منذ عشرة أشهر دعا رئيس الجمهورية لحوار سياسي بين كل القوى السياسية والشبابية وغيرها من قوى المجتمع، وجدت الدعوة ترحيباً من الغالبية العظمى من القوى الفاعلة في مصر، وظن الجميع أن الحوار قد يكون بداية لانفراجة حقيقية لا سيما في ملف الحريات العامة، فضلا عن البدء في الاتفاق على حل نهائي لقضية سجناء الرأي بما خلفته من احتقان مجتمعي ومصادرة شبه كاملة للحياة العامة.
اقرأ أيضا.. في أزمة الاقتصاد الخانقة: السياسة أولاً
استمرت حالة التفاؤل بعد تشكيل لجنة تنسيقية لإدارة الحوار، ثم الإعلان عن لجان عامة لمناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأرسلت القوى السياسية بممثليها في اللجان المختلفة استعداداً لبدء الحوار، إلا أن كل الأحلام راحت تتبدد مع طول مدة “التجهيز” للحوار، تلك المدة التي وصلت لعشرة أشهر، ثم زاد الإحباط بعد أن توقف كل شيء، لا اجتماعات ولا مناقشات ولا حتى تحديد موعد لبدء الحوار، وهو الأمر الذي يبشر بأن النتائج ربما لن تكون أفضل من طريقة إدارة الحوار، بل أن الواضح أن نفس طريقة إدارة البلد بالاستبداد قد وصلت إلى طريقة إدارة الحوار وحرمت القائمين عليه من قدرتهم على مجرد إعلان الميعاد الذي يمكن أن يكون البداية للحوار، دعك من حرية النقاش وآليات الاتفاق على النتائج التي قد تصدر عن المناقشات.
الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن السلطة القائمة لا تعتبر فكرة الحوار جزءاً من أدبياتها، وهي لا تؤمن إلا بالحكم الفردي الذي يتسلط على المجتمع بقواه وأحزابه ومؤسساته، وقد كانت طريقة إدارة الحوار تعبيراً حقيقياً عن طريقة إدارة السلطة للبلد، وحكماً واضحاً على إمكانية أن تتغير لتقبل بالمشاركة والتنوع، فقد استنزفت نحو عام في “التجهيز” فقط للحوار المنتظر، والذي فقد معظم المتحمسين له حماسهم وفقدوا معه قدرتهم على تبرير التأخير غير الطبيعي وغير المفهوم.
أصعب ما يحدث هو أن السلطة لا تدرك أن البلد تمر بمنعطف خطير، وأن الحوار والمشاركة هما فقط الذين يمكن أن يجنبوا البلد مصائر مخيفة لا يتمناها أحد، وأن الإصرار على الإدارة بنفس الطريقة القديمة لا يمكن أن يستمر، وأن البلد تغيرت كما لم يحدث من قبل، وأن الحوار يجنب البلد مخاطر الانفجار لا قدر الله.
(2)
السعودية بلد عربي كبير.
وقد تراوحت العلاقات المصرية السعودية في العصر الحديث بين المد والجذر، التوتر والاستقرار لكن المؤكد أن التوتر البادي الآن في علاقات البلدين لم يحدث من قبل، ولم يصل الشد والجذب لهذه المرحلة من “العلنية” طوال الأربعين عاماً الأخيرة على الأقل.
فقد وصل الخلاف في وجهات النظر بين البلدين حد الهجوم المباشر من سياسيين “قريبين” من النظام السعودي على السلطة في مصر، و”المعايرة” بمساعدات اقتصادية بدأت مع 30 يونيو 2013 وما زالت مستمرة حتى الآن.
تاريخياً دخلت مصر والسعودية في مواجهات سياسية كبيرة، فقد كان الخلاف بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والملك فيصل أبرز هذه المواجهات، وكانت التركيبة السياسية لكلا النظامين هي العامل الأهم في تفجر الخلاف، فقد كانت رؤية جمال عبد الناصر للنظام السعودي بأنه “رجعي”، وأنه لا ينحاز لقضايا الأمة العربية لا سيما إن الستينيات كانت هي فترة المد القومي، وكان الملك فيصل يخشى من تصدير “الثورة” الناصرية لبلده، وزاد الخلاف بين البلدين وظهر للعلن وقت انحياز النظام الناصري للثورة اليمنية وإرسال قوات من الجيش المصري لتدعم اليمنيين في ثورتهم، في نفس التوقيت كانت السعودية على نقيض الموقف المصري تدعم الإمام اليمني محمد البدر حميد الدين، وهنا كان مكمن الخلاف الذي لم يزول حتى رحل عبد الناصر وجاء بعده السادات الذي اختار طريقاً مناقضاً لخط جمال عبد الناصر العروبي، وهو ما أثار ارتياحاً لدى المملكة وأعاد العلاقات المصرية السعودية إلى مساحات أفضل وأكثر استقراراً.
ورغم مشاركة السعودية في حرب أكتوبر واستخدامها سلاح البترول في مواجهة الدول التي تدعم إسرائيل، ورغم ازدهار العلاقات المصرية السعودية في بداية عصر السادات وحتى ما بعد حرب أكتوبر 73؛ جاءت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر بعد أن قطعت السعودية علاقتها بمصر وشنت هجوماً حاداً على السادات الذي رد الهجوم بمثله.
خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك شهدت العلاقات المصرية السعودية حالة من الاستقرار والهدوء، وكانت الخلافات تطفو أحياناً على السطح إلا أنها سرعان ما تتراجع لتعود العلاقات إلى سابق عهدها وإلى استقرارها المعتاد.
هذه السطور السريعة هي محاولة لاختصار طبيعة العلاقات المصرية السعودية خلال جزء مهم من تاريخنا الحديث، وهي سطور كاشفة لطبيعة التراوح بين الهدوء والنزاع، إلا أن المؤكد أن أي خلافات لم تصل أبداً لمساحة الهجوم على النظام المصري كما يحدث الآن، ولم يظهر التوتر إلى الحد الذي يجعل الإعلام في البلدين في حالة سجال يومي دفاعاً وهجوماً على الطرف الآخر.
المؤكد أن أحداً لا يعرف بالضبط أسباب الخلاف المصري السعودي، وهل يرتبط بالتراجع المصري عن نقل جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، أم برغبة سعودية في الاستحواذ على أصول مصرية بعينها للاستثمار فيها، أم ماذا بالضبط، لكن المؤكد أن العلاقات المصرية السعودية لم تصل لهذه الدرجة من التوتر من قبل، وأظن أن أحداً في البلدين لن يصرح بالأسباب “الحقيقية” التي أدت إلى مساحة الخلاف البادية الآن.