كشفت بيانات البنك المركزي عن تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 20.9% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2022/ 2023. إذ سجلت 6.4 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، مقابل 8.1 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام المالي الماضي 2021/ 2022.
ولم يكن هذا هو الانخفاض الأول. إذ بدأت التحويلات في التراجع منذ العام الماضي. وبلغت خلال الأشهر الثماني الأولى من عام 2022 نحو 20.9 مليار دولار. ذلك مقابل نحو 21.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، بنسبة انخفاض 2.3%، بحسب بيان للبنك المركزي،
كانت تحويلات المصريين في الخارج بلغت خلال العام المالي الماضي 2021/ 2022 مستوى تاريخيا إذ سجلّت 31.9 مليار دولار، مقابل نحو 31.4 مليار دولار في العام المالي السابق عليه. ما جعل مصر خامس أكبر متلقٍ للتحويلات الخارجية عالميًا، وفقًا لتقرير الهجرة والتنمية الصادر عن البنك الدولي في مايو/ أيار الماضي.
يأتي هذا في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى موارد دولارية تغطي ارتفاع معدلات الطلب على العملة الأجنبية، التي تأثرت احتياطاتها لدى الدولة نتيجة نمو الدين الخارجي وما استلزمه من زيادة في خدمة الدين الخارجي من أقساط وفوائد. فضلًا عن خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في العام الحالي 2022/2023 إلى 4%، مقارنة بتوقعاته السابقة عند 4.4% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يصل عدد المصريين بالخارج إلى نحو 12 مليون مصري، وأكبر جالية مصرية موجودة بالمملكة العربية السعودية بعدد يصل إلى 2.5 مليون مصري، وفقًا لوزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي.
يقول المحلل المالي، محمد مهدي، إنه خلال سنوات ما بعد ثورة يناير 2011 زادت تحويلات المصريين في الخارج بصورة كبيرة. لكن مع بداية العام المالي الجديد 2022/ 2023 أخذت في الانخفاض بشكل ملحوظ، بفعل عدة أسباب، يذكر منها الركود التضخمي الذي ضرب العالم وأدى لارتفاع تكاليف المعيشة في بلدان الخليج تحديدًا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث يتواجد المصريون بكثافة.
والركود التضخُّمي هو حالة نمو اقتصادي ضعيف مع بطالة عالية. وبمعنى آخر هو ركود اقتصادي يرافقه تضخم، وهو ما يحدث عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد، ولكن ارتفاع في الأسعار.
يوضح “مهدي” أن هذا الركود التضخمي تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير جدًا. ما أدى إلى زيادة نفقات المعيشة. وهذا تسبب في تقليل العاملين بالخارج من تحويلاتهم إلى ذويهم بمصر.
رسوم وقوانين خليجية
يضيف “مهدي” أيضًا أن بعض الدول مثل السعودية، أصدرت قوانين فرضت عبرها رسومًا على المصريين بالخارج. ما أجبر بعض العاملين على إنهاء عقودهم أو تقليل حجم تحويلاتهم.
ورفعت المملكة رسوم الإقامة لبعض المهن إلى نحو 6200 ريال سعودي سنويًا. فيما وصلت رسوم تجديد الإقامة لبعض المهن الأخرى إلى حدود 12 ألف ريال سعودي سنويًا. كما أن بعضها يجاوز بعضها 14 ألف ريال سعودي. ذلك بالإضافة إلى الرسوم المترتبة على المرافقين من أفراد العائلة.
وأجرت وزارة العمل بعض التعديلات على قانون تجديد الإقامة في السعودية. وكان من بين أهم هذه التعديلات تقليص مدة التأشيرة من 6 سنوات إلى 4 سنوات، إضافة إلى سَنّ عدة عقوبات على جميع الوافدين والمقيمين الذين لم يجدّدوا إقامتهم. وبدأ تنفيذ هذه القرارات منذ عام 2019.
يُتابع “مهدي” أن قانون تقليص العمالة الأجنبية الذي أصدرته الكويت أيضًا سيكون له تأثير كبير على تحويلات العاملين المصريين.
وهذا القانون الذي أصدرته الكويت أنهت بموجبه عقود 33% من غير الكويتيين بفترة إنذار. وبدأت المرحلة الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي، وستبدأ المرحلة الثانية الشهر الحالي فبراير/ شباط. على أن يتم في المرحلة الثالثة منح فترة إنذار اعتبارًا من 1 يوليو/ تموز المقبل للعدد المتبقي من الموظفين.
وبحسب تقارير، فإن الفئة التي ستُطبق عليها المرحلة الأولى في عملية إنهاء خدمة الوافدين تضم العاملين بالبلديات. وهو ما يتوقع أن يؤثر على مصير 771 ألف مصري بعودتهم إلى البلاد.
أيضا تقاعس الحكومة
يعتقد الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للإحصاء والتشريع، أن جزءًا ليس بالقليل من تحويلات المصريين بالخارج لم يذهب إلى المصارف الرسمية. بينما تسرب إلى السوق الموازية للدولار (السوق السوداء).
ويقول “الإدريسي”، لـ”مصر 360″، إن التفاوت بين سعر صرف الجنيه أمام الدولار الرسمي وبين السوق الموازي تسبب في اضطراب وعدم ثقة المواطنين في المصارف. وبالتالي، كان الحل الأسهل هو السوق الموازي. وحتى مع تخفيض قيمة الجنيه لا يزال قطاع كبير لا يثق في العملة المحلية.
ذلك بالإضافة إلى عدم تقديم الحكومة أوعية استثمارية جاذبة للمصريين بالخارج، وتقاعسها عن تقديم أي تشجيع للمصريين لتحويل أموالهم إلى مصر، أو صرفها بالطرق الرسمية، بحسب الإدريسي.
وهو يرى أن هناك سببًا مرتبطا أيضًا بذلك؛ أنه ورغم رفع معدلات الفائدة إلى وإصدار شهادات بمعدل فائدة 25% إلا إن معدلات التضخم قاربت هذا الرقم بعد وصولها إلى 24.4%.
وكان البنك المركزي قرر في اجتماعه الأخير في يناير/ كانون الماضي تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 16.25% و17.25%و16.75%، على الترتيب. كما قرر تثبيت سعر الائتمان والخصم عند 16.75%.
ويُدلل أستاذ الاقتصاد على تقاعس الحكومة، بفشل تجربة التسهيلات المقدمة للعاملين بالخارج بشأن السيارات. وقد أخفقت في الوصول إلى المستهدف جمعه؛ 10 مليار دولار. فيما يقترح إصدار الحكومة أوراق مالية في شكل “سندات” تُقدم للمصريين بالخارج بمعدلات فائدة جاذبة.
ويطرح الإدريسي مقترحه متسائلًا: “الحكومة تُصدر سندات دولارية وأحيانًا باليورو للمستثمرين الأجانب، فلماذا لا تطرحها أمام المصريين بالخارج بنفس معدلات الفائدة، وبالتالي تكون الاستفادة أكبر وتُحقق عائدا اقتصاديا يعود بالنفع على أبناء البلد؟”.
هل الانخفاض مؤقت؟
يتفق الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، مع كون التضخم العالمي وارتفاع نفقات المعيشة في الخارج السبب الرئيسي في تآكل رواتب المصريين بالخارج والتأثير السلبي على القدرة الادخارية للعاملين بالخارج، الأمر الذي انعكس سلبيًا على تراجع قيمة تحويلات المصريين.
لكنه يرى أن الانخفاض الراهن في قيمة هذه التحويلات مؤقت، متوقعًا أن تشهد الأعوام القادمة ارتفاعات ملحوظة في هذه القيمة. بينما يشير إلى أنه يبني توقعاته تلك على أن نسبة الانخفاض الحالية في الأشهر الثماني الأولى من عام 2022 “ضئيلة نسبيًا”.
وقد تحدث عن الطفرة التي حدثت في تحويلات المصريين بالخارج خلال العام المالي 2021/ 2022، واصفًا إياها بالتاريخية مع اقترابها من 31.9 مليار دولار، مقابل 27.8 مليار دولار في العام المالي 2019 /2020. موضحًا أنها كانت ترجع بالأساس إلى أزمة جائحة (كوفيد -19) فيروس كورونا، التي تسببت في سعي المصريين بالخارج لتحويل أكبر قيمة من عوائدهم إلى مصر خوفًا من أي تداعيات سلبية على خلفية الجائحة والأزمة المرضية التي ضربت العالم.