في تحليل حديث حول الوضع الاقتصادي في دولتين تتشابهان في أزمتيهما، قارن معهد الشرق الأوسط بواشنطن، بين مصر وباكستان، الدولتين المحوريتين في مناطق جغرافية مضطربة، منطلقًا من زاوية كونهما تستحوذان حاليًا على اهتمام صيني متنام، في وقت يتزايد فيه نفوذ الصين وطموحها لمقارعة أوروبا والولايات المتحدة في عدد من الملفات.

وبينما يوضح التحليل في قراءته مدى السوء الذي يبدو عليه الوضع الاقتصادي في البلدين، فإنه يبرز فرص الصين في التعاطي مع أزمة كل منهما، وكيف يمكن أن تكون بكين فاعلة من هذا المنطلق.

باكستان غير المستقرة

يشير التحليل إلى أن الوضع الاقتصادي بباكستان غير مستقر، مع معاناتها من ضغوط تضخمية ونقص في السلع الأساسية متواصل.

وكان الاقتصاد الباكستاني في دوامة هبوط منذ شهور، بعدما غمرت الفيضانات العام الماضي ثلث البلاد، وألحقت أضرارًا بالغة بالإنتاج الزراعي، الذي يمثل 23% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب 37% من العمالة.

وقد أدى عدم الاستقرار السياسي وعودة العنف إلى تفاقم المشاكل بالبلاد. لكن البنك الدولي كان له تفسير آخر. إذ أرجع توقف التقدم الاقتصادي في المقام الأول إلى التشوهات الاقتصادية.

الدين والأعباء

وفي العام الماضي، تراجعت الروبية الباكستانية بنسبة 30% تقريبًا مقارنة بالدولار الأمريكي، لتصبح واحدة من أسوأ العملات أداءً في آسيا. الأمر الذي جعل الواردات أكثر تكلفة، وأدى إلى مزيد من الانكماش في احتياطيات النقد الأجنبي إلى 4.3 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني. وهو أدنى مستوى منذ فبراير/ شباط 2014، يكفي لتغطية واردات شهر واحد فقط.

تضخم الدين القومي لباكستان إلى 274 مليار دولار، أو ما يقرب من 90% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويبلغ الدين الخارجي والالتزامات الباكستانية الآن 100 مليار دولار. ومن المقرر أن تسدد البلاد أكثر من 26 مليار دولار السنة المالية الحالية. كما أصبح قطاع الطاقة مثقلًا بالديون، لدرجة أنه لا يستطيع الاستثمار في البنية التحتية اللازمة لتلبية الطلب.

مع هذا الوضع، اضطرت باكستان في ديسمبر/ كانون الأول، لتعليق استيراد السلع غير الأساسية. الأمر الذي أدى بدوره إلى إغلاق المصانع وخسارة كبيرة في وظائف صناعة المنسوجات الكبيرة في البلاد، مع شعور قطاعي التجارة والخدمات أيضًا بالضيق.

وقد زاد من تفاقم مشكلات باكستان، انقطاع التيار الكهربائي في جميع المدن الرئيسية في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ومن ثم تضرر ملايين الأشخاص.

مصر.. الأزمة وأسبابها

بحسب تحليل “معهد الشرق الأوسط”، فإن الوضع الاقتصادي لمصر أفضل نسبيًا رغم التضرر الشديد من تداعيات الحرب في أوكرانيا. إلا أن معظم المراقبين يعزون المتاعب الحالية أيضًا إلى الخيارات الاستثمارية للحكومة، والاعتماد بشكل مكثف على الاقتراض الخارجي لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة.

في بعض النواحي، عاد الاقتصاد المصري إلى ما كان عليه عام 2016، عندما حصلت الحكومة على قرض لمدة ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار لدعم خطتها الإصلاحية.

خلال العام الماضي فقط، فقد الجنيه المصري 44% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي. وارتفع التضخم إلى 21.3% في ديسمبر/ كانون الأول. وهو أعلى معدل له في خمس سنوات.

وقد أثر ذلك في شكل ارتفاعات شديدة في أسعار المواد الغذائية وتكاليف الخدمات الطبية والإسكان، التي أضرت بمدخرات العديد من المصريين. وضعف الاقتصاد أكثر مع انخفاض قيمة العملة وانسحاب المستثمرين من الأصول المصرية.

مصر وباكستان والصندوق

وفق التحليل، فإن كلا البلدين (مصر وباكستان) يحتاجان بشكل عاجل إلى تمويل خارجي لدعم اقتصاداتهما.

وهو ما حدث عندما تعهد المقرضون الدوليون والحكومات بتقديم 9 مليارات دولار للتعافي من الفيضانات لباكستان في مؤتمر المانحين في جنيف في أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي.

ومع ذلك، فإن برنامج صندوق النقد الدولي الذي تم إحياؤه مع باكستان معلق منذ سبتمبر/ أيلول. ما أدى بدوره إلى تأخير الموافقة على قروض البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

مثل باكستان، لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي -للمرة الرابعة منذ عام 2016- للمساعدة، ووافق المجلس التنفيذي للصندوق، على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. ذلك في إطار تسهيل الصندوق الممد.

كما وافقت مصر على تنفيذ حزمة سياسة تتضمن تحولًا دائمًا إلى سعر صرف مرن، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من حدة الفقر وحماية المستضعفين. بالإضافة إلى إصلاحات لتسهيل النمو الذي يقوده القطاع الخاص. مع خلق فرص العمل من خلال الانسحاب التدريجي للدولة من “القطاعات غير الاستراتيجية”. وكذا تشديد المالية العامة، والانضباط عن طريق إبطاء تنفيذ المشاريع الاستثمارية العامة.

الخليج كمنقذ

المنفذ الثاني للبلدين هو دول الخليج العربي كالسعودية والإمارات على وجه الخصوص، اللتان قدمتا دعمهما للدولتين في مناسبات متعددة.

في أغسطس/ آب الماضي مثلًا، جددت الرياض إيداعها البالغ 3 مليارات دولار لدى بنك الدولة الباكستاني. ويُقال إنها تجري دراسة حول زيادة الوديعة إلى 5 مليارات دولار.

وخلال زيارة للإمارات في يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف الحصول على قرض بقيمة 2 مليار دولار وقرض إضافي بقيمة مليار دولار.

بالمثل، تهدف مصر إلى سد فجوة التمويل خلال السنة المالية 2025/2026 بشكل أساسي من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة، بما في ذلك الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قيل إن شركة أبو ظبي القابضة تعهدت بتعزيز الاستثمار الإماراتي بشكل كبير في مصر. وفي نفس الوقت تقريبًا، أجرى جهاز قطر للاستثمار محادثات متقدمة لشراء حصص مملوكة للدولة في شبكة الهاتف المحمول في مصر والاستثمار في شركات أخرى.

ومع ذلك، فإن باكستان ومصر تواجهان أيضًا تدقيقًا أوثق من رعاتهما الخليجيين التقليديين فيما يتعلق بأموال الدعم الجديد، الذي سيقتصر على عمليات استحواذ أكثر منه استثمارا.

الصين تتحين الفرص

يذكر معهد الشرق الأوسط أنه بينما تُعلق إسلام أباد والقاهرة آمالهما على تأمين دعم صندوق النقد وإعادة التمويل قصير الأجل والتمويل من الدول الصديقة خصوصًا دول الخليج. تقف الصين تنظر للطريقة التي تدير بها باكستان ومصر أزماتهما الحالية، متحينة الفرصة للعب دور أكبر لأنه مع نمو قدرات الصين وطموحاتها، نمت أيضًا أدوارها الاقتصادية بكل من باكستان ومصر، وفي المناطق المحيطة بهما.

اقرأ أيضًا: غراميات النخب العربية والافتتان بالنموذج الصيني

وبدافع من مبادرة الحزام والطريق، تعمق الارتباط الاقتصادي للصين مع البلدين. وإذا كان اهتمام بكين التاريخي بباكستان في المقام الأول. فإن مصر تبرز حاليًا كعنصر أساسي لجهود الصين لتوسيع وصول سلعها إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية.

لماذا تهتم الصين بمصر؟

الصين هي أكبر مستخدم لقناة السويس وأكبر مستثمر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كما أن 60% من بضائعها التي تشحنها إلى أوروبا تمر عبر القناة، ويوجد أكثر من 1500 شركة صينية مسجلة في مصر، وبعضًا من أكبر الشركات الصينية المملوكة للدولة وأكثرها خبرة.

على الجانب الآخر، فإنه مثل عدد كبير من البلدان النامية الأخرى التي تعاني من ضائقة مالية، باكستان ومصر لديهما ديون للمقرضين الصينيين. فحوالي 30% من الدين الخارجي لباكستان مستحق للصين. بما في ذلك البنوك التجارية المملوكة للدولة.

وتعد الصين رابع أكبر دائن لمصر، حيث تبلغ ديونها المستحقة ما يقرب من 8 مليارات دولار. وهو رقم متواضع عند مقارنته بالمبلغ المستحق على باكستان.

والصين هي أكبر مقرض ثنائي في العالم وواحدة من أكبر الدائنين للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ومع ذلك، ربما كان من غير المعترف به على نطاق واسع أن بكين شهدت زيادة ملحوظة في تعرضها للمدينين المتعثرين، وأدى ذلك إلى شيء من التحول في دور الصين من مقدم قروض إلى جامع ديون.

فرص التدخل الصيني

لقد ظهرت الصين خلال السنوات الأخيرة كلاعب رئيسي في إعادة التفاوض بشأن الديون السيادية.

وحتى الآن، يبدو نهج الصين في التعامل مع أزمة الديون متمثل في إعادة جدولة القروض، بدلًا من كتابتها، لتقديم قروض طارئة دون الضغط على المقترضين لاستعادة الانضباط في السياسة الاقتصادية، واتباع مسار مستقل، بدلًا من التنسيق مع الدائنين الآخرين ومع صندوق النقد الدولي.

وقد حث المسئولون الصينيون إسلام أباد على إصلاح العلاقات مع صندوق النقد الدولي. وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا على أن بكين تعتبر استئناف برنامج إقراض الصندوق مفتاحًا للتخفيف من مخاطر التخلف عن السداد في باكستان.

أما بالنسبة لمصر، فنقلت وسائل الإعلام الرسمية الصينية عن زيارة وزير الخارجية تشين جانا للقاهرة في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن بكين مستعدة “لتسريع الترويج لمشروعات التعاون الرئيسية”. الأمر الذي يتعارض بشكل مباشر مع اشتراط صندوق النقد الدولي بأن تبطئ القاهرة من سرعة الاستثمارات.

ففي حالة مصر، يمكن أن تقدم شروط صفقة صندوق النقد للصين فرصًا. فالقاهرة تستعد لبيع بعض الأصول المملوكة للدولة لمستثمرين من القطاع الخاص وإدراج الشركات المملوكة للحكومة في البورصة المصرية وسيكون من المثير للاهتمام مراقبة ما إذا كان المستثمرون الصينيون سينضمون إلى نظرائهم السعوديين والإماراتيين، في السعي للحصول على حصص في الشركات العامة المصرية.