يمكن النظر لزيارة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” إلى الشرق الأوسط، في إطار تفعيل الدور الأمريكي في عدد من الملفات الإقليمية، في مقدمتها القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في ليبيا والسودان، وتكثيف التعاون الاقتصادي الأمريكي المصري.
اقرأ أيضا.. وزير الخارجية الأمريكية: السعودية تفعل “أشياء إيجابية”.. ولا تطبيع مع نظام “الأسد”
وانطلق “بلينكن” في جولة إقليمية إلى مصر وفلسطين وإسرائيل استغرقت 3 أيام بالتزامن مع تفاقم وتيرة العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، حيث صعدت حكومة بنيامين نتنياهو الموقف، واتخذت إجراءات عقابية تتضمن تعزيز سياسة المستوطنات الإسرائيلية ومصادرة أراضي جديدة بالضفة الغربية، وفقا لتصريحات الوزير المسؤول عن سياسة الاستيطان، بتسلئيل سموتريتش. بجانب موقف رئيس الحكومة نتنياهو المتعنت إزاء حل الدولتين، ومع ذلك التصعيد جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي لحث كل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، لاتخاذ خطوات لتهدئة الموقف.
أبعاد الزيارة
يرى رامي شفيق الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية إلى القاهرة، في حد ذاتها، تحمل نوعا من التأكيد على ثقة واشنطن في الدور المصري، وقدرته على القيام بدور الحليف الاستراتيجي، خاصة في المهام التي تؤديها القاهرة في الشأن الفلسطيني حيث تستطيع التعامل مع أغلب الفصائل الفلسطينية، ما يساهم فى جهود الوساطة.
لذا وبحسب “شفيق” تستهدف الزيارة دفع جهود القاهرة نحو بسط مفهوم الاستقرار، وحث الأطراف على تبني رؤية تضمن خفض تصعيد العمليات الميدانية والمواجهة التي أعقبت تولي “نتنياهو” رئاسة حكومة متطرفة تدفع منسوب الاستقرار لحافة الهاوية.
ويشير “شفيق”، إلى أن الزيارة حملت جملة من الملفات، والتقى فيها “بلينكن” وزير الخارجية سامح شكري والرئيس عبد الفتاح السيسي ومسئولين آخرين، ويضيف: “نستطيع القول إن ثمة مهام تضطلع بها القاهرة استجابة لأدوارها التي اكتسبتها بفعل التاريخ والجغرافيا السياسية وكذلك الدور الوظيفي في الشرق الأوسط”.
هندسة العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية
أدت سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن في النصف الأول من ولايته الرئاسية، إلى حدوث أزمة ثقة وفجوة كبيرة في العلاقات بين العرب وأمريكا، دفع ذلك بعض الدول العربية لاتخاذ تدابير وقائية، تضمنت تخفيف الاعتماد على أمريكا، ومحاولة حلحلة الخلافات في المنطقة (سوريا)، والتوجه خارجيا نحو بدائل أخرى، كالسعى لتطوير العلاقات مع الصين وروسيا.
وفي السياق لا تنفصل زيارة “بلينكن” عن استراتيجية إعادة هندسة العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية، من خلال مناقشة أولويات دول المنطقة. إضافة إلى عمل الولايات المتحدة على تعزيز دورها في المنطقة، حيث أطلقت استراتيجية جديدة للتعاون مع إفريقيا، كما عقدت قمة مهمة مع رؤساء الدول الإفريقية.
القاهرة- المحطة الأولى
شكلت مصر المحطة الأولى لمسار “بلينكن” إلى تل أبيب ثم الضفة الغربية، حيث كشف المؤتمر الثنائي الذي عقد بين “بلينكن” ونظيره المصري سامح شكري عن إدراك أمريكا لدور مصر المحوري، واعتبارها شريك استراتيجي، كما أنها امتداد لخطط التعاون الأمريكي المصري.
كما أكد بلينكن، أن الشراكة المصرية الأمريكية مهمة للمنطقة والعالم، وشدد على دورها في تخفيف حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يعزز الأمن والسلام، مشيرا إلى مشاركة مصر في مؤتمر النقب بوصفه يخدم التكامل والازدهار في المنطقة.
سد النهضة
تحاول مصر الاستعانة بالمجتمع الدولي وحث مجلس الأمن على الضغط على إثيوبيا للدخول في مفاوضات لإبرام اتفاق ملزم بشأن سد النهضة.
وكشف بيان الخارجية الأمريكية حول المؤتمر الصحفي المشترك بين سامح شكري وبلينكن، عن طرح موضوع السد للنقاش، وأهمية استمرار العمل المشترك للحفاظ على مصالح الأطراف الثلاثة وفقا للقانون الدولي والحقوق المشروعة للحفاظ على الموارد المائية وضمان الأمن المائي لمصر.
التعاون الاقتصادي
إلى جانب القضايا الإقليمية، احتل التعاون الاقتصادي أولوية خاصة بين البلدين، إذ أشار بلينكن إلى تدشين شراكات اقتصادية طويلة المدى مع مصر، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية، حيث قدمت الولايات المتحدة 600 مليون دولار لبناء خط بحري لرقمنة قطاع الاتصالات.
كما التزمت الولايات المتحدة ومصر بإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة من شأنها تعزيز التعاون في جميع القضايا الاقتصادية والتجارية، وأشار بيان الخارجية الأمريكية إلى اتفاقية مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022، كخطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار وتمكين الإصلاحات الاقتصادية.
دعم وساطة الأمم المتحدة في ليبيا
خلال زيارة بلينكن للقاهرة، أشار إلى دور القيادة المصرية في تسوية الأزمة الليبية، في ظل انخراط القاهرة في جولات الحوار الوطني الليبي برعاية الأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين الفاعلين في ليبيا.
وأشارت الولايات المتحدة لتعاون وثيق مع مصر لتهدئة النزاعات وتعزيز السلام بما في ذلك دعم وساطة الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات في ليبيا في أقرب وقت ممكن.
يذكر أن رئيس المخابرات الأمريكية، وليام بيرنز، قام في 13 يناير بزيارة إلى طرابلس، وعلق نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قائلا إن واشنطن تعمل مع القادة الليبيين وشركائهم الإقليميين لتحديد موعد للانتخابات استجابة لرغبة 2.5 مليون ليبي سجلوا بياناتهم للتصويت خلال الانتخابات المؤجلة.
ويرى الدكتور محمد عبد الكريم الباحث في الشأن الإفريقي، أن الملف الليبي يحتل جزءا كبيرا من اهتمامات أمريكا بالمنطقة، حتى وإن بدا أنها غير منخرطة فيها، ولكنها تضمن أن جميع الأطراف تتفاعل تحت السيطرة الأمريكية، ولا تستطيع أن تتجاوز خطوط رسمتها في ليبيا.
وأشار “عبدالكريم” إلى أن زيارة بلينكن لمصر مؤشر على حاجة في أن تكون القاهرة مع توافق مع المسار الأمريكي، الذي يتضمن ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في أقرب وقت وإقصاء بعض الأطراف مثل سيف الإسلام القذافي وغيره من المشهد السياسي الليبي.
الملف الفلسطيني
تأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي للضفة من أجل التشاور مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حول قراره بتعليق التعاون الأمني الفلسطيني مع إسرائيل، في أعقاب التوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وسبق أن صرحت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف: “نريد أن نجعل الطرفين لا يوقفان التعاون الأمني، بل يعززان بالفعل التنسيق الأمني.. نحن نحث على وقف التصعيد وتهدئة الوضع”
بينما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن تحقيق الاستقرار وتجنب التصعيد وإيجاد المناخ السياسي المناسب مهم للتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
الوضع في السودان
دعت واشنطن القوى السودانية غير الموقعة على “الاتفاق الإطاري” للمشاركة والتعاون على تمريره، بهدف استعادة السلطة المدنية، وعلق السفير الأمريكي في السودان جون جودفري، قائلا إن الولايات المتحدة تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية بهدف دفع جهود تشكيل حكومة مدنية جديدة.
وتعتبر مصر الملف السوداني ضمن أولويات الأمن القومي، وتبرز زيارة رئيس المخابرات اللواء عباس كامل إلى السودان، ثم طرح مبادرة مصرية لأجل تسريع الاتفاق بشأن المسائل الخمسة المتعلقة بالاتفاق الإطاري، مما يشير إلى انخراط مصر في الأزمة وضرورة الوصول إلى اتفاق سريع.
بينما قال بلينكين في مؤتمر صحفي مع سامح شكري إنه بحث جهود دعم العملية السياسية في السودان والانتقال إلى الديمقراطية.