد لها التي تجاوزت 225 ألف شكوى في عام 2022.

يضيف المسئولـ لـ”مصر 360″، أن الجهاز غير ممثل في جميع المحافظات ففروعه 18 فرعا فقط ترتفع إلى 20 مع افتتاح فرعي الغربية ودمياط، ومن المقرر افتتاح فرع الـ 21 في الأقصر مارس القادم، وعدم تواجده على الأرض لا يمنع تصديه للشكاوى التي ترد من جميع المحافظات.

تغليظ عقوبة الغش

النائب أيمن محسب
النائب أيمن محسب

ووصل انتشار أزمة السلع المقلدة إلى مجلس النواب أخيراً، مع تقديم الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة للحكومة، طالب فيه بمواجهة الغش التجاري ومافيا السلع المقلدة للحفاظ على سمعة المنتجات المصرية، ولمنع تعرض المواطنين لمخاطر صحية جسيمة، ودعا إلى تكثيف الحملات الرقابية على الأسواق وتتبع السلع المقلدة بالأسواق للوصول إلى مصدرها، وتغليظ عقوبة الغش التجاري وإنتاج سلع مقلدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الممارسات.

الغش التجاري يمكن تقسيمه لنوعين أولهما بيع او عرض سلع منتهية الصلاحية او غير صالحة للاستهلاك الادمي او فاسدة، والثانية هي جريمة بيع او عرض سلع مجهولة المصدر او ليس لها فواتير او بيانات.

بالنسبة للسلع الفاسدة ومنتهية الصلاحية، فينص قانون العقوبات بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 30 ألف جنيه لكل من غش أو شرع فى غش أغذية إنسان أو حيوان أو كانت فاسدة وغير صالحة.

أما السلع مجهولة المصدر، فيعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع فى أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق، وبينها نوع البضاعة أو منشأها أو أصلها أو مصدرها.

ويقول محسب إن أصحاب النفوس الضعيفة يلجئون إلى البحث عن المكاسب بطرق غير مشروعة، لتحقيق ثروات بأقل التكاليف، عن طريق التلاعب في الإنتاج، سواء من خلال تقليل الجودة أو استخدام بعض المواد غير المصرح بها، أو في كثير من الأحيان اللجوء لاستغلال بعض العلامات التجارية ونسبها لصناعات مجهولة المصدر.

أشار إلى الأضرار الصحية التي تهدد المصريين والأضرار الكبيرة بالاقتصاد المصري بسبب فقدان الثقة في المنتج المصري، خاصة أن أغلب السلع المقلدة تسرق علامات تجارية معروفة وأغلبها “ماركات عالمية”، مما يكون له تأثير في انخفاض الطلب على المنتج المصري، وما يقلل فرص التصدير أمام المنتج المصري ومن ثم تراجع تدفقات الدولار من قطاع التصدير.