كشفت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عن طرح أكثر من 20 شركة حكومية في البورصة المصرية هذا العام، وأن تفاصيل تلك الطروحات سوف يتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، بحيث يتم الطرح على مدار العام.

تتنوع فئات تلك الشركات بحسب بعض التقارير إلى شركات مؤهلة لزيادة الأسهم المطروحة في السوق، وشركات متوقع دخولها في برنامج الطروحات الحكومية، وشركات جاهزة للطرح الفوري دون عمليات تخارج قبل الطرح.

اقرأ أيضا.. مبادرة تمويل الصناعة مقترحات وتحديات

وبشكل عام فإن طروحات الحكومة داخل البورصة تتسبب في إقبال كثيف على الاستثمار والتداول في تلك الشركات، ولا ننسى تجربة طرح شركة “إي فاينانس” العام الماضي والتي حقق سهمها أكثر من 50% في أول أيام التداول داخل البورصة، وتغطية اكتتابها بأكثر من 61 مرة بنهاية فترة الاكتتاب، بالرغم من كون قيمة الطرح هي الأكبر في تاريخ البورصة المصرية بقيمة 5.8 مليار جنيه، متخطية طرح المصرية للاتصالات التاريخي في 2005 بقيمة 5.1 مليار جنيه، وهو ما يجعل البورصة المصرية متعطشة بشدة لمزيد من الطروحات التي تزيد من حجم التداول بها.

تأتي هذه الخطوة ضمن خطوات عديدة في برنامج الإصلاح الذي تتبناه مصر بالتزامن مع اتفاق القاهرة مع صندوق النقد الدولي، والذي يستهدف تحقيق انضباط مالي في الموازنة العامة، وتشجيع القطاع الخاص على العمل والإسراع بعملية تخارج الدولة من عدة قطاعات وأنشطة اقتصادية، والتي تعد آلية الطروحات في البورصة إحدى آليات تلك الخطوة، والتي تحقق الكثير من جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، عبر ضخ النقد الأجنبي في سوق الأوراق المالية، مما يساهم في نشاط البورصة وتداول أكبر للعملة الأجنبية.

البورصة المصرية التي عانت كثيرًا كغيرها من القطاعات خلال العامين الماضيين نتيجة الأزمات الاقتصادية المتتالية على الاقتصاد المصري، تحسنت مؤشراتها كثيرًا في الأشهر الماضية مع عملية تحرير سعر الصرف وارتفعت للمرة الأولى منذ فترة طويلة إلى ما يزيد عن 17 ألف نقطة، ونجاح البنك المركزي في إدارة التعويم بمرونة تسمح بتغير السعر بحسب الطلب والعرض بشكل أدى لتقليل حجم السوق الموازية، وانعكس ذلك على البورصة بانخفاض في قيمة الأسهم والشركات المطروحة للتداول، ما زاد بشدة من أسباب الإقبال على عمليات الشراء والتداول بداخلها.

لكن ما نشير إليه في النقطة السابقة لابد أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار، حيث أن القيمة العادلة والقيمة السوقية للشركات والأسهم وما تملكه من أصول يجب أن تخضع لعملية إعادة تقييم دقيقة، فتغير سعر الصرف خلال عام من 15 جنيها للدولار إلى 30 جنيها للدولار الواحد، غير كثيرًا من قيمة الأصول التي تملكها الشركات، فالمعدات والآلات التي يتم حسابها داخل القوائم المالية للشركات أصبحت قيمتها أعلى عن القيمة المرصودة بالفعل، وبالتالي تغيرت قيمة معدلات “الإهلاك” التي تحتسب على تلك الآلات والمعدات، فأصبحت السيارة التي كان ثمنها 2 مليون جنيه منذ عام، تتخطى قيمتها الآن 4 ملايين جنيه، وبالتالي زاد حجم هذا الأصل وزاد قيمة معدل الإهلاك الخاص به، كذلك الأمر بالنسبة للأراضي والعقارات التي زادت قيمتها السوقية نتيجة تغير سعر الصرف، فما كان يمكن شراؤه من أراضي أو عقارات منذ عام، أصبحت قيمته أكثر من ضعف القيمة السابقة، وبالتالي لابد من عدم إغفال هذا المتغير الهام.

إعادة تقييم الأصول بالقيمة السوقية العادلة بدلًا من القيمة الدفترية الحالية التي تظلم الشركات كثيرًا وتقلل من حجمها وقدراتها هو أمر هام، وسعدت للغاية بأن تتقدم النائبة البرلمانية غادة علي باقتراح مميز يلفت النظر لهذه الثغرة، ويطلب تعديلها ودراستها من خلال هيئة الرقابة المالية، مع الوضع في الاعتبار عند تغير قيمة الشركات عدم المحاسبة الضريبية على تحول الشركات للربح بعد تعديل قوائمها، إذ إنها تعد تعديلًا للقيمة الدفترية وليست مكاسب حقيقية، وهي أيضًا نقطة تشريعية تحتاج للعلاج.

نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي تتعلق بالبيع للمستثمرين الاستراتيجيين من الأشقاء العرب، في حال تملكهم لحصص حاكمة تضمن حق الإدارة، وهي ضرورة أن تكون تلك الطروحات مرتبطة بخطط توسع رأسمالية يتم التفاهم بشأنها بالإضافة لخطط واضحة للتدفقات النقدية، حتى تتمكن تلك الشركات من نمو أرباحها وإيراداتها بشكل يحقق مصلحة لجميع الأطراف، ويضمن حقوق العمالة داخل تلك الشركات سواء استمروا أم لا في إطار الوضع الجديد، خاصة وأن صناديق الاستثمار العربية تقتنص الفرص الحالية للشراء في الأصول المصرية التي انخفضت قيمتها نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية.

وبشكل عام فإن التحركات التي تتم عبر ضم الكثير من الأصول لحيازة الصندوق السيادي تمهيدًا لجذب صناديق الاستثمار الأجنبية إليها، تطرح سؤالًا حول مدى قدرة الحكومة والقطاع الخاص على تعبئة المدخرات المحلية عبر صناديق استثمار وطنية لشراء أسهم الشركات الرائدة والواعدة في السوق المصري، بما يحقق الحفاظ على ملكية الكثير من الشركات الهامة إلى مواطنين مصريين دون فرض قيود على الاستثمار، وفي ذات الوقت يتشجع المواطنين على تحويل ودائعهم ودخراتهم إلى أنشطة استثمارية واضحة وآمنة، وبالتالي يستفيد المواطنون من تنمية أموالهم ومنع تآكلها بفعل التضخم، وكذلك تزداد معدلات الاستثمار المحلية المتراجعة بشدة في الاقتصاد الوطني، ويزداد معها بالضرورة التراكم الرأسمالي وتحقيق التنمية الاقتصادية بمعناها الحقيقي.

النقاش حول معدل الادخار وكيفية تنميته هو أمر بالغ الأهمية في مصر، حيث تراجعت معدلات الادخار المحلية في مصر إلى أقل من 10% بعد ما كانت تتخطى الـ24% عام 1992، بينما تبلغ في دول جنوب شرق آسيا والدول ذات الدخل المتوسط لأكثر من 27%، وتبلغ في الدول الفقيرة أكثر من 17%، وبالتالي فإن صناعة تنمية اقتصادية مستدامة يجب أن تبدأ بهذه النقطة، ولا تتوقف عند حدود الظرف الراهن.